منال لاشين تكتب: لعنة الطائرة الروسية
■ الحكومة أخطأت فى عدم الإعلان عن التعاون مع بريطانيا فى مجال التأمين
مصر ترفض الاستعانة بشركات أجنبية لتأمين المطارات والجيش يتولى المهمة
هى قصة خيالية ولكنها مفيدة للجميع. قصة تجمع بين الأمريكان والروس. قصة مسئول روسى فى أيام الاتحاد السوفيتى والحرب الباردة .. المسئول صديق للرئيس السوفيتى ومع ذلك تحوم حوله شبهات أو شائعات الجاسوسية لأمريكا. ولكن لا أحد استطاع أن يثبت عليه تهمة الجاسوسية. وظل المسئول السوفيتى فى منصبه ثم تقاعد.
وفى جلسة «صفا» مع صديقه الرئيس اعترف له المسئول بأنه عمل لصالح أمريكا. فسأله الرئيس: كيف وقد أخضعناك للرقابة طويلا، ولم نرصد أى اتصالات بينك وبين المخابرات الأمريكية. فحكى المسئول القصة المثيرة. قال المسئول إنه لم يقابل رجل المخابرات الأمريكية سوى مرة واحدة ولم يطلبوا منى سوى طلب واحد. سأله الرئيس بلهفة وما هو الطلب؟ فرد الرجل: كلما عرض ترشيح موظفين فى أى مستوى أو وظيفة اختار الأسوأ.
والقصة السابقة ذكرها الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين فى أحد مقالاته للتدليل على أهمية اختيار المسئولين فى كل المستويات. فالمسئول الفاشل أو المهمل قد يكون أشد خطرا من الإرهاب.
ولذلك فإن اختيار الموظفين والمسئولين يجب أن يحظى بأولوية مطلقة قبل وبعد حادث الطائرة الروسية. ومع مواجهة الإرهاب أو حتى بعد دحره وهزيمته إن شاء الله. وسواء كان هناك مؤامرة ضد مصر أو بدونها. فإن الكفاءة فى العمل واختيار الأكفاء لأى عمل هو المخرج الحقيقى لأزمات مصر.
تأمين أجنبى
بعد سقوط الطائرة الروسية ثم إعلان روسيا أخيرا أن الحادث إرهابى بفعل قنبلة فإن الحديث عن تأمين المطارات المصرية لا ولن ينتهى. وهذا الحديث ليس مجرد حديث داخلى، فعندما يتعلق الأمر بالطائرات فى العالم. فهناك شركاء عديدون. الدولة التى منحت الطائرة ترخيص العمل والشركة التى تملك الطائرة والمصنعة لها أو لأجزائها والدول التى ترسل لنا بطائراتها أو نستقبل فى مطاراتها طائرات مصرية أو طائرات أى دولة فى العالم. كل ذلك بالإضافة للدولة التى فقدت بعض رعاياها فى حادثة الطائرة.
فعندما تسقط طائرة يصاب العالم كله بالخوف ويعلن أقصى درجات الحذر واليقظة. وعندما سقطت طائرة بان أمريكا اتخذت السلطات الأمريكية قرارا بإغلاق المطار لمدة ثلاثة أيام.
وعلى الرغم من أن الإجراءات الجيدة التى اتخذتها مصر فور سقوط الطائرة الروسية. فإن ثمة أخطاء وقعنا فيها. وقد سببت هذه الأخطاء توابع يصعب الخروج من آثارها بسهولة. مصر لم تقبل فكرة العمل الإرهابى وتأخرت فى هذا الصدد. وذلك على الرغم من المؤشرات المتعددة التى توالت بعد أيام من سقوط الطائرة.
كما أن مصر لم تعلن من قبل عن إجراءات التعاون بينها وبين بريطانيا فى مجال تأمين المطارات. وهو تعاون بدأ فى عام 2014 وشهد أربع جولات أو زيارات. والإعلان المبكر عن هذا التعاون كان سيقوى موقف مصر بعد سقوط الطائرة الروسية.
ولاشك أن الحساسية المصرية الشهيرة وراء تجنب إعلان هذا التعاون. وربما تكون نفس الحساسية وراء عدم الإعلان عن تعاون آخر. ففى يوم زيارة الرئيس السيسى لمدينة شرم الشيخ استقبل مطار شرم لجانا أوروبية.وتحديدا أربع لجان.
ولكن الحساسية المصرية من أى تدخل أجنبى لعبت فى الملف بشكل أكبر وأهم. فمصر ترفض الاستعانة بشركات تأمين أجنبية للمطارات المصرية. وليس مجرد مطار شرم الشيخ فقط. فبعض جهات الدولة السيادية رأت فى هذا الاقتراح أو بالأحرى الاستعانة بابا للتدخل. خاصة فى التعرف على ركاب الطائرات والمسافرين، على بلاطة هذه الجهات السيادية ترى فى الاستعانة بخبرات دولية تداخلا أو تقاطعا مع عمل الجوازات. ولكن الشركات الدولية لتأمين المطارات لا تتدخل فى هذه المجالات على الإطلاق ولكنها تتولى عملية تأمين شامل للمطارات وبالمعايير الدولية.
فبعد أحداث 11 سبتمبر بأمريكا شددت بعض الدول مثل بريطانيا وأمريكا إجراءات تأمين المطارات بمعايير ربما تبدو صعبة، ولكنها الآن تبدو منطقية ومطلوب ملاحقتها والوصول إليها. والمشكلة بالنسبة للجهات السيادية ليست فى الإجراءات أو المعايير الأوروبية أو الأمريكية. ولكنها فى الاستعانة بالأجانب فى تأمين المطارات. وهذه الجهات ترى أن الجيش يمكن أن يقوم بهذه المهمة الوطنية. وأن يتولى الجيش عمليات التأمين الكامل للمطارات المصرية.
إعادة هيكلة
من الممكن أن تلاحظ بالعين المجردة زيادة أعداد الضباط خاصة من الرتب الكبيرة فى المطارات خاصة مطار شرم. ولكن القضية ليست مجرد زيادة أعداد أفراد الشرطة. فالخروج من توابع أزمة الطائرة الروسية يتطلب أكثر من ذلك بكثير. فنحن نحتاج إلى إعادة هيكلة فى قضية تأمين المطارات بشكل يتلاءم مع المعايير التى تضعها الدول الأخرى.
وإعادة هيكلة تأمين المطارات تبدأ من خارج صالات المطارات. هذه العملية يجب أن تبدأ من مناطق تخزين الحقائب والأمتعة. ومنطقة المخازن و(التشوينات). فهذه المناطق بمساحاتها الكبيرة وبعدها عن الأنظار قد تكون مجالا خصبا لطموحات وعمليات الإرهابيين. وهذه المناطق اللوجستية تحتاج إلى فكر جديد وأرقى معايير التأمين والكاميرات وتحديد أشخاص من ذوى الكفاءة الأمنية العالية. وذلك بالإضافة إلى الأجهزة الإلكترونية عالية الجودة مثل الكاميرات ذات القدرة العالية على التخزين. والأبواب الإلكترونية أو بالأدق ذات الأبواب الإلكترونية وطرق التخزين والتشوين الحديثة.
بالإضافة إلى الاهتمام بمنطقة الحقائب والتخزين فإن حرم المطارات فى مصر أيضا يحتاج إلى نظرة أمنية وقدرات أكبر للتأمين لأن حرم المطارات هو بداية الطريق لتأمين الهدف الرئيسى. تأمين الطائرات نفسها وتوفير الأمانة للركاب والمسافرين.
صعوبة المواجهة
ربما تبدو المواجهة مع الإرهاب وداعش صعبة ولكنها ليست مستحيلة، وفى وسط هذه المعركة هناك مواجهة أخرى تحتاج إلى شجاعة وثقة بالنفس. مواجهة مع أنفسنا للوصول لأعلى مستوى فى التأمين. فنحن نحقق نجاحات وندخل فى مواجهات عديدة، ولكننا نصاب بأزمة حادة ومفاجئة إذا تطلب الموقف مواجهة مع أنفسنا أو أدائنا فى بعض القطاعات والمجالات والمواقف. فى حالة كارثة سقوط الطائرة الروسية كانت المواجهة مع أنفسنا صعبة. إذا تحدث البعض عن أخطاء فى العنصر البشرى ببعض المطارات أو سلوكيات خاطئة فى بعض المطارات أصبنا بالغضب. وإذا طرح آخرون الاستعانة بالخبرة الدولية لتأمين المطارات شعرنا بالعار. وهناك من يدعى أن لدينا أفضل تأمين أو يرفع شعار (ليس فى الإمكان أفضل مما كان). وأعتقد أن هذا التوجه لن يفيدنا كثيرا فى معالجة الأزمة. فهناك توابع دولية لسقوط الطائرة بعمل إرهابى. وكلما تحدثنا بواقعية وتحركنا فى اتجاه توفير أفضل تأمين كلما خرجنا بسرعة من الأزمة وبخسائر أقل. فقد عرضت روسيا على سبيل المثال تكوين مجلس مشترك مع مصر للتعاون فى قضايا الإرهاب. وهذا اقتراح قد يسرع من الخروج من توابع الأزمة. وهناك دول وخبرات يجب أن نطلب ونسعى للاستفادة منها فى مجال تأمين الطائرات. ليس من باب أن الطائرة الروسية قد سقطت فى المجال الجوى المصرى فقط، ولكن لأن انتهاء التحقيقات بوجود قنبلة فى الطائرة سيؤدى لآثار دولية. آثار وتوابع فى مجال تأمين مضاعف نتيجة المخاوف فى كل المطارات والطائرات. وهذا الخوف أو الرعب من الانتقام بالطائرات أو الإرهاب الطائر سيؤدى إلى مزيد من القيود والإجراءات فى مطارات عديدة. ويجب ألا تنتظر مصر انتهاء التحقيقات النهائية للبدء فى عملية إعادة هيكله تأمين المطارات واتخاذ إجراءات جديدة لتأمين مطاراتنا. وإذا تطلب الأمر الاستعانة بالخبرات الدولية فيكون ذلك بمنتهى الشفافية. فالعالم كله يتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب. وتعاونه مع مصر فرض عين وليس تفضلا من أحد. مرة ثانية وثالثة يجب ألا تنتظر مصر انتهاء التحقيقات لأننا لم نضر من زيادة فاعلية تأمين مطاراتنا فى ظل هجمة إرهابية شرسة من داعش. حملة تستهدف العالم كله وتتزايد فى الفترة القادمة.
■ أربع لجان أوروبية زارت مطار شرم الشيخ قبل زيارة الرئيس السيسى لها
2 روسيا تبنى حلم الضبعة بـ10 مليارات دولار
خلافا لمعتقدات البعض فإن أزمة أو كارثة الطائرة الروسية لم تؤثر على العلاقات بين مصر وروسيا. وفى لقاء لبعض المسئولين المصريين بموسكو تم الاتفاق على بدء تنفيذ الحلم النووى المصرى. وبحسب الاتفاق ستتولى روسيا بناء محطتين نوويتين بمنطقة الضبعة. وتقدر تكلفة إنشاء المحطتين بنحو 10 مليارات دولار. ويتضمن الاتفاق نقطة حاسمة لصالح مصر وهى نقطة تتعلق بالتمويل أو بالأحرى توفير التمويل. فقد تم الاتفاق على أن تتولى روسيا توفير التمويل لإنشاء المحطتين. وبعد الانتهاء من إنشاء المحطتين وبدء تشغيلهما تحصل روسيا على المبلغ من خلال فواتير الكهرباء التى سيتم إنتاجها من المحطتين. وبحسب الدراسات فإن تكلفة إنتاج الكيلو وات من الكهرباء من خلال المحطة ستنخفض إلى نحو 23 مليما أى أقل من ثلاثة قروش. وبذلك تبلغ تكلفة إنتاج الكيلو وات من الكهرباء بالطرق التقليدية لأكثر من عشرة أضعاف نظيرتها المنتجة بواسطة النووى.
وبحسب الاتفاق ينتظر أن يبدأ العمل فى إنشاء المحطتين فى آخر العام الحالى. ولذلك عقد الرئيس السيسى اجتماعا مع رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل ووزيرى الكهرباء والمالية لبحث الإسراع فى إنهاء الإجراءات الخاصة بالجانب المصرى. وبالمثل ناقش الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومى الذى عقد منذ أيام برئاسة السيسى قضية الاستعداد ببدء تنفيذ المحطتين النوويتين بمنطقة الضبعة.
إنشاء محطة الضبعة كان ولايزال حلما انتظره المصريون لعشرات السنوات.
3 تأجيل قرارات «العكننة»
يبدو أن حكومة المهندس شريف إسماعيل قد استمعت أخيرا لصوت الحكمة والعقل وقررت تأجيل عدة قرارات وإجراءات كانت ستؤدى إلى زيادة الأعباء على المصريين. وذلك فى ظل ارتفاع غير مسبوق فى أسعار السلع الأساسية من ناحية وتدنى مستوى الخدمات التى تقدمها الحكومة من ناحية أخرى. وقررت الحكومة تأجيل رفع أسعار خدمات مترو الأنفاق والسكة الحديد وذلك لحين الانتهاء من تطوير المترو والسكة الحديد. وتحقيق طفرة فى مستوى الخدمة بالمرفقين الأساسيين فى وسائل النقل. وامتد التأجيل إلى الاتوبيسات العامة.
وبالمثل لم تحدث الآن زيادة فى أسعار المياه على المنازل والمحلات وذلك لحين تحسن الأحوال الاقتصادية.
ولكن الزيادات فى الكهرباء أفلتت من موجة التأجيلات. فقد شهدت الكهرباء أو بالأحرى الفواتير الأشهر الأخيرة زيادات كبرى تجاوزت فى بعض الحالات 50% زيادة عن قيمة الفواتير قبل الزيادة.
وترجع الزيادات الكبرى فى فواتير الكهرباء إلى تحميل الطبقة المتوسطة الزيادة التى كانت مقررة على فواتير الفقراء. وكان الرئيس السيسى قد قرر عدم إجراء زيادة فى الشرائح الثلاثة الأولى الأقل فى استهلاك الكهرباء. وقامت الحكومة بتحميل أو بالأحرى تعويض هذه الزيادة المقررة على الشرائح الأقل للشرائح الأعلى.
وكانت الحكومة قد قررت تحرير سعر الكهرباء خلال خمس سنوات وذلك من خلال تخفيض الدعم تدريجيا على استهلاك الكهرباء. وذلك مع الإبقاء على استمرار الدعم للشرائح الأقل استهلاكا بنسب مختلفة.
4 مطالب شرم
قبل أن تغادر حكومة المهندس شريف إسماعيل شرم الشيخ كان بعض مستثمرى شرم يطالبون بما أكثر من تواجد الحكومة معهم فى شرم الشيخ. أهم المطالب تتعلق بزيادة التسهيلات الحكومية المقدمة لمستثمرى شرم لمواجهة أزمة انهيار السياحة الأجنبية بعد سقوط الطائرة الروسية. فالحكومة قررت تأجيل دفع التأمينات لمدة ثلاثة أشهر فقط. وبعض المستثمرين يرون أن هذه الفترة غير كافية. وبالمثل لم تعلن وزارة المالية أو مصلحة الضرائب، لأن بعض المستثمرين يقومون بتقسيط الضرائب. كما أن وزارة الكهرباء لم تقدم تسهيلات لتقسيط أو تأجيل مستحقات الكهرباء بالنسبة للمستثمرين.
ولكن الزيارة الحاسمة بالنسبة للمستثمرين هى زيارة البنوك أو بالأحرى محافظ البنك المركزى الجديد طارق عامر. وذلك بعد تأجيل اجتماع جمعية مستثمرى شرم الشيخ مع المحافظ. لأن قطاع البنوك يمثل طوق نجاة مهم للمستثمرين من خلال إعادة جدولة ديون المستثمرين لدى البنوك.
لا يحتاج دعم السياحة فى شرم الشيخ أو بالأحرى دعم القطاع السياحى لاختراع العجلة، لأن مصر مرت بنفس المصيبة من قبل وإجراءات الحكومة والبنك المركزى فى ذلك الوقت كانت فاعلة فى مساندة القطاع. ومن المهم ربط كل التسهيلات بالحفاظ على العمالة فى فنادق شرم. لأن آفة المستثمرين هناك هى تقليل العمالة والتخلى عن العمالة المدربة لترشيد النفقات. وهو الأمر الذى يضر بمستوى الخدمة الفندقية فى شرم. ونحن نحتاج إلى أعلى مستوى من الخدمة كعنصر جذب لشرم بعد انتهاء الأزمة.
إنقاذ شرم وقطاع السياحة بها لن يـتحقق بالزيارات وحدها ولا بالكلمات العاطفية ولا بالمؤتمرات فقط، ولكن بتنفيذ الروشتة الحكومية والمصرفية التى طبقت فى شرم خلال أزمتها الماضية مع الإرهاب. وأن نطبق هذه الروشتة بمنتهى منتهى السرعة.