جهاد التابعي تكتب: السينما و "بعبع" جسد المرأة
وسط محاولاتي المستميتة للهروب من الأخبار السوداوية التي تلاحقني عبر شاشتي الصغيرة، لإنقاذ ما تبقي من صحتي النفسية، وبينما اتصفح أقسام الترفيه والفن في مواقع إخبارية لبلاد أخري إمعانا في الهروب من الواقع.
صادفت عناوين أكثر سوداوية من التي هربت منها.
الممثلة المغربية لبني أبيدار تتعرض لاعتداء جسدي بسبب فيلمها الأخير عن ظاهرة الدعارة
إيران تتوعد ممثلة خلعت حجابها في صورة على الفيس بوك
توقفت كثيرا أمام الخبرين، عنف واضح ضد المرأة، ضد حريتها وقرارتها الشخصية، عنف ضد الفن، الرد علي الفن بالضرب وليس بفن مماثل، استبعاد اجتماعي مخيف للفنانتين لمجرد أن لديهن وجهة نظر مختلفة ومطالبة لهن بمغادرة البلاد، هل هذا طبيعي؟ هل هذا إنساني بأي شكل من الأشكال؟
ماذا فعلتا لتغضب عليهما الجماهير والحكومات هكذا؟
التمثيل؟
لا ..التمثيل ودخول مجال السينما مسموح في البلدين، إذن ما الجريمة؟
يبدو أن ذنبهما الوحيد هو " تبني رأي" فقد تعدت كل منهما علي دورها المسموح داخل القطيع، وبدلا من أن تصبح مجرد ممثلة ساذجة فارغة تستخدم كديكور تافه، أصبح له رأي وقضية.
تذكرت مقولة أنيس منصور في كتابه (جسدك لا يكذب): " السينما هي تجارة اللحوم الشقراء، فالمرأة تريد أن تثير وتبهر والرجل يبحث عن هذه الإثارة فهو السلطان، وشركات الإنتاج هي مصانع توريد حريم السلطان"
لكن أنيس منصور أيضا رجل، ويري أن المرأة وتحديدا الممثلة موافقة على هذا الدور، ولا يشعر بأن هذا هو الدور الوحيد المسموح به للمرأة في السينما وأي ممثلة تحاول الحياد عنه ستخوض حرب مع المجتمع وصناع السينما وفواتيرها الشخصية وأحيانا الحكومات.
أي ممثلة تحاول الخروج من دائرة الإغراء والرقة والرومانسية البلهاء أمام البطل الوسيم، من دائرة استخدام جسدها للإبهار والإغواء إذا كان ممشوقا، أو للسخرية منه وصنع كوميديا عنصرية سخيفة إذا كان مختلفا عن مقاييس الجمال السائدة، أي ممثلة تحاول التملص من هذا القمع ستواجه موجات غضب من المجتمع الذي سيتحجج في هذه اللحظة فقط بالعادات والتقاليد والدين.
فبعض الجمهور يقطع تذكرة لدخول فيلم به رقصة، وإن لم يجد الرقصة مغرية بما يكفي لإشباع شهوته، سيخرج من الفيلم يتهم الممثلة بالفجور ومخالفة الدين، ولو أعجبته الرقصة وكان أداء الممثلة ساذجا بما يكفي لتجسد دور جارية سيصفق بحرارة.
وكأن لسان حالهم يقول للمثلة " ارقصي وتعري لتسليني وتمتعيني، لكن لا تفعلي إن كان المشهد يحمل قضية حقيقية ومؤلمه ستضطرني أن أفيق من غيبوبتي، لا ترقصي إذا كنتي ستجسدين معاناة فتيات يتم المتاجرة بهن وبأجسادهن، لا ترقصي إذا كان رقصك سيعبر عن أجسادهن وهي تنتفض وتفرفر كالذبيحة بين أيدي النخاسين.
هذا بالضبط ما حدث للممثلة المغربية " لبني أبيدار" بطلة فيلم " الزين لي فيك" الذي يناقش ظاهرة الدعارة في المغرب، فما فعلته لبني هو أن كانت إحدى بطلات الفيلم، لتدافع عن بنات جنسها ضد الظاهرة، فعلت ذلك بالوسيلة المتاحة لها وهي التمثيل، لكن رد الفعل لم يكن إلا مزيدا من القمع ضدها وضد المرأة.
تم منع الفيلم من العرض في المغرب، وتم نشر مقاطع مسربة منه بعناوين تعتبره فضيحة، ويتم الإشارة لها في الأخبار بأنها ممثلة دعارة، وليست ممثلة أدت دور عن ظاهرة الدعارة، طالبها بعض الجمهور على صفحات التواصل بالرحيل من المغرب، وأخيرا تم الاعتداء عليها جسديا بآلة حادة من مجهول، ورفض الأمن تحرير شكوى لها وسخروا منها، كما رفضت المستشفيات استقبالها. ورغم نفي الأمن في المغرب لرفضة مساعدتها إلا أن المنطق يجعلني لا أصدق، فكم يشبه تصرفهم معها ما يحدث لكثير من الفتيات في كثير من المجتمعات النامية حينما يحاولن تحرير محاضر ضد العنف أو التحرش، فالأماكن مختلفة ولكن العنف والسلبية تجاه المرأة واحد.
العنف والاستبعاد الاجتماعي والتهديد بالطرد من الوطن الذي لاحق " لبني أبيدار" من أجل فيلم، لاحق أيضا الإيرانية " صدف طاهريان" ولكن من أجل فقط صورة على الفيس بوك، خلعت فيها صدف الحجاب، وكانت النتيجة أن وصفتها الحكومة بالآثمة وشككت في قواها العقلية وتوازنها، ومنعتها من التمثيل تماما، هي وممثلة أخري أعلنت تأييدها لها، مما اضطر صدف لمغادرة وطنها دون أمل في عودة قريبة حيث تلاحقها دعاوي قضائية هناك، تخيل بلد كاملة تخشي خصلات شعر امرأة، وتعاملها كمجرمة إن حررتها في صورة!
الأماكن تختلف والعنف ضد المرأة جوهرة ثابت، قمعها وتغطيتها تماما، بالقماش أو الأصباغ أو السطحية المفرطة، لا فرق!