د. رشا سمير تكتب: لن أعيش فى جلباب جوز أمى!
كانت مشكلة عبد الوهاب ابن الحاج عبد الغفور البرعى أن والده كان رجلا ناجحا وله نفوذ، فعاش الابن عُمره محاولا الخروج من جلباب أبيه ليصنع لنفسه كيانًا منفصلاً.. تلك هى الصورة التى رسمها إحسان عبد القدوس فى رواية عكست واقعا مصريًا صميمًا فى وقتها.. واليوم أهدى إليكم هذه القصة التى تتكرر كل يوم لتعكس واقعا مُغايرا لمجتمع تبدلت معاييره وغابت عنه المفاهيم المحترمة.
دخل الساعى حاملا صينية الشاى متوجها إلى مكتب المدير العام وقال له:
أنت عارف سعادتك الشاب اللى اتعين بره ده يبقى قريب مين؟
انتفض المدير العام وقال:
مين يا عم أبو الخير بسرعة
بيقولوا الوزير يبقى جوز خالته
يا نهار أسود.. يعنى خاله لزم وبيشوفه كل يوم، وإحنا راميينه على مكتب مهكع وسط عشر موظفين، من غير ورقة أدامه.. نادى له بسرعة.
ودخل الشاب على المدير العام وهو ينتفض.. فقال له:
يا ابنى أنا نظرا لكفاءتك قررت إنى أقعدك فى أوضة لوحدك، وأخليك تبقى المسئول عن مشروع إسكان الشباب الجديد
بس يا فندم حضرتك قلت لى إنى ساقط سنتين وتقديرى العام مقبول وده مايؤهلنيش لعمل أى حاجة.
مش عيب على فكرة إنى أغير فكرتى عنك.. وبعدين يا سيدى أنا كنت غلطان، وإحنا لازم نشجع الشباب.. يالا ورينى همتك.
انصرف الشاب مبتسما سعيدا.. وعاد فى اليوم التالى مختلفا، فقد شعر بشىء من الاهتمام الذى لم يشعر به منذ تعيينه.. دخل عليه زملاؤه مُهللين مُهنئين.. وتساءل أحدهما حاقدا:
أكيد هو عمل لك كده علشان قريبك الوزير.. هو بالمناسبة دى يقربلك إيه؟
هو يبقى خالى على طول.. واستنى بقى أرد على المحمول.. خالو بيكلمنى!
أخذ الهاتف وابتعد قليلا فى ركن يتحدث هامسًا دون أن يفسر كلامه أحد..
وبعد شهرين من توليه المشروع، أثبت فشلاً سريعاً، فحاول المدير العام أن يجد مخرجًا ولكن.. كيف؟ وماذا سيقول لسعادة الوزير؟!..
قول لى يا ابنى أنت مبسوط معانا
جدا يا فندم
طيب سلم على سعادة الوزير وإبقى لو قابلته على الغداء أو العشاء والنبى فكره بموضوع الترقية بتاعى ده، ما أنت عارف إنى باتحارب علشان أنا شريف!.
طبعا يا باشا، ده أنا بالصدفة حاشوفه النهارده فى خطوبة عائلية وحافكره أكيد.
وانصرف الشاب إلى سيارته الجديدة التى تسلمها من المؤسسة، نظرا لجهوده الجبارة فى إفشال المشروع الجديد!.
جرى خلفه الأستاذ عبد السميع وأعطاه ظرفا وهو يركب السيارة قائلا له:
مبروك يا ابنى، أنت كسبت المركز الأول فى مسابقة الشعر اللى كانت عاملاها الوزارة واللى كنت أنا رئيس لجنة التحكيم فيها، وده شيك بمائة ألف جنيه.. ماتنساش بقى تسلم على عمو!. وبعد شهور يدخل الشاب على مديره وهو يتحدث فى الهاتف قائلا:
أيوه يا خالو.. ربنا يخليك، لأ ما تقلقش ماما بخير، كانت تعبانة بس شوية.. ربنا يخليك يا خالو يوصل، أهو الباشا قاعد أدامى أهو.. حاضر حاسلم لك عليه.. لأ، لأ مش محتاجة تكلمه، هو بصراحة الراجل من الأول كان مرشحنى.
وتنتهى المُكالمة بأن يهب المدير العام من مكانه مهللاً مشيدا بجهود الموظف الهمام، ويرفع سماعة التليفون على الفور معطياً الأوامر الصريحة بترقية الشاب متخطيا ثلاثة من زملائه يستحقون الترقية، ليصبح مدير الإدارة الهندسية بالمؤسسة!
إلى هُنا تنتهى القصة.. ويظل السؤال حائرا: هل سعادة الوزير خاله أم زوج خالته أم عمه؟!..
الحقيقة المؤسفة أن بطل قصتنا ليس ابن الحاج عبد الغفور البرعى.. فهو لا يستحى ولا يريد أن يخرج من جلباب سعادة الوزير.. وفى لحظة تجلى يسأله صديقه المقرب:
هو أنت بجد سعادة الوزير يقربلك إيه؟
يرد الشاب مبتسما بعد أن يتأكد أنه لا يوجد من يستمع إليهما:
الحقيقة.. هو كان جوز أمى من 7 سنين وطلقها، ومن يومها ماشوفتوش!!..
نعم.. نحن يا سادة من نصنع فقاعات الهواء.. ونحن من ننفخ فيها حتى تنفجر.. وتحيا جمهورية مصر العربية..
