حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود

إسلاميات

بوابة الفجر


الحديث المسؤول عنه أخرجه البيهقي: أخبرنا أبو طاهر الزيادي، من أصله، أخبرنا أبو عثمان البصري، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، حدثنا عامر بن خداش، أخبرنا عمر بن هارون، قال: سمعت ابن جريج، عن داود بن أبي عاصم، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تصلي اثنتي عشرة ركعةً من ليل أو نهار تشهد بين كل ركعتين، فإذا جلست في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر واسجد، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة، ثم تسأل بعد حاجتك، ثم ارفع رأسك فسلم عن يمينك وعن شمالك، واتق السفهاء أن تعلموها فيدعون ربهم فيستجاب لهم)).

وأخرجه أبو القاسم إسماعيل بن محمد الملقب بقوام السنة: أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، أنبأ الحاكم أبو عبد الله، أنبأ محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي، ثنا محمد بن أشرس السلمي، ثنا عامر بن خداش النيسابوري، ثنا عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج، عن داود بن أبي عاصم، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار، وتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله -عز وجل- وصل على النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، واسمك الأعظم وحدك وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك، ثم سلم يمينًا وشمالًا، ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجاب)).

ولم يتكلم السيوطي على إسناد هذا الشاهد -وهو في تاريخ دمشق 36/ 471، ط. دار الفكر- ولكن ابن عراق تكلم عليه وزاد فوائد، قال ابن عراق: وفيه الحسن بن يحيى الخشني، قال الذهبي في المغني: تركوه، وقال في الكاشف: وهاه جماعة، وقال دحيم وغيره: لا بأس به. وذكره الحافظ شمس الدين ابن الجزري في كتابه الحصن الحصين من رواية البيهقي ثم قال: قال البيهقي: إنه قد جرب فوجد سببا لقضاء الحاجة قال: ورويناه في كتاب الدعاء للواحدي، وفي سنده غير واحد من أهل العلم، وذكر أنه قد جربه فوجده كذلك، قال: وأنا قد جربته فوجدته كذلك على أن في سنده من لا أعرفه، انتهى. ورواه الديلمي في مسند الفردوس مسلسلا، يقول: كل من رواته جربته فوجدته حقًّا إلى ابن مسعود. وقال الديلمي: وأنا جربته فوجدته حقًّا. وقال العراقي في شرح الترمذي في الكلام على إسناد هذا الحديث وبيان ضعفه: وداود بن أبي عاصم لم يدرك ابن مسعود ولا يعرف له عنه رواية، والظاهر أن ذكر ابن مسعود فيه وهم من بعض رواته، وإنما هو عن داود بن أبي عاصم عن عروة بن مسعود مرسلا، فجعَل بعضُ رواته مكانَ عروة عبدَ الله فوقع الوهم، ومع ذلك فهو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة في نهيه عن القراءة في الركوع والسجود، انتهى.

والخلاصة في هذا الحديث أنه لا يصح من ناحية إسناده، وقد تكلم في نكارة متنه أيضا لمخالفته النهي عن القراءة في الركوع والسجود، وهو ما ورد في صحيح مسلم من حديث ابن عباس، قال: ((كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))، ومن حديث علي بن أبي طالب، قال: ((نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا)).

قال النووي: «قوله صلى الله عليه وسلم: ((نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) وفي حديث علي رضي الله عنه: ((نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا)) فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء، فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة كره ولم تبطل صلاته، وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه كغير الفاتحة فيكره، ولا تبطل صلاته، والثاني يحرم وتبطل صلاته، هذا إذا كان عمدًا فإن قرأ سهوا لم يكره، وسواء قرأ عمدًا أو سهوًا يسجد للسهو عند الشافعي رحمه الله تعالى، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب)) أي سبحوه ونزهوه ومجدوه، وقد ذكر مسلم بعد هذا الأذكارَ التي تقال في الركوع والسجود».

وقال الملا علي القاري: «وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا) كلمة تنبيه (إني نهيت) أي: في كراهة تنزيه لا تحريم، قاله ابن الملك، وقال ابن حجر: وعليه أكثر العلماء، وقيل: تحريمًا، وهو القياس، (أن أقرأ القرآن) أي: عن قراءته (راكعًا أو ساجدًا) أي: في هذين الحالين، قال الخطابي: لما كان الركوع والسجود، وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح، نهى عليه السلام عن القراءة فيهما، كأنه كره أن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الخلق في موضع واحد، فيكونان سواءً، ذكره الطيبي، وفيه أنه ينتقض بالجمع بينهما في حال القيام. وقال ابن الملك: وكأن حكمته أن أفضل أركان الصلاة القيام، وأفضل الأذكار القرآن، فجعل الأفضل للأفضل، ونهي عن جعله في غيره لئلا يوهم استواءه مع بقية الأذكار، وقيل: خصت القراءة بالقيام أو القعود عند العجز عنه؛ لأنهما من الأفعال العادية، ولا يتمحضان للعبادة، بخلاف الركوع والسجود؛ لأنهما بذواتهما يخالفان العادة ويدلان على الخضوع والعبادة، ويمكن أن يقال: إن الركوع والسجود حالان دالان على الذل ويناسبهما الدعاء والتسبيح، فنهي عن القراءة فيهما تعظيمًا للقرآن الكريم، وتكريمًا لقارئه القائم مقام الكليم، والله بكل شيء عليم. قال القاضي: نهي اللهِ تعالى رسولَه يدل على عدم جواز القراءة في الركوع والسجود، لكن لو قرأ لم تبطل صلاته، إلا إذا كان المقروء الفاتحة، فإن فيها خلافًا، يعني: عند الشافعية؛ لأنه زاد ركنًا، لكن لم يتغير به نظم صلاته».

ومما تقدم يتبين أنه ليس هناك إجماع على بطلان الصلاة في الحالة المذكورة، وأن الجمهور على حمل النهي على الكراهة، بل وهناك من السلف من رخص في القراءة في الركوع والسجود، خاصة في المكتوبة. قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: «ورخصت طائفة في القراءة في الركوع والسجود. روي عن أبي الدرداء، أنه كان يقرأ البقرة في سجوده. وعن سليمان بن ربيعة وعبيد بن عمير والمغيرة. وعن النخعي فيمن نسي الآية أو تركها، فذكرها وهو راكع، قال: يقرؤها وهو راكع.

وعن المغيرة قال: كانوا يفعلون ذلك. وسئل عطاء عن القراءة في الركوع والسجود فقال: رأيت عبيد بن مير يقرأ وهو راكع في المكتوبة. ورخص بعضهم في ذلك في النفل دون الفرض؛ روى سليمان بن موسى، عن نافع، عن علي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن القراءة في الركوع والسجود في الصلاة المكتوبة، فأما الصلاة في التطوع فلا جناح. خرجه الإسماعيلي، وإسناده منقطع، فإن نافعا إنما يرويه عن ابن حنين، عن أبيه، عن علي، كما سبق. وآخر الحديث لعله مدرج من قول بعض الرواة. وسليمان بن موسى مختلف فيه».

كما أن التعليل بالمنع الذي قال به بعض العلماء من تنزيه القرآن عن قراءته في حال التذلل والخضوع بالسجود والركوع لا يقطع به، بل هو احتمال، فيمكن اعتباره حكمة لا علة، كما أن هناك من رأى حكمة أخرى غير ما سبق. قال الشعراني: «(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه و سلم) أن نصلي صلاة الحاجة؛ إظهارا للفاقة، والحاجة كالهدية التي يرسلها الإنسان لمن له عنده حاجة قبل أن يجتمع به، وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : ينبغي فعل صلاة التسبيح قبل صلاة الحاجة لما ورد بأنها تكفر الذنوب كلها، وذلك من أكبر أسباب قضاء الحاجة، فإن تأخير قضاء الحوائج إنما يكون بسبب الذنوب في الغالب. وسمعته يقول أيضا: ينبغي شدة الحضور في أذكار السجدة الأخيرة من صلاة الحاجة التي يسلم بعدها، وعلامة الحضور: أن يحس أن مفاصله كادت تتقطع وعظمه كاد يذوب من هيبة الله تعالى، وهناك ترجى الإجابة، وإيضاح ذلك أن قراءة القرآن على الله تعالى في السجود لا يطيقها أحد لكون العبد في أقرب ما يكون من الله تعالى كما ورد».

ومما تقدم يتبين ضعف طرق الحديث الدال على مشروعية قراءة القرآن الكريم في الركوع والسجود، وتعارض متنه ومعناه مع ما هو أقوى وأثبت منه من الأحاديث الدالة على النهي عن ذلك، ومع ذلك فقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى مشروعية هذا العمل في الصلاة المكتوبة وفي الصلاة النافلة، إلا أن الراجح في هذا هو عدم المشروعية، ولا يلزم من هذا بطلان صلاة من فعل ذلك كما ذهب إليه الجمهور من حمل النهي على الكراهة، ولا ينكر على من فعل هذه الصلاة مقلدًا من جوزها من أهل العلم.
 
والله تعالى أعلم.