طلعت شبيب.. «قلبه وقف من الضرب»

العدد الأسبوعي

شهيد الأقصر
شهيد الأقصر


■ تدشين صفحة «كلنا طلعت شبيب» للتنديد بالحادث.. وهروب الشرطة من السكن بـ«العوامية»
 ■ أسرة القتيل ترفض التعويض وتصر على تقديم الملازم المتهم بتعذيب الضحية حتى الموت للمحاكمة 
■ هدوء حذر فى المدينة انتظاراً لنتائج التحقيقات.. وشباب غاضب: نقل الضابط المتهم غير كاف

الأقصر، الآن على صفيح ساخن، وأزمة كبيرة، قد تمتد إلى محافظات الصعيد بالكامل، بعد وفاة طلعت شبيب الرشيدى، 43 سنة، أحد مواطنى المدينة، الذى خرج من قسم الشرطة جثة هامدة، بعد أن دخله على قدميه فاقداً لكرامته بعد أن صفعه ضابط صغير، تعدى الـ20 سنة بقليل.

المدينة تشهد غضباً غير مسبوق، بعد وجود دم بينهم وبين الشرطة، حيث يمثل طلعت حال أكثرية المدينة، حيث كان يعمل فى مجال السياحة وتدهورت أحواله مع الركود الذى أصاب القطاع بعد ثورة 25 يناير.

تعتبر الأقصر إحدى أشهر المدن السياحية فى مصر، ومن المدن القلائل فى الصعيد التى تضم حركات ثورية تشكلت خلال ثورة 25 يناير، تضم مجموعات يسارية وليبرالية، كانت من القوة، بحيث استطاعت مواجهة الإخوان، والسلفيين، ومساندة رفض العاملين بالسياحة لتعيين الرئيس المعزول محمد مرسى، أحد المتهمين فى مذبحة الدير البحرى، بالأقصر عام 1997 محافظاً للمدينة، فضلاً عن طبيعة المنطقة الليبرالية التى تتعامل مع سائحين من جميع الجنسيات، طيلة عشرات السنوات الماضية.

ويمثل الضحية طلعت الرشيدى، حال المدينة ومواطنيها، إذ كان يعمل فى بيع أوراق البردى، للسائحين فى معبد الكرنك، قبل ثورة 25 يناير، وعندما أصيبت السياحة بالركود، تنقل بين عدة مهن مختلفة، للصرف على أبنائه الـ4، أكبرهم محمود فى الصف الأول الثانوى، وأصغرهم مصطفى، 6 سنوات، وفى صباح 25 نوفمبر، كان يجلس على مقهى قرب منزله، فحضرت قوة أمنية من قسم بندر الأقصر، مكونة من ضابط وأمينى شرطة وعدد من الأفراد، وطلب الملازم أول باهر طه، من طلعت الصعود لـ«بوكس» الشرطة، فرفض، فصفعه الضابط الصغير، أمام زبائن المقهى فرد عليه طلعت بصفعة مماثلة، فتجمع الأمناء والأفراد وانهالوا بالضرب على طلعت، فطلب منهم التوقف لأنه مصاب بمرض فى القلب ولكنهم استمروا بضربه حتى أجبروه على الصعود إلى سيارة الشرطة التى حملته حياً إلى القسم.

يؤكد نجل شقيقة الرشيدى، إنه كان فى المقهى مع خاله، وخلال المشادة وضع أمين شرطة شريط حبوب فى ملابس طلعت، وعاد وأخرجه منها مدعياً أنه شريط ترامادول.

وتقول شقيقة طلعت إن بعض القيادات الأمنية بالمحافظة روجت أن شقيقها تاجر مخدرات، وله صحيفة جنائية، لكنها تحدتهم بإظهار أى وثائق تثبت أنه مسجل، أو تم تحرير محضر واحد بحقه.

وتوجه أقارب طلعت إلى القسم لمحاولة حل الأزمة، ولكن أمناء الشرطة أخبروهم أنه ليس محتجزاً فى حجز القسم بالطابق الأرضى، ولكنه فى الطابق الثانى مع ضباط المباحث، وبعدها بساعة اتصل مأمور القسم بيوسف ابن عم طلعت، وأبلغه، أن قريبه شعر بإعياء شديد وتم نقله إلى المستشفى الدولى للأقصر، وهناك لم تسمح إدارة المستشفى لأسرة طلعت بالدخول للاطمئنان عليه، وبعدها تم إبلاغهم أنه توفى وتم وضع جثته فى ثلاجة المستشفى، والتحفظ عليها لحين تحرير محضر بالواقعة وعرضها على الطبيب الشرعى.

وذكر تقرير المستشفى، الذى حصلت «الفجر»، على نسخة منه: «وصل المذكور طلعت شبيب الرشيدى، جثة هامدة إلى المستشفى بعد أن جاءت به سيارة الإسعاف مع ضابط وسيارات شرطة وتم التحفظ عليه فى ثلاجة المستشفى، لحين تحرير محضر بالواقعة، وعرضه على الطبيب الشرعى»، ووقع التقرير الدكتور محمد زيدان الذى استقبل الحالة واثنان من طاقم تمريض الاستقبال.

وأكد محمد سعد، ابن عم الشهيد، أنه شاهد جثة طلعت قبل دفنها، ورأى آثار واضحة لكدمات فى رقبته وبطنه وأماكن حساسة بجسده وقام بتصويرها، أما ملابسه التى استلمها، فلم تكن جميعها موجودة، أما البقية فكانت ممزقة، فضلاً عن اختفاء ساعته وخاتم فضة كان يرتديه و200 جنيه كانت بحوزته وهاتف محمول كان معه، قبل وجوده بالقسم.

بمجرد علم أهالى منطقة العوامية، التى ينتمى إليها الرشيدى، بوفاته، توجه طوفان من الأهالى الغاضبين، فى اليوم التالى للواقعة، إلى القسم والمديرية اللذين يبعدان عن المنطقة نحو 150 مترا، كان الجميع يعلم بإهانة الضابط لجارهم، واقتياده للقسم، وكان يعلمون أيضاً بالصفعة التى ردها الضحية للضابط الصغير، وكانوا يتوقعون مصيبة قادمة، ولكنهم لم يتصوروا أن تضع الواقعة نهاية لحياة طلعت.

كان غضب الأهالى عارماً، فلم تشهد المدينة حادثاً مشابهاً من قبل، والعلاقة بين الشرطة وبين الأهالى الذين يعمل معظمهم بالسياحة، غير متوترة، ولم تشهد من قبل اعتداءات من أى نوع، من جانب رجال الشرطة.

هتف الشباب الغاضبون «عاش راجل ومات راجل» فى إشارة إلى رفض طلعت الإهانة ورد صفعة الضابط بأخرى مثلها، وطالبوا بتقديم الضابط المتهم بالتسبب بوفاة الضحية، إلى المحاكمة العاجلة، واحترام الحقوق والحريات وكرامة المواطن، وضرورة تقديم وزير الداخلية اعتذاراً عن الواقعة.

فى المقابل أطلقت قوات الشرطة الطلقات التحذيرية والقنابل المسيلة للدموع، فى اتجاه منطقة العوامية، التى كانت تدفع بأمواج من الشباب والرجال الغاضبين، وتطور الأمر إلى إطلاق الرصاص المطاطى عليهم، ما أسفر عن إصابة أحد الأشخاص فى قدمه وبطنه، وتم نقله إلى المستشفى فى حالة حرجة، إلى جانب القبض على 28 شاباً من أهل المدينة.

ولا حديث فى الأقصر حالياً سوى مصرع طلعت، خاصة أنها المرة الأولى التى تشهد فيها المدينة صداماً بين الشرطة والأهالى، ودشن عدد من شباب المحافظة، صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، باسم «كلنا طلعت شبيب»، وهى إشارة للصفحة الشهيرة «كلنا خالد سعيد»، التى كانت إحدى وسائل التعبير عن الغضب ضد ممارسات ضباط الشرطة، التى أدت إلى وفاة الشاب خالد سعيد فى الإسكندرية، قبل ثورة 25 يناير بشهور قليلة.

وتتضمن الصفحة صورة الضحية طلعت وخالد سعيد، والفنان الراحل خالد صلاح مرتدياً زى أمين الشرطة حاتم وهى الشخصية التى جسدها فى فيلم «هى فوضى»، إلى جانب شعار «مفيش حاتم بيتحاكم»، إلى جانب فيديوهات عديدة عن حوادث تعذيب متهمين ومواطنين فى أقسام الشرطة.

رغم سخونة الأوضاع كان لأسرة طلعت، موقف مختلف، حيث أقامت عزاء للضحية، واستقبلت اللواء أبوبكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة، والمحافظ محمد بدر، للذين حضرا لتقديم واجب العزاء، وتبرأت من المظاهرات الاحتجاجية، على مصرع طلعت، وطلب نجله من كبار عائلات العوامية، إقناع الشباب بالهدوء منعاً لنشر الفوضى فى المدينة المتألمة.

وطلبت الأسرة ضرورة فتح تحقيق من خلال النائب العام، والحصول على اعتذار رسمى من وزير الداخلية وتقديم الضابط المتهم للمحاكمة العادلة، ورفضت قبول أى تعويض مادى.

ووسط هذا التوتر علق أحد ضباط قسم بندر الأقصر الذى شهد مصرع طلعت، «بانر» لتقديم التعازى إلى أسرة الضحية وأهالى العوامية، فى إشارة إلى رفض الضباط للواقعة.

ورغم الهدوء المؤقت الذى تشهده المدينة بعد مظاهرات حاشدة شهدتها خلال الأيام القليلة الماضية، تنتقل شرارة الثورة من شاب إلى أخر، ومن منطقة لأخرى، فى انتظار كيفية معالجة النيابة ووزارة الداخلية للأزمة، خاصة مع وجود مصاب فى المظاهرات فى حالة صحية حرجة، وقال عدد من الشباب لـ»الفجر» إن نقل الضابط المتهم إلى خارج المدينة غير كاف لتسكين الأوضاع، التى أدت إلى هروب عدد من أفراد الأمن من منطقة العوامية للسكن بعيداً عنها، خشية تداعيات غضب الأهالى، ولجوء قسم ومديرية الأقصر، إلى تشديد الإجراءات الأمنية بعد الواقعة، خشية انفجار الأوضاع مجدداً فى المدينة.