د. رشا سمير تكتب: لندنستان
مما لاشك فيه أن ما حدث للرئيس السيسى فى لندن لم يكن مُستغربا وما مُفاجئا..فلندن كانت ومازالت أكبر معقل دولى لجماعة الإخوان وما تم دفعه وضخه من مبالغ خيالية لوكالات الأنباء العالمية للتعتيم والتضليل وسرعة إصدار الأحكام فى موضوع الطائرة الروسية كان متوقعا بل بديهيا..إنها ألف باء سياسة إنجلترا التى لم تتغير مفاهيمها ولكن فقط تغيرت المسميات.
أثبت التاريخ بالدليل القاطع أن سياسة بريطانيا لم تخرج طوال الوقت عن كونها تابعا "أليفا" للولايات المتحدة الأمريكية ومؤيدا لسياستها.
ومع كل استغلال بريطانيا للإسلام الذى طالما أشادت به تاتشر إلا أن تشرشل كان يُقر ماهو عكس ذلك بتوصيفه للإسلام وأتباعه بكونهم «القوة الأكثر رجعية فى العالم»..
طالما تحدثت بريطانيا عن بُعد نظر ضياء الحق ديكتاتور باكستان والمحرك الاكبر للإرهاب العالمى، وعلى النقيض طالما أشادت برؤية شاه إيران الثاقبة وخبرته التى لا تضاهيها خبرة! وعلى الرغم من ذلك أرسلت أمريكا فى جنازة الشاه ريتشارد نيكسون، وأرسلت فرنسا سفيرا، واكتفت بريطانيا بموظف فى السفارة!..
على مر التاريخ كانت لبريطانيا مواقف مُحيرة من المتطرفين الإسلاميين..فكانت هى المحرك الخفى للقوى المتأسلمة فى تصديها للقومية العربية والعلمانية..حتى أطلق عليها ساسة العالم لقب «لندنستان»!.
لعبت بريطانيا دورًا رئيسيًا ومهمًا فى كل الحروب التى صبغتها صبغة جهادية من أفغانستان للبوسنة حتى الحرب بين أذربيجان وأرمينيا ووصولا بالحرب فى كشمير..
كما أنها شجعت المُلا عمر قائد طالبان على أن يوافق فى محادثاته مع رئيس المخابرات السعودية على تسليم بن لادن، ودفعت بالاتفاق مع أمريكا الشيعة فى جنوب العراق على الثورة ضد صدام..
وفى مبادرة كشفتها الوثائق السرية، أرسلت بريطانيا حمولة ١٠٠ طائرة من القذائف لأفغانستان وتولت تهريب المجاهدين الأفغان بأسماء مزورة لبريطانيا لتدريبهم هناك.
ولا ينكر التاريخ الدور الذى قامت به أمريكا فى تمويل ملالى إيران وتسليحهم فى انقلاب ١٩٥٣ وحتى بعد الثورة على الشاه، حتى انتشرت نكتة فى إيران تقول: إنك إذا رفعت ذقن أحد الملالى فسترى تحتها عبارة «صنع فى أمريكا»!..
هكذا أصبح من الطبيعى جدا أن يترك رئيس أمريكا أوباما مشغولياته ويجد الوقت ليجرى مداخلة تليفزيونية مع التليفزيون الأمريكى مُحللا سقوط طائرة روسية على أرض مصر، ومُعقبا باستنتاجات خائبة أنها ربما تكون قنبلة!..
بعد هجمات ١١ سبتمبر أصبح لدى أمريكا الذريعة المناسبة لإعلان الحرب على الإرهاب، فتبدأ معركة فاصلة من أجل مستقبل الحضارة نفسها وبدء موجة جديدة من التدخل العسكرى العالمى، وسرعان ما تلا ذلك غزو أفغانستان والعراق إلى جانب إقامة العديد من القواعد العسكرية فى المنطقة، مما بدأ أيضا فترة جديدة من تواطؤ أمريكا وبريطانيا مع الإسلام المتطرف فى ثوب جديد..فبعد أن تعاملت أمريكا وبريطانيا طويلا مع تلك القوى المتطرفة باعتبارها حليفًا لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، أصبح التعامل بصورة مختلفة وهى كون تلك القوى العدو الأول للدولتين العظميين ولكن بقى الهدف واحدا لم يتغير.. وهو السيطرة على منطقة الشرق الأوسط الغنية بالثروات..إذن تعددت الطُرق وبقى الهدف واحدا..
وبقيت إنجلترا واقفة كتفا بكتف بجانب أمريكا فى تنفيذ مخطط واحد.. وهو تقسيم الشرق الأوسط.. إذن ما حدث أثناء زيارة الرئيس للندن لم يكن مفاجأة ولا تحولا ولا سياسة جديدة، بل هو استكمال لتاريخ طويل.. فبريطانيا التى مدت يدها اليُمنى بوردة لاستقبال الرئيس المصرى فاجأته بخنجر فى اليد اليسرى وهو تصريحها غير المُستند على دليل بوجود قنبلة على الطائرة الروسية وسحب رعاياها من شرم الشيخ.. وتبقى مقولة اللورد كروس فى العشرينيات هى الهدف والمسعى: «ما نريده هو جزيرة عربية غير موحدة منقسمة إلى إمارات تحت سيادتنا»..
الحقيقة أن تآمر بريطانيا مع القوى الإسلامية المتطرفة أوجد نتائج عكسية وخرابًا أوشك أن يودى بالمنطقة كلها..فقد زاد خطر الإرهاب ليس فقط الذى يواجه العرب لكن والعالم كله، ما جعل العالم بأسره أقل أمنا وسلاما..
فقد أثبت التاريخ أن السحر دائما لا ينقلب سوى على السحرة..