بالفيديو والصور.. «الفجر» تحاور ملوك الـ«مُرتديلا».. وتكشف الستار عن عالم «الخنازير» فى مصر

الفجر السياسي

بوابة الفجر

 تصوير: بلال أحمد - ولاء غنيم

 «طباخ السم بيدوقه، وانا إن مأكلتش منه يبقى فيه حاجة، عيالي كمان بياكلوا منه، وأنا أخاف على عيالي أكتر مني»، قالها «شحاتة»- في العقد الرابع من عمره- أحد مربي الخنازير بمنطقة «منشأة ناصر»، بالقاهرة، وخلفه زوجته وزوجة ابنه، تقومان بفرز القمامة بأيديهن وإلقاء بقايا الطعام لعدد من الخنازير أعلى سطح عمارة من طابقين ، اصطحبنا إلى سطح بيته، الذي اتخذ منه مزرعة صغيرة لتربية الخنازير وماشية أخرى كالماعز والبط.


منذ دخولك إلى منطقة «الزرائب»، تنظر إليك عيون سكانها باستغراب وريبة، فهم ليسوا معتادين على رؤية الغرباء، هم كمجتمع صغير يعرف بعضه بعضًا، تلال متراكمة من القمامة في كل جانب وكل زاوية، يحوطها الذباب والحشرات في مشهد تلفظه حواسك الخمس، وتشفق إنسانيتك على قاطني هذا المكان.

 

 6 أعوام مرت منذ أن قامت الحكومة المصرية في عام 2009 بإعدام معظم الخنازير في إجراء وحشي، بعد أن دفنت معظمهم أحياء في الصحراء ثم غطتهم بالحمض ومنعت أصحابها من تربيتها مجدداً؛ لمكافحة مرض «إنفلونزا الخنازير»، الذي ظهر في مصر في تلك الفترة وهو الإجراء الذي اعتبره العاملون بصناعة لحوم الخنازير بمثابة قطع رزق متعمد لهم، وشعروا أنهم ضحايا اقتصاديًا واجتماعيًا، وحتى الآن لايزال بعض سكان «منشأة ناصر» يخافون البوح بتربيتهم للخنازير.

 

 أثناء حديثنا مع أحد المربين قاطعنا عدد من المارة من سكان المنطقة بعبارات هجومية «هتجبولنا الحكومة تاني وتخربوا بيتنا؟، انتوا عاوزين مننا ايه ما تسيبونا ناكل عيش ونربي أولادنا»، وبعد اتفاقنا معهم بأننا جئنا لننقل واقعهم كما هو دون تدخل، استفاض السكان في حديثهم معنا، قالت زوجة أحد المربين وعاملة بفرز القمامة: «دي ثروة لينا، خصوصًا الأنثى؛ لأنها ولادة تنجب كثيرًا، الخنزير يعيش على فضلات الطعام، ما الفرق بينه وبين البط؟، فبعد فرز المخلفات الصلبة تتبقى المخلفات العضوية، وهو يتغذى عليها، ومن غيره لتتعفن وتصبح رائحتها كريهة بالإضافة إلى انها بتسبب في أمراض مختلفة».

 

تمد سيدتان يدهما إلينا لنصعد فوق سطح إحدى العمارات المكونة من طابقين، لنرى بركة طين -أخبرتنا المربية أنها مياه الصرف الصحي من العمارات المجاورة- وصغار الخنزير يحاوطون عائلاتهم، ولكن هذا الحيوان له طقوس خاصة في تربيته.

 

بين عبوات الكانز وزجاجات البلاستيك وبقايا الطعام المفروزة، يجلس «إبراهيم» مع زوجته يقومان بعملهما في فرز القمامة، يحاوطهما مجموعة من الماعز والبط، يقول «إبراهيم»: «نربي الخنازير في بيوتنا، تأكل أكل نظيف، والمياه اللي بتشربها نظيفة، هي أقل تكلفة من غيرها من المواشي، بالإضافة إلى أنها كثيرة العدد، ومكسبها كثير».

 

 وأضاف «إبراهيم» وهو يمسك بفضلات الطعام ويفصلها عن الزجاجات البلاستيكية: «روث الخنازير عمرّ طريق مصر - إسكندرية الزراعى»، مشيراً إلى أن المادة العضوية فيه سريعة الإنتاج وتنتج محصولاً سريعاً فى الأراضى الصحراوية.

 

وطالب «إبراهيم» الحكومة بتوفير أرض قريبة من محل إقامتهم؛ لتربية الخنازير بطريقة جيدة ومرخصة.

 

في محل جزارة صغير مملوك لصاحبه «مايكل وليم»، ورث المهنة عن أبيه بالشراكة مع أخيه، يقول: «بعدما يتم الكشف على الحيوان، يصبح صالحًا للأكل، ومن تعود على طعمه لن يستطيع تذوق غيره، وخصوصًا البلدي، حتى الأجانب من سكان آسيا (الفلبينين والصينين) يفضلونه، ويأتي زبائننا من سكان المنطقة وشبرا الخيمة»، مضيفاً: «هم محبين لطعمه ويأخذون كميات، ويصل سعر الكيلو من 30 إلى 50 جنيهًا، أما أغلى قطعة فتسمى (جامبو)، وهي للطبقات الراقية من زبائن الفنادق».

 

يتابع «وليم»: «دهن الخنزير يستخدم في صناعة الزيوت والصابون، وجزء منه يدخل في صناعة الأنسلولين، وفي فترة إعدام الخنازير واجهت الدولة نقصًا شديدًا في الإنسلوين، بالإضافة إلى استخدامه كعلاج للروماتيزم والبواسير».

أما في المجزر الآلي بالبساتين- ثالث أكبر مجزر في الشرق الأوسط-  وتحديدًا بعنبر 6 المخصص لذبح الخنازير، قال الدكتور عماد طبيب بالمجزر الآلي في عنبرالخازير: «طريقة ذبح الخنازير تختلف عن ذبح الماشية، فتتم عن طريق الغز في القلب بسكينة ذات نصل طويل؛ حتى تخترق القفص الصدري وتصل إلى القلب، ثم يتم وضعه داخل غلاية درجة حرارتها فوق الـ95 درجة مئوية، ثم ينتقل إلى المياه الباردة؛ حتى يسقط جميع شعره، وتأتي مرحلة الكشف على مرحلتين، تكشف مرحلة المعمل (الترايكنلا) واليرقة الموجودة في القلب أو العضلات، إذا اتضح أن العينة مريضة، ففي تلك الحالة يتم إعدام الحيوان بالحرق، وإذا كانت سليمة فيتم ختمها وتصبح صالحة للتناول».

 

وأضاف عماد، أن قلب حيوان الخنزير يختلف عن الماشية العادية، فهو أقرب إلى قلب الإنسان ويأخذ الشكل المخروطي، أما الضأن فقلبه أقرب إلى الشكل الدائري، ومن ناحية الكبد فهو كذلك أقرب إلى كبد اللإنسان وخلاياه تظهر سداسية الشكل ولونه ليس ورديًا كما في الضأن.

 

وقال دكتور رأفت عبد الله حامد، مدير عام المجزر الآلي بالبساتين: «إن نسبة 80% من لحم الحيوان تدخل في المصنعات الخاصة بلحوم الخنازير، وهي موجودة في الضاهر وشبرا ولها منافذ بيع ولها شروط منها أن تباع في محلات منفصلة، ولا تباع مع أي منتجات أخرى بجانبه؛ حتى لا يحدث غش،  و20%  فقط تدخل بشكل مباشر في لحوم طازجة».

 

وتابع «عبدالله»: «تأتي الخنازير من المربيين لها في (منشأة ناصر) و(15 مايو) و(حلوان)، وطريق العين السخنة وغيرهم، واقترح تطوير مزارع الخنازير؛ حتى نصل لمستوى جيد لها ومتابعته كأي حيوان آخر له طرق علاج ووقاية وتحصينات؛ حتى نتجنب إصابته باي أمراض مثل أنفلونزا الخنازير، والسبب العلمي من خوفنا منها هو تقارب الجهاز المناعي للخنازير من الإنسان في تركيبته، فبمجرد أن يحصل تحور في جهازه يصبح من الممكن جدًا عدوته للإنسان، وتصبح الخطورة في إمكانية نقل المرض من فرد لآخر».