حسين معوض يكتب: صناديق سيادية تساند رجال الأعمال فى مواجهة الدولة

مقالات الرأي



1- مديرو صناديق الاستثمار يعاقبون البورصة
كل الاحتمالات مفتوحة فى انهيارات البورصة، مثلا قد يكون تشاؤم المضاربين بعد نشر أخبار سلبية عن الاقتصاد، وقد يتناوب المضاربون على التهام صغار المستثمرين من خلال ألاعيب شهيرة يسمونها «جيمات».. وقد تنهار الأسعار نتيجة أزمة كبيرة تواجهها البلاد مثلما حدث فى واقعة الطائرة الروسية، فالقاعدة تقول إن رأس المال جبان.. والجبان هو أول من يهرب من أرض المعركة ولا يقبل بالمواجهة أو انتظار وضوح الرؤية.

الجديد الآن أن انهيارات البورصة تفسر دائما على أنها عقاب من رجال الأعمال للدولة على تجرؤها عليهم.. ويتم الآن ترويج سيناريو العقاب بعد واقعة القبض على رجل الأعمال صلاح دياب.

تم الترويج لسيناريو العقاب عقب فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، وقتها اعتقدنا أن المضاربين يذبحون أنفسهم أمام شاشات التداول حتى نشعر بالحرج من جرأة الحكومة على مشاركتهم فى أرباحهم.. بالطبع تراجعت الحكومة عن قرارها، ولم تتراجع البورصة عن حركتها المجنونة وانخرطت فى موجة هبوط حادة غير مبررة بعده بأسابيع قليلة.. ثم جاء المؤتمر الاقتصادى وانهارت الأسهم بدون سبب.. وفجأة خرجت نظرية غضب رجال الأعمال على استدعاء الدولة للاستثمارات الخليجية، وبالطبع هى مجرد مبررات لألاعيب غير مفهومة يربح فيها مجموعة محدودة من تجار الأزمات وصناعها.

الأسبوع الحالى وصل حجم خسائر البورصة فى ثلاث جلسات «الأحد والاثنين والثلاثاء» إلى أكثر من 26 مليار جنيه، تمثل قيمة الانخفاض فى رأس المال السوقى للأسهم المتداولة، وهو أكبر هبوط لأسعار الأسهم فى الثلاثة أشهر الأخيرة، انخفضت قيمة الأسهم من 425.8 مليار جنيه مقابل 452.3 مليار جنيه بداية الأسبوع.

قد نفهم أن الشعور بغضب الدولة على رجال الأعمال يدفع المستثمرين للقلق والانسحاب من السوق.. لكن أن تشارك الصناديق السيادية والمؤسسات المحلية والعربية والأجنبية فى سيناريو العقاب فهو أمر يحتاج إلى تحليل وفهم.. وقد تسهل علينا الحسابات لو عرفنا أن شركة بلتون تدير وحدها ما يقرب من 30 % من صناديق الاستثمار العاملة فى البورصة وهى غالبا صناديق مملوكة لبنوك حكومية.. وبالتالى يستطيع القطاع الخاص أن يعاقب الحكومة بفلوس مؤسسات الدولة.

البعض روج لفكرة سحب السيولة من البورصة لحساب الودائع الجديدة بفائدة مرتفعة التى طرحها بنكا الأهلى ومصر، وتصل الفائدة إلى 12.5 سنويا وتصرف عائداتها شهريا، وهو ادعاء أيضا غير دقيق.. فالمستثمر فى البورصة ينتظر دائما عائداً أكبر بكثير من فوائد البنوك مهما ارتفعت قيمتها.

2- الداخلية تتبرع بحل أزمة الدولار وتهريب العملة
انتهت الأزمة الحادة للدولار فى السوق السوداء بمجموعة من الإجراءات التقليدية التى طبقتها الحكومة والبنك المركزى فى السوق، ضخت كميات من الدولارات، واستوعبت قوائم الانتظار فى بنكى الأهلى ومصر لاستيراد سلع أساسية، فى استجابة سريعة ومباشرة ومعلنة لطلبات رجال الصناعة، وذلك بعد ساعات من لقاء المحافظ الجديد للبنك المركزى وأعضاء اتحاد الصناعات.

لا تحتاج الأسواق لإجراءات أمنية بقدر احتياجها لسياسات نقدية، وبقدر احتياجها لقوة الدولة فى مواجهة أصحاب المصالح.. بالطبع تصادف تغيير قيادات البنك المركزى وأزمة الدولار الأخيرة.. لكن وزارة الداخلية أقحمت نفسها فى قضية الدولار وتهريب العملة لتوحى للجميع بأن رجل أعمال إخوانى واحد قادر على صناعة أزمة.. وهو خيال بالطبع، وسقطة انجر لها عدد من المحللين والمتابعين والباحثين عن تفسير سهل ومباشر.

كانت الاتهامات التى وجهتها النيابة إلى رجل الأعمال الإخوانى حسن مالك صادمة، لم تحتو على ما روجه بيان وزارة الداخلية من أن حسن مالك كان فى حوزته كميات هائلة من الدولارات وقت القبض عليه، وقالت الصحف إن المبلغ المضبوط وصل إلى نصف مليار دولار، وهو مانشرته صحف حكومية خاصة وروجت لتصورات وزارة الداخلية التى قالت أن الرجل هو الذى صنع أزمة الدولار ويحتكر السوق السوداء.

بالطبع لو كان حسن مالك قادرا على صناعة أزمة الدولار فهو أيضا قادر على حلها.. وهو إيحاء لم تدرك الداخلية خطورته، وروجت لادعاءات عن شركات الصرافة المملوكة للإخوان رغم أن إدارتها تحت تصرف لجنة حصر وإدارة أموال الجماعة المحظورة.

كل ما فعلته الداخلية أيضا أنها منحت صكوك البراءة لحيتان السوق السوداء الحقيقية ومنهم رجال أعمال كبار أعلنوا التحدى لقرارات الدولة ورغبتها فى السيطرة على العملة الصعبة فى سنوات الأزمة.

بالطبع ساهم حسن مالك وشريكه القيادى الإخوانى عبد الرحمن سعودى فى أزمة الدولار فى السوق السوداء،

وقاما باستغلال بعض شركات الصرافة التابعة للتنظيم فى تهريب الأموال خارج البلاد، منها شركات ذكرتها الداخلية فى بياناتها وقتها وهى شركة التوحيد والنوران المملوكتان لعضو التنظيم كرم عبدالوهاب عبدالعال عبدالجليل، وشركة الغربية للصرافة والمملوكة لعضو التنظيم نجدت يحيى أحمد بسيونى.

اتهمتهم الداخلية بوضع مخططات لضرب الاقتصاد المصرى، وخفض قيمة الجنيه وتم ضبط كمية كبيرة من المبالغ المالية والعملات الأجنبية قالت الداخلية إنه جارٍ حصرهاوقبل نهاية الحصر تسربت أنباء عن مليارات الدولارات المضبوطة بحوزة الإخوان.. الأخطر من المعلومات هى الإيحاءات بقدرة الإخوان على التأثير، وهو فخ انجرت له الداخلية، وهو مؤثر جدا فى عالم البيزنس والاقتصاد.

3- التجارة فى الشائعات
تحولت الشائعات إلى تجارة رائجة.. بها يحول السياسيون أوجاع الناس إلى مكاسب، وأمامها تظهر الدولة فى أضعف صورها، وصلنا إلى مرحلة عدم التمييز بين الشائعة والخبر أو المعلومة.. والغريب أننا لا نجد رد فعل مناسب لحجم الانزعاج من تلك الشائعات، مثلا تم الترويج إلى زيادة مرتبات الضباط بواقع 200 %، وهو أمر لم يحدث، وتم الترويج لبدلات وهمية للقضاة لم يتقاضوها، وتم الترويج لأمنيات البعض على أنها معلومات، مثلا القاضى الذى تمنى على الدولة منح القاضى شيكاً على بياض يصرفه وقتما شاء مثلما يحدث فى بريطانيا.

لم تنزعج وزارة العدل من كم الشائعات التى طالتها ولم تخرج بتصريح واحد، والتفسير الوحيد أن الشائعات متعمدة، وأن الوزارة نفسها تساهم فى الترويج لتلك الشائعات، خاصة أنها صاحبة النصيب الأكبر منها.. والأغرب هو تزامن شائعات زيادة مرتبات ضباط الشرطة والجيش بالتزامن مع إقرار قانون الخدمة المدنية الذى يقلص من الزيادات السنوية لمليون ونصف المليون موظف الذين يشملهم القانون، وأهمهم بالطبع موظفو وزارة المالية فى الضرائب والجمارك.

الشائعات فى البورصة تتحول بسهولة إلى أسهم، وهناك سماسرة يتقاضون عمولاتهم حسب قدرتهم على ترويج الشائعة التى ترفع أسهماً فى السماء وتنزل بأسهم أخرى إلى سابع أرض.

صناعة الشائعات تتجاوز قدرة أجهزة الرقابة على السيطرة.. مثلا عقب القبض على أيمن الجميل فى قضية وزير الزراعة صلاح هلال ارتفعت أسعار الذرة فى السوق المحلية بمقدار 600 جنيه فى الطن فى أقل من 24 ساعة، بالطبع لم ترفع شركات الجميل أسعارها، ولكن الموزعين أصحاب المخازن روجوا شائعات توقف شركات الجميل عن الاستيراد وقرب انتهاء مخزون البلاد من الذرة «المادة الرئيسية فى علف الحيوانات والدواجن» وبالتالى ربحوا من أزمة أيمن الجميل ومن شائعة تبرعوا بترويجها.

وعاش سوق الحديد على الشائعات سنوات طويلة، كانت الشائعات تخرج فى بعض الأوقات من داخل سجن طرة، وفيها ربح التجار وباعوا تقارير منسوبة لمؤسسات دولية بمليارات الجنيهات.

وعاش سوق السينما على الشائعات سنوات، وبيعت تقارير «الأكثر إقبالا» و«إيرادات تاريخية»، حتى سوق الغناء روجوا فيه للجوائز الدولية التى ترفع سعر المطرب فى الحفلات، حتى وإن عرف الجميع ثمن الجائزة.