احمد فايق يكتب: سرقة تاريخ مصر بـ 1٫2 مليار جنيه
■ قطر تتفاوض مع الشيخ صالح كامل على شراء 1500 فيلم مصرى وتسيطر على سوق الدراما
■ قنوات bein تضغط للخروج من النايل سات ومفاوضات لإقناعهم بالبقاء
■ قمر صناعى قطرى جديد يضم قنوات الجزيرة وbein والأفلام المصرية والدراما وكل دوريات وبطولات كرة القدم فى العالم
السهرة كانت فى الحسين، كان معنا الناقد السينمائى الأمريكى الشهير «جاى ويسبرج»، الحوار شيق، أصابنى بالاندهاش وهو يتحدث معى عن أفلام صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وأداء سعاد حسنى، ثم انتقل إلى مرحلة حوار الحضارات الشهير، نظرت له مبتسما «هل تعلم أن المقهى الذى نجلس فيه الآن أقدم من الولايات المتحدة الأمريكية؟»
رد على بخبث: نعم أعلم هذا ولذلك لا أعيش فى أمريكا اخترت أن أعيش فى روما لأننى أجد نفسى هناك أكثر.
أحيانا لا نشعر بقيمة مانمتلكه، ومن السهل جدا تسفيه كل شىء حولك، تاريخك حاضرك مستقبلك، فقد أصبحنا نشبه لوحة «سلفادور دالى» ضجيج بلا طحن.
لن أطيل عليكم...
الفراعنة كتبوا تاريخهم على جدران المعابد وأوراق البردى، وظلت هذه الوثائق الحجرية والورقية شاهدة على تاريخنا الذى نتفاخر به الآن، مصر كانت من أوائل الدول فى العالم التى دخلها فن السينما عام 1897 من خلال عرض الإخوان لوميير بالإسكندرية، وأصبح لدينا أرشيف من السينما يناظر أقوى ثقافات العالم، هذا الأرشيف لا يقل عن 6 آلاف فيلم، والمتبقى منه حتى الآن حوالى 4500 فيلم، والبقية إما ضاعت أو حرقت أو تحللت فسادا أو إهمالا أو جهلا.
الشيخ صالح كامل جمع 1500 فيلم اشتراها من الورثة، واستفاد به طوال السنوات الماضية من خلال شبكة قنوات «ايه ار تى» المشفرة، التى كانت تؤجر لنا تاريخنا وتراثنا بالمال.
إذا أردت أن تبحث عن مشهد لشوارع القاهرة فى الثلاثينيات أو الاربعينيات أو الخمسينيات، ستجده فى هذه الأفلام، إذا أردت أن توثق لمشاعر المصريين طوال أكثر من مائة عام ستجدها فى هذه الأفلام، إن صورة الوطن بالنسبة لنا ما هى إلا مشهد فى فيلم لصلاح ابو سيف وأغنية لشادية ولحن لبليغ حمدى.
إن اللهجة المصرية هى من أبعد اللهجات إلى اللغة العربية، وبها الكثير من المصطلحات الفرعونية، ورغم ذلك دخلت كل البيوت العربية ووحدت الجميع على فهمها وحبها من خلال الأفلام.
لا توجد دولة فى العالم تسمح ببيع نيجاتيف أفلامها، أمريكا لديها نسختان من كل فيلم أنتجته، واحدة فى البنتاجون والثانية فى الكونجرس، وغير مسموح بالمساس بها.
لكننا نضع نصف أفلامنا الآن بين يدى صالح كامل والنصف الآخر بين يدى الوليد بن طلال، هناك بعض الأفلام حرقها الورثة بسبب مشهد يعتبرون أنه حرام.
هل تعلم أن هناك فيلما اسمه «عماشة فى الأدغال» بطولة صفاء أبو السعود وفؤاد المهندس، هذا الفيلم استخدمته المخابرات المصرية فى عملية التمويه فى تفجير الحفار الإسرائيلى الشهير، لقد تم نقل معدات تفجير الحفار عبر حقائب الممثلين ومعدات الفيلم إلى «ابيدجان» وتم صناعة هذا الفيلم خصيصا من أجل أن تفجر المخابرات المصرية الحفار الإسرائيلى وهو فى طريقه إلى سيناء بعد نكسة 67.
هل تعلم أن نيجاتيف هذا الفيلم أصبح لا وجود له تقريبا بعدما تخلص منه صالح كامل لأن زوجته صفاء أبو السعود ظهرت فيه بالمايوه؟
هناك مئات الأفلام التى جرى اغتيالها ثقافيا بسبب التطرف الدينى أو حتى السياسى، لقد مرت علينا الكثير من المناسبات الوطنية مؤخرا دون أن نرى أفلاما تعبر عنها، أفلام ثورة 23 يوليو أصبحت تقريبا ممنوعة من العرض هل تتذكر فيلما عظيما مثل «بورسعيد»، هل أصبح فيلم «رد قلبى» من الممنوعات.
هل شاهدت تقريرا فى برنامج يسأل الشباب عن نجوم كبار مثل شكرى سرحان ورشدى أباظة وسعاد حسنى وكانت الاجابة بلا.
هل تعرف أن المسئول عن هذا هو حجب تاريخ المصريين ووضعها فى قنوات متخصصة؟
هل تعلم أن الوليد بن طلال أصبح شريكا لإمبراطور الإعلام الصهيونى روبرت ميردوخ ويتحكمان الآن فى 1800 فيلم مصرى؟
لقد كتبت هذا الكلام كثيرا طوال فترة حكم حسنى مبارك ولم يتحرك أحد..
فنظام الحكم لا يهتم بالتاريخ وإلا لاهتم بالمصريين حتى يجد لنفسه صفحة مشرفة فى كتاب التاريخ، بدلا من صفحات سوداء سيكتب فيها.. لقد عاش المصريون فى الفقر والجهل والتخلف والفساد فى فترة الفرعون محمد حسنى مبارك.
لم يهتم أحد رغم أن الحل كان سهلا بقانون أو تشريع أو شراء هذه الأصول وتحويل ملكيتها للدولة بدلا من بيع التاريخ.
لقد أعلنت «ايه ار تى » من فترة أنها تريد بيع مكتبتها، العرض كان مفتوحا للجميع، ولم تتقدم أى جهة رسمية مصرية بالتفاوض لشراء هذه المكتبة، مصر الآن تمتلك علاقات قوية مع السعودية وتستطيع أن تستخدم هذه العلاقات فى نقل هذه الأفلام لنا وليكن هذا جزءاً من المنح السعودية التى لا تتوقف علينا منذ الثورة، نستطيع أن نستخدم كل القنوات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية لتحويل مسار هذه الأفلام نحو الوطن، فالدفاع عن تاريخنا السينمائى مثل الدفاع عن العرض، فتاريخ مشاعر المصريين مدون على نيجاتيف 1500 فيلم مصرى.
حتى الآن لم يحدث شىء....
لكن أسوأ سيناريو يمكن أن تتخيله هو الذى حدث....
لقد تدخلت قنوات «بن سبورت» للتفاوض وعرضت ملياراً و200 مليون جنيه، والصفقة تقترب من الانتهاء ونحن نتفرج، قنوات «بن سبورت» هى قنوات قطرية فرنسية، والنسبة الأكبر من الأسهم هى لقطر.
هذه القنوات تستعد الآن لشراء كل مكتبات الأفلام المصرية وشراء حقوق النيجاتيف، أى ليس من حق أحد عرض الأفلام قبل موافقتها، ومثلما احتكروا مباريات كرة القدم فى العالم كله سيحتكرون أيضا الأفلام.
الخطة الخبيثة تجاوزت إلى عمل باقة كبيرة من قنوات «بن القطرية» الباقة تضم الأفلام المصرية والقنوات الرياضية والمسلسلات الدرامية الجديدة وقنوات عامة مثل ال «سى بى سى» و«النهار»، وجعلها قنوات مشفرة، وهذا يعنى حرمان المصريين من مشاهدة أفلامهم إلا بمقابل مادى كبير فى القنوات المشفرة، وربما حرمانهم إلى الأبد.
الأكثر شرا أنهم يخططون الآن للانسحاب من النايل سات إلى قمر صناعى قطرى، ويصبح على القمر الجديد الأفلام والمباريات والدراما وقنوات الجزيرة والقنوات العامة لـ«بن»، فلماذا سيلجأ المصريون بعد ذلك إلى النايل سات، فقد سحبوا كل شىء، ولم يصبح لدينا سوى برامج المصطبة التى تهين مصر والمصريين.
الصفحة الرسمية لـ«بى إن سبورت» على ويكيبيديا تقول « هى شبكة عالمية من القنوات الرياضية وتنقل مجموعة من البطولات العالمية وهى مشفرة ايضا تملكها مجموعة بى إن الإعلامية GROUP وتبث محتواها وبرامجها فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وإندونيسيا، والفلبين، وهونغ كونغ وتايوان وأستراليا».
ففى منطقة الشرق الأوسط تقوم القناة ببث محتواها على 16 قناة. بينما تقوم بتشغيل ثلاث قنوات فى فرنسا (بى إن سبورتس 1، وبى إن سبورتس 2، وبى إن سبورتس ماكس) وأطلقت قناتين فى الولايات المتحدة (بالإنجليزية والإسبانية) فى أغسطس 2012، كما أطلقت خدمة بث حية عبر الإنترنت فى كندا فى أكتوبر 2013، والتى أعقبها إطلاق لقناة كاملة فى 31 يناير عام 2014، بعد عدة سنوات من التأخير بسبب صعوبة البيئة الرقابية فى كندا وفى أستراليا حصلت المجموعة على تصريح بالبث بعد شراء الحقوق من قنوات سيتانتا سبورت الأسترالية، وحصلت على حقوق بث حصرية لمنافسات الدورى الإيطالى الممتاز.
بشكل عام تتكون الشبكة من عدة قنوات
بى إن سبورت العربية: افتتحت فى 1 نوفمبر 2003 ومقرها الدوحة فى قطر وهى القناة الرئيسية، وكانت تعرف سابقاً باسم الجزيرة الرياضية.
بى إن سبورت الفرنسية: افتتحت فى 1 يونيو 2012 مقرها باريس فى فرنسا.
بى إن سبورت الكندية: افتتحت فى 31 يناير 2014 مقرها تورونتو فى كندا.
بى إن سبورت الأسترالية: افتتحت فى 1 نوفمبر 2014.
فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تمتلك بى إن سبورت تملك حقوق بث مباريات لعبة كرة القدم منها الدورى الإنجليزى الممتاز والدورى الإيطالى الممتاز والدورى الإسبانى ودورى الدرجة الأولى الفرنسى، ودورى أبطال أوروبا والدورى الأوروبى وغيرها.
فى فرنسا، بى إن سبورت تملك حقوق بث مباريات لعبة كرة القدم فى التليفزيون الفرنسى، بما فى ذلك دورى الدرجة الأولى الفرنسى، الدورى الألمانى، ودورى أبطال أوروبا وبطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم.
فى الولايات المتحدة وكندا، بى إن سبورت تملك حقوق بث مباريات الدورى الإسبانى، والدورى الإيطالى الممتاز، ودورى الدرجة الأولى الفرنسى، وكأس ملك إسبانيا، ودورى البطولة الإنجليزية وتصفيات أمريكا الجنوبية لكرة القدم، بالإضافة إلى قناة نادى برشلونة.
فى إندونيسيا، بى إن سبورتس تملك حقوق بث مباريات الدورى الإيطالى الممتاز، ودورى الدرجة الأولى الفرنسى، والدورى الأمريكى الممتاز، ودورى الدرجة الأولى البرازيلى، وبث مباريات الدورى الإنجليزى الممتاز لثلاثة مواسم من 2013/14 إلى 2015/16 بالشراكة مع إم بى وسيلفا.
فى هونغ كونغ، بى إن سبورتس تملك حقوق بث مباريات الدورى الإيطالى الممتاز، ودورى الدرجة الأولى الفرنسى، والدورى الأمريكى الممتاز، وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، وكأس إيطاليا لكرة القدم، وكأس الدورى الفرنسى، بالإضافة إلى قناة نادى ليفربول، وقناة نادى توتنهام وقناة نادى إيه سى ميلان.
ويرأس قنوات بى إن سبورت ناصر بن غانم الخليفى رجل الاعمال القطرى ولاعب سابق فى رياضة كرة المضرب من مواليد 12 نوفمبر 1973 فى دولة قطر، وهو أيضا رئيس نادى باريس سان جيرمان.
ويعتبر ناصر الخليفى رياضيا سابقا مارس لعبة التنس، ودرس الاقتصاد وإدارة الأعمال، وخاض مشواراً كبيراً فى عالم الإعلام القطرى الموجه وإدارة الاعمال ليحقق قفزة كبيرة كمدير للحقوق التليفزيونية والتسويق فى قنوات الجزيرة الرياضية ثم رئيساً للشبكة التى قادها بنجاح فى حرمان المصريين من أهم البطولات التى حصلوا عليها فى أمم إفريقيا سواء على مستوى المنتخب أو الأندية، وكان له دور كبير فى ضم الجزيرة إلى شبكة بى إن سبورت، واستحواذ القطريين أنفسهم على أكبر شبكة رياضية فى العالم.
هو أيضا رئيس للنادى الفرنسى باريس سان جيرمان منذ عام 2011 بعد استحواذ شركة قطر للاستثمارات على النادى..
السيناريو واضح الآن ولا التباس، دولة مثل قطر لا تمتلك فى تاريخها 50 فيلما تشترى 1500 فيلم، ومن خلال شبكة عالمية يدخل فيها شركاء من فرنسا ودول أخرى، وهذا يعنى أنهم سيضعون مصر أمام التحكيم الدولى إذا حدث خلاف وأرادت الحكومة المصرية استرداد الأفلام، أو عرضها فى التليفزيون الحكومى دون إذن منهم.
والخطة الأسوأ هى محاولة تدمير النايل سات، فرغم نجاح قطر فى إعلامها الموجه تجاه مصر طوال السنوات الماضية، إلا أنهم لم ينجحوا فى تدمير النايل سات، فهو القمر الموجود فى كل البيوت العربية، وفشلت كل تجارب الأقمار الصناعية فى الدول العربية.
الآن «بى إن سبورت» أصبحت تمتلك الباقة الأقوى والاكثر اهتماما للمصريين، يكفى أن لديها كل بطولات إفريقيا فى الكرة وكأس العالم وكأس العالم للقارات وأهم الدوريات الأوروبية، وسيصبح لديها كلاسيكيات السينما المصرية.
فى نفس التوقيت دخل القطريون مجال الدراما وتعاقدوا على شراء 10 مسلسلات حتى الآن من دراما رمضان القادم ورفعوا الأسعار بشكل مبالغ فيه ليغلقوا أى طريق أمام الثقافة المصرية.
إن التاريخ السينمائى المصرى ينتقل الآن من السعودية إلى قطر والمقابل تافه مقارنة بما يتضمنه من قيمة، ماذا يعنى مليار جنيه مقابل أفلام زرعت فى داخلنا الهوية المصرية، وتسببت فى رسم صورة الوطن بداخلنا.