حسين معوض يكتب: حاتم بيتحاكم

مقالات الرأي




من السهل أن ننصب المشانق اللغوية لرجال الداخلية.. ومن السهل أن نحملهم وزر أرذالهم، عملا بقاعدة «السيئة تعم».. ولأن جهاز الشرطة بحكم عمله فى الشارع يحتك غالبا بأرذلنا مجرمين وإرهابيين فمن السهل أن تجد بينهم متجاوزا، أو مريضا بالمباغتة خوفا من رد الفعل.. ومن السهل ايضا أن تجد منا ضحايا.

الخوف أن تمنعنا بطولات بعضهم من مطاردة مجرميهم، أو تغرينا قسوة ما تعرض له ضحايانا لنبرر للخارج على القانون أو الإرهابيين جرائمهم فى حق جهاز الشرطة.

الخوف أن نقع دائما فى فخ التقسم «هم ونحن».. ما حدث فى الأقصر جريمة بشعة لا تقل عن بشاعة ما حدث فى الإسماعيلية.. وإن ثبتت الاتهامات يستحق مرتكبوها الموت شنقا، وهى عقوبة شرعية تطبق على القتلة، حتى وإن كان القاتل ضابط شرطة.. والحديث عن إثبات التهمة هنا ليس تشكيكا فى حقيقة الفاعل أو الفعل ولكنه انتظار إجبارى لحكم القاضى.

من السهل أن نعدد أرقام ضحايا التعذيب فى أقسام الشرطة، ليخرج من يعدد أسماء وأعداد الضباط المقتولين فى مواجهات مع الإرهابيين والعصابات الإجرامية.. دائرة جهنمية لن ينجو منها أحد.

الحل الوحيد أن نعطى الضحية حقه.. حقه فى محاكمة عادلة وعاجلة لقاتله، وحق أهله فى الحديث عن معاناتهم، وحق المجتمع للتخلص من مرضى السلطة أو المشوهين اجتماعيا الذين يعاقبون الناس على جرائم غيرهم، وحقنا فى أن يخرج منا ضابط شرطة مؤهل للتعامل مع أولاد الناس فى الشارع، فشوارعنا ليست ملكا لمجرمين يطاردهم الضباط!!

الضباط المتهمون فى جرائم القتل والتعذيب الأخيرة صغار السن، خريجون جدد، وبالتالى لا نجد ما يبرر القول بأنهم ينتقمون لأحداث يناير 2011، كما أننا على أعتاب ذكرى الثورة ومسئولية الضباط والداخلية هى عدم السماح للإخوان بنشر الفوضى أو تبريرها مسبقا..

طاقة النور الوحيدة التى رأيناها فى أحداث التعذيب المتلاحقة هى موقف الداخلية.. مساعد الوزير للإعلام والعلاقات العامة اللواء أبوبكر عبدالكريم اعترف على الهواء للأستاذ عادل حمودة فى برنامج «آخر النهار» بأن ما حدث جريمة، قال إن حادثة واحدة من الحوادث التى شهدها الأسبوع كفيلة بـ»هز الداخلية»، ووصف ما فعله الضباط بالتجاوزات الخطيرة، لم يحاول الدفاع عنهم لأنهم غالبا مجرمون، لكن مساعد الوزير دافع عن الأبرياء.. بالطبع جموع ضباط الشرطة أبرياء من الـ4 جرائم تعذيب، فتعميم المسئولية قد يقابله تعميم «انتشار الجريمة والإرهاب وتعاطى المخدرات»..

لم ينكر مساعد وزير الداخلية حاجة الوزارة بشكل دورى لتأهيل ضباطها، فهم يواجهون الموت كل ساعة فى الشوارع.. يجب أن نؤهلهم على مواجهة الموت وتفاديه وفى نفس الوقت عدم التجاوز وإهدار حقوق الناس فى المعاملة الكريمة.. وقال إن نفس يوم وقوع إحدى جرائم التعذيب شهد مقتل 4 من أفراد الداخلية (ضابط وأمين وأفراد فى الجيزة).. حسب معلوماتنا فإن شهداء الداخلية أمطرهم مجهولون بـ 200 رصاصة فى منطقة سقارة.

اللواء أبوبكر عبدالكريم المسئول عن التصريح والحديث باسم الوزارة قال إن خطأ 4 من الضباط لا يعنى أن عشرات الآلاف من الضباط ومئات الآلاف من الأفراد كلهم مجرمون.

الجريمة الأكبر التى يمكن أن ترتكب الآن هى أن يموت أبناؤنا أمام أعيننا ونحن صامتون محرومون حتى من الصراخ.. من حق أهل الضحايا أن تصل صرخاتهم إلى كل الآذان.

فى النهاية الحقيقة الوحيدة التى لا يملك أحد التشكيك فيها أن أبرياء ماتوا فى أقسام الشرطة.. والنتيجة الوحيدة التى لن يقبل أحد بغيرها هى أن القاتل يجب أن ينال عقابه.. عاقبوهم بقوة القانون حتى لا تكون فتنة بين الناس.

بدأت الفتنة بالفعل أمام مديرية أمن الأقصر.. وانتقلت إلى ساحات التواصل الاجتماعى، واستسهل نشطاء الفيس بوك منح لقب «خالد سعيد» لطلعت شبيب ضحية الأقصر.. ومن باب استحضار مرارة المواجهة بين الداخلية والجماهير انتشرت تغريدات وبوستات «مفيش حاتم بيتحاكم».. بالطبع يعود الشعار لفيلم «هى فوضى» الذى لعب بطولته النجم الراحل خالد صالح، أمين الشرطة الذى استعدى الجميع وفرض سطوته على الغلابة وتحدى القانون ممثلا فى وكيل النيابة.. نهاية «حاتم» فى الفيلم كانت وسط حصار الجماهير له وهو يرفع سلاحه..

وبعد نزول الفيلم دور السينما بأشهر قليلة قامت شرارة الثورة وحدث ما توقعه المخرج خالد يوسف فى فيلمه.. الآن وصل المخرج إلى البرلمان وأصبح نائبا صاحب حق فى الرقابة والتشريع.. ووصلت فكرته جيدا إلى عقول وقيادات الداخلية.. حاتم الآن يحاكم.