مى سمير تكتب: فضائح وهزائم المخابرات البريطانية

مقالات الرأي



الجهاز العريق يملك تاريخاً طويلاً من الإخفاقات

■ حاولت التقليل من مستوى التأمين بمطار شرم الشيخ وتناست وجود تقرير أشادت فيه بالإجراءات الأمنية بالمطار نفسه

■ بول ويكينسون مدير مركز دراسات الإرهاب فى جامعة سانت أندورز أعد تقريرا عن أداء المخابرات البريطانية ووصفه بـ«الهزيل»

كشفت حادثة سقوط الطائرة الروسية فى وادى الظلمات فى سيناء عن وجه مثير للانتباه لجهاز المخابرات البريطانية التى تعد من أعرق أجهزة المخابرات فى تاريخ العالم، لأنها ارتكبت مجموعة من الخطايا التى تثير الشك حول النوايا الحقيقية للجهاز.

مراجعة سريعة لتاريخ هذا الجهاز الشهير، تكشف تاريخاً عريضاً من الأخطاء القاتلة والساذجة إلى درجة تدفع للتساؤل حول مدى كفاءة هذا الجهاز ودقة تقاريره المعلوماتية.

1- الخطايا الـ5 فى حادث الطائرة الروسية

ارتكبت المخابرات الإنجليزية 5 خطايا فى حادث الطائرة الروسية، تعكس درجة عالية من الارتباك والتوتر على نحو يثير حالة من الشك حول هذا الجهاز، فبداية من اللحظة الأولى لسقوط الطائرة سارع تنظيم أنصار بيت المقدس، التابع لتنظيم داعش الإرهابى، بالإعلان عن أنه من أسقط الطائرة باستخدام صاروخ مضاد للطائرات، ولكن سرعان ما ثبت كذب هذا الادعاء لاستحالة حدوثه حيث كانت الطائرة على ارتفاع 31 ألف قدم، بينما الصواريخ المملوكة للتنظيم لا يتجاوز مداها الـ10 آلاف قدم.

ويعنى الادعاء ببساطة أن التنظيم لا يعرف كيف تم إسقاط الطائرة، لكنه حاول استغلال الحادث لصالحه، وفى محاولة لإصلاح صورته عاد التنظيم وأصدر بياناً أنه أسقط الطائرة ولكنه لن يكشف عن الطريقة التى استخدمها فى تفجيرها، وهو تصريح آخر يؤكد من جديد أن التنظيم الإرهابى لا يعرف شيئاً عن كيفية وقوع الحادث.

وفى ظل هذه البيانات والتصريحات المعلنة والتى تناقلتها وسائل الإعلام، تأتى المخابرات البريطانية لتؤكد أن لديها معلومات استخباراتية تؤكد أن داعش أسقط الطائرة عن طريق زرع قنبلة بداخلها، ولكن لم تكشف لماذا لا يعرف داعش حتى الآن كيف تم إسقاط الطائرة ولماذا ادعت كذباً أنها أسقطتها بصاروخ فى البداية، أليس من المفترض أن تعلم داعش أدق التفاصيل المتعلقة بكيفية تهريب القنبلة للطائرة وكيفية إسقاطها وأن تسارع بالإعلان عن هذا الأمر لكى تحقق انتصاراً إعلامياً كما هو الحال فى مثل تلك التفجيرات.

ويبقى السؤال المهم إذا كانت داعش لا تعرف شيئاً، فلماذا تصر المخابرات البريطانية على إلصاق العملية بداعش؟!

الخطيئة الثانية، هو إدعاء المخابرات البريطانية أن هناك عملية استخباراتية مشتركة قامت بها مع الولايات المتحدة رصدت من خلاها رسائل وأحاديث بين داعش فى سوريا وأنصار بيت المقدس تشير إلى مسئولية التنظيم عن إسقاط الطائرة.

والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا لم تبلغ المخابرات البريطانية الجانبين المصرى والروسى بهذه المعلومات قبل إعلانها فى وسائل الإعلام، وإذا كانت المخابرات الأمريكية والبريطانية بهذه القوة والفاعلية فى رصد تحركات داعش فلماذا لم يحقق التحالف الدولى فى حربه المستمرة ضد داعش منذ أكثر من عام أى نجاح ملحوظ على الأرض، ولماذا لم يسارع البيت الأبيض بالإعلان عن نتائج هذه العملية الاستخباراتية كما فعلت بريطانيا مع العلم أن المخابرات الأمريكية تقدم تقريراً يومياً بآخر التطورات للرئيس الأمريكى والذى ظل لفترة طويلة يكتفى بتصريح وحيد عن أن هناك احتمالاً بأن الطائرة سقطت بقنبلة دون الإشارة صراحة للمعلومات الاستخباراتية.

أما الخطيئة الثالثة فتمثلت فى التناول الإعلامى المبالغ فيه من قبل الصحف البريطانية والاهتمام الشديد بحادثة تخص طائرة روسية وقعت على أرض مصرية، لأن المتابع للصحافة الإنجليزية سيلاحظ تشابه الموضوعات والتقارير فى مختلف الصحف وكأن هناك نشرة موزعة بمعلومات وأخبار محددة يجب نشرها.

الخطيئة الرابعة هى ظهور قصة الطائرة البريطانية التى كانت تحمل 189 راكباً وتعرضت فى أغسطس الماضى، لهجوم من صاروخ على بعد ألف قدم لدى اقترابها من شرم الشيخ، حيث قالت الصحف البريطانية إن قائد الرحلة القادمة من لندن قام بمناورة بعد أن رصد الصاروخ المتجه للطائرة.

فى البداية تم الترويج لهذه القصة فى محاولة لإعطاء انطباع بأن استهداف الطائرات التجارية بصواريخ حادث وقع من قبل فى سيناء، وصدرت تصريحات من وزارة النقل البريطانية ومن شركة الطيران التابعة لها الطائرة تؤكد وقوع هذه الحادثة، غير أنه تم التراجع عن هذه القصة ونفى وقوعها من الأساس لعدم منطقيتها وصعوبة تقبلها.

وإذا كانت القصة غير صحيحة، لماذا إذا تم الكشف عنها؟ وإذا كانت صحيحة، لماذا لم يتم الإعلان عنها وتحذير المواطنين البريطانيين من عدم الذهاب إلى شرم خوفا على حياتهم؟ باختصار تأتى هذه القصة لتؤكد أن هناك حرصاً بريطانياً على تأكيد أن حادثة الطائرة الروسية هى نتيجة عمل إرهابى مع التلميح بأن تنظيم داعش فى سيناء استهدف الطائرات التجارية فى الماضى.

وتتعلق الخطيئة الخامسة بتأمين مطار شرم الشيخ، وبصرف النظر عن تقييم مستوى التأمين فى المطار، حرصت السلطات البريطانية عبر وسائل إعلامها ومن خلال خبرائها الاستخباراتيين على التأكيد أن مستوى التأمين غير جيد، وتوالت التقارير الصحفية المدعومة بتحليلات هؤلاء الخبراء الاستخباراتيين عن تدنى مستوى التأمين، وخرجت قصص مثل انشغال أحد ضباط المطار بلعبة «كاندى كراش»، أو أنه يمكن للسائح دفع 15 استرلينياً مقابل عدم تفتيشه.

وتمادت صحيفة عريقة مثل الإندبندنت فى نشر صورة ادعت أنها لضابط مصرى يأخذ رشوة وذلك قبل أن يتم الكشف عن كذب هذا الادعاء حيث كان الضابط يأخذ رسوماً لتقديم خدمة (VIP) المشكلة أن المخابرات البريطانية تناست أنها منذ 10 أشهر تقدمت بطلب للسلطات المصرية لمراجعة الإجراءات الأمنية فى مطار شرم وغيره من المطارات للتأكيد من أنه يحظى بالتأمين الجيد، وخرج تقرير المخابرات البريطانية فى صالح المطار، ما يعنى أنها إما أخطأت فى تقديرها الأول الذى أشادت فيه بالمطار أو أنها تكذب فى تقييمها الثانى التى تلمح فيه إلى التساهل الأمنى الموجود فيه.

2- ويكيليكس يكشف تاريخاً من الأخطاء

نظرة سريعة فى تاريخ المخابرات البريطانية تكشف صندوقاً أسود من الأخطاء الجسيمة التى تؤكد تراجع مستوى الجهاز الذى كان بمثابة حجر الارتكاز الرئيسى الذى اعتمدت عليه بريطانيا فى بناء إمبراطوريتها الاستعمارية التى كانت لا تغيب عنها الشمس، لكن يبدو أنه كما تراجع دور بريطانيا فى المشهد الدولى وتحولها من دولة عظمى تسيطر على العالم إلى تابع لأمريكا، تراجعت أيضا كفاءة المخابرات البريطانية.

لعب موقع ويكيليكس الشهير دوراً كبيراً فى الكشف عن تواضع إمكانيات المخابرات البريطانية، وكشف الموقع أنه خلال مباحثات السلام بين الرئيس الأفغانى حميد كارازى وحركة طالبان، قدمت المخابرات البريطانية (MI6) تاجراً باكستانى يمتلك محلا صغيرا باعتباره الملا منصور أحد قيادات الصف الثانى فى الحركة.

حصل التاجر على 600 ألف جنيه إسترلينى من المخابرات البريطانية مقابل المشاركة فى هذه المباحثات، باعتباره قياديا فى طالبان وسافر هذا التاجر إلى كابول وحضر 3 اجتماعات سرية مع ممثلى حلف الناتو والحكومة الأفغانية بما فى ذلك ممثل شخصى للرئيس الأفغانى، بعد الكشف عن تلك الخدعة، صرح رئيس موظفى الرئيس كارازى إن المخابرات البريطانية هى من تتحمل مسئولية تلك الفضيحة المحرجة.

وتعد قضية مقتل الجندى البريطانى لى رجبى فى مايو 2013 واحدة من أشهر اخفاقات المخابرات البريطانية فى السنوات الأخيرة، وتلخص القصة فى قيام اثنين من الإرهابيين البريطانيين من أصول نيجيرية بقتل الجندى البريطانى عن طريق طعنه عدة طعنات باستخدام سكين وساطور، قرب ثكنات المدفعية الملكية فى جنوب شرق لندن.

وانتظر الإرهابيان قدوم الشرطة التى ألقت القبض عليهما بعد تبادل إطلاق النار أسفر عن إصابة الإرهابيين ونقلهما للمستشفى، وأظهرت التحقيقات أن مرتكبى الجريمة تم التحقيق معهما من قبل فى المخابرات البريطانية ووضع اسميهما فى قائمة المشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية، ورغم ذلك لم ترصد المخابرات البريطانية الرسائل التى تبادلها المتهمان عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» والتى تضمنت تفاصيل استعداداتهما للقيام بقتل الجندى.

وفى دراسة أعدها مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، تم نشرها منذ عدة سنوات، تحت عنوان «السجل المختلط للمخابرات البريطانية» كشف المركز البحثى الأمريكى عن تاريخ طويل من الإخفاقات الاستخباراتية البريطانية.

وأشارت الدراسة فى فصل بعنوان «فشل فى تبادل المعلومات»، إلى أن المخابرات البريطانية فى عدد كبير من العمليات عكست قدراً كبيراً من التخاذل وعدم الكفاءة.

ومن هذه الإخفاقات التى تشير إليها الدراسة، فشل المخابرات البريطانية فى إحباط عملية تفجيرات بالى فى أكتوبر 2002 والتى وقعت فى منطقة «كوتا» السياحية فى جزيرة بالى الإندونيسية، هو الهجوم الأكثر دموية فى تاريخ إندونيسيا حيث أسفر عن مقتل 202 شخص من بينهم 88 أسترالياً، و38 إندونيسياً، و27 بريطانياً، و7 أمريكان و6 سويديين وهى العملية التى تبنتها الجماعة الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة.

وبحسب الدراسة كانت المخابرات البريطانية تمتلك تقارير استخباراتية تؤكد أن هذه الجماعة تستعد لاستهداف السياح البريطانيين والأمريكان، ورغم ذلك لم تعتبر أن مثل هذا التهديد جدير بالاهتمام أو المتابعة. وتم فتح باب التحقيق فى البرلمان البريطانى بشأن هذا الفشل الذى اعتبرته يؤكد وجود سوء تقدير كبير لدى المخابرات البريطانية.

ولم تبلغ المخابرات البريطانية، السلطات المحلية البريطانية عن تقاريرها بشأن الإرهابى ريتشارد ريد، والمعروف باسم «مفجر الحذاء» رغم أنها سجلت فى نهاية عام 2000، مكالمات هاتفية بين الإرهابى البريطانى وأحد منفذى تفجيرات 11 سبتمبر، وتسبب هذا الإهمال فى تحرك «ريد» بحرية فى بريطانيا دون التحقيق معه، أو عدم خضوعه لأى مراقبة، ما أسفر عن محاولته فى ديسمبر 2001، تفجير إحدى الطائرات عن طريق وضع المتفجرات فى حذائه ولكن السطات فى المطار نجحت فى إحباط هذه المحاولة.

وأشار تقرير للجنة الشئون الخارجية فى البرلمان البريطانى يعود تاريخه إلى 2003 أعده بول ويكينسون، مدير مركز دراسات الإرهاب فى جامعة سانت أندروز، إلى أن أداء المخابرات البريطانية الهزيل يعد السبب الرئيسى فى انتشار أصحاب الفكر المتطرف والإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة فى المساجد البريطانية وبالتحديد فى لندن.

ومن العمليات التى تعد أحد الدلائل البارزة على الأداء الهزيل للمخابرات البريطانية عملية تفجير دوكلاندز والمعروفة أيضاً باسم «تفجير كنارى وارف» أو «تفجير جنوب الرصيف» والتى وقعت يوم 9 فبراير 1996، عندما فجر الجيش الجمهورى الأيرلندى شاحنة مفخخة فى منطقة كنارى وارف التى تعد واحدة من المناطق المالية الرئيسية فى لندن.

بحسب الدراسة فإن مصادر تابعة للمخابرات البريطانية أبلغت عن تفاصيل هذه العملية قبل ساعة من وقوعها ورغم ذلك لم تتحرك المخابرات البريطانية بناء على تلك المعلومات ولم تحذر القوات الأمنية المحلية من أجل رفع درجات الاستعداد القصوى، وأسفرت تلك العملية عن مقتل اثنين، وإصابة شخصين وقدرت الخسائر بحوالى 100 مليون دولار.

وتحت عنوان (أساليب قذرة) أشارت الدراسة إلى عدد كبير من العمليات التى أساءت فيها المخابرات البريطانية سلطاتها، منها على سبيل المثال فى أعقاب حرب الخليج فى بداية التسعينيات، احتجزت المخابرات البريطانية 91 فلسطينياً وعراقياً يقيمون فى بريطانيا، وهددتهم بالترحيل بناء على قائمة أعدتها المخابرات البريطانية للمشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية، فى وقت لاحق أمرت وزارة الداخلية البريطانية بإطلاق سراح هؤلاء المحتجزين بعد اكتشافها أن القائمة التى أعدتها المخابرات اعتمدت على تقارير قديمة وغير دقيقية.

ومن أهم العمليات التى تشير إليها الدراسة والتى تكشف عن الوجه الخفى للمخابرات البريطانية عملية أشارت إليها الدراسة تحت عنوان «حملة البروباجندا السوداء»، حيث ادعى العميل السابق فى المخابرات البريطانية، كولن والاس، أنه شارك بالسبعينيات فى عملية سرية تحمل عنوان «الآلية البرتقالية» وذلك بدون الحصول على موافقة الحكومة البريطانية، وتعتمد هذه العملية على نشر معلومات غير صحيحة فى وسائل الإعلام البريطانية لتشويه سمعة الجيش الجمهورى الإيرلندى والجماعات الشبه عسكرية فى شمال إيرلندا.

وتم الاستغناء عن خدمات والاس فى عام 1975 بدعوى تسريبه معلومات سرية، ولكن ولاس أكد أن السبب الرئيسى لطرده من المخابرات البريطانية هو رفضه المشاركة فى حملة لتشويه سمعة عدد من رجال السياسة المنتخبين.

ونفت وزارة الدفاع البريطانية تطبيق أسلوب العمل الذى يعرف باسم «الآلية البرتقالية» إلا أن وثائق حكومية تم الكشف عنها فى عام 1990 أكدت أن المخابرات البريطانية تستخدم هذا الأسلوب، وتم فتح باب التحقيق فى تسريح ولاس من المخابرات، وأكد التحقيق صحة ادعاءات والاس ولكن وزارة الدفاع رفضت نشر نتائج التحقيق لأسباب أمنية؟

فى ظل هذه المعلومات تقترب الشكوك بشأن نوايا المخابرات البريطانية وأسلوب تعاملها من سقوط الطائرة الروسية من خانة اليقين بأن هناك جانباً خفياً لهذا الاهتمام البريطانى المبالغ فيه ولهذه التغطية الإعلامية المحاطة بهالة من سوء النية واستباق الأحداث.