احمد فايق يكتب: جمهورية مصر الفئوية
خدعوك فقالوا إن موازنة الدولة لا تتحمل المزيد من الأعباء، وأن المظاهرات الفئوية تعطل الإنتاج، ومنظميها قادمون من عمل سفلى عبارة عن لسان عصفورة زرقاء ممزوجة بريش دجاجة عذراء، هل تتذكرون محمد أبو سويلم أو محمود المليجى فى فيلم الأرض حينما قال: «الناس عايزة الأرض.. والأرض عايزة مياه.. والمياع عايزة واسطة.. والواسطة سرايا.. والسرايا عايزة طريق.. والطريق عايز نهبة.. والنهبة الفقير اللى هو إحنا».
بالفعل، المصريون يريدون الخبز.. والخبز يحتاج لمظاهرات فئوية.. والمظاهرات الفئوية تحتاج لقرار.. والقرار ينقصه التشريع.. والتشريع عند الرئيس.. والتنفيذ عند الحكومة.. والحكومة فيها موظفون كبار.. والموظفون الكبار يتقاضون المليارات..والمليارات تحتاج لنهبة.. والنهبة هو الفقير من الطبيب للعامل فى النقل العام للمدرس لموظف الحكومة البسيط.
فقد تعودت الأنظمة ووسائل الإعلام الرسمية وحتى الخاصة على فتح النار على هؤلاء البسطاء، يتهمونهم دائما بالجشع، يبحثون فى عقولهم المريضة عن نظرية المؤامرة، فى فترة المجلس العسكرى اتهموهم بأن أمن الدولة يحركهم، ولما أتى الإخوان مرة يصفونهم ببقايا النظام القديم، ومرة أخرى يعتبرونهم عملاء أو جهلة لا يعرفون أن الاقتصاد يتوقف بسببهم.
يمارس الرئيس مرسى نفس سياسات المخلوع الإقطاعية فى الاقتصاد، يذبح الفقير لصالح الغنى، يمتص دماء الغلابة لصالح رجال الأعمال، حتى الآن مصانع الحديد والأسمنت تبيع للمواطن منتجاتها وتصدر أيضا للخارج بالسعر العالمى، ورغم ذلك يحصلون على المليارات من دعم الكهرباء والغاز والمياه، وفوق كل هذا يحصلون على الأراضى من الدولة بـ «تراب الفلوس»، ويعطون للعمالة أجوراً متدنية.
تصر حكومة قنديل أن تعطى للموظفين الكبار رواتب ومكافآت بلا حدود، أجورهم تتجاوز نظراءهم فى الخارج عشرات الأضعاف، فى مصر يوجد موظفون يتجاوز ما يحصلون عليه شهريا المليون جنيه، لا يقتربون من ملف المستشارين الذين أغرقوا مصر طوال 30 عاما بآرائهم ورغم ذلك مازلنا ندفع المليارات، وصناديق خاصة لا تخضع لرقابة أحد ولا سلطان عليهم سوى ضمائرهم التى تحولت لخزائن تمتلئ بالذهب والياقوت والمرجان، توزع الحكومة أموال الشعب على الكبار فقط، وهؤلاء الكبار مطلوب منهم أن يحققوا العدالة الاجتماعية، فكيف يفعلونها وتطبيقها سيغلق عليهم مغارة على بابا التى ينهبونها يوميا.
معظم بلاد العالم المتحضر تفرض ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة إلا مصر، فحيتانها أقوى بكثير من الشعب المصرى كله، أما الضرائب التصاعدية فهى المطلب الحرام للمصريين، كيف تساوى الحكومة بين من يربح مليار جنيه سنويا وبين من يشرب من مياه الصرف الصحى؟
الأراضى تمنح مجانا للمستثمرين رغم أنهم يبيعون لنا بالأسعار العالمية، وتمنح للمواطنين بأغلى الأسعار وفى قرعة علنية، فى الإسكان العائلى لو كنت سعيد الحظ وفزت بالقرعة وهذا لن يحدث ستتدفع 700 جنيه ثمن متر الأرض، لتجد منزلا يحميك من برد الشتاء ويظلل عليك فى حر الصيف، أما لو كنت مستثمراً فلا تنزعج فستحصل على الأرض مقابل دولار واحد فقط للمتر ودون قرعة، يضاف إليه بعض من أموال بند دعم الصادرات، لو كنت مستثمراً من حقك أن تحصل على كل شىء مدعوماً وأيضا تستطيع أن تدفع للعامل الملاليم، لأنه إذا احتج سيصبح متظاهراً فئوياً خائناً عميلاً وجاهلاً.
إذا اقتربت من هذا الملف ستجد اسطوانات محفوظة من نوعية أن تشجيع الاستثمار يوفر فرص عمل للملايين، لكنهم يعلمون أنهم يتقاضون الملاليم، وكل بلاد العالم تضع عشرات القيود القانونية حتى لا يتوحش رأس المال، ويتحول إلى ذئب يفترس الجميع، كيف يحدث هذا وهناك زواج بين رأس المال والنظام نفسه القائم هو أيضا جزء من رأس المال الحاكم؟
كيف تكون الأهلى والزمالك والحكم والجمهور فى نفس الوقت؟
إن مصر غنية لو طبق العدل فيها، لا أطالب بالاعتداء على أموال الغير أو نهب ممتلكاتهم، لكن أعتى الأنظمة الرأسمالية فى العالم لا تخلو من حد أدنى وأقصى للأجور ورفع الدعم عن المستثمرين وتوفير التأمين الصحى الكامل والتعليم لجميع المواطنين.
إن العملاء والخونة من أصحاب المطالب الفئوية نجحوا أن يتحولوا إلى خبراء اقتصاديين، من كثرة الهم الذين يعيشون فيه، قدموا حلولا للعدالة الاجتماعية، توفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم، لكن حلولهم تاهت وسط قنابل الغاز المسيل للدموع، ماتت على أبواب مكاتب الوزراء، دفنت على يد الفساد، ولا عزاء لمصر سوى إصلاح حقيقى أو ثورة جديدة.