أحمد فايق يكتب: خريف الغضب بين الرئاسة والإعلام

مقالات الرأي


■ سيادة الرئيس سأظل أعارضك وأختلف معك لأننى أحب مصر ومتحمس لمشروعك وفى اللحظة التى تجدنى فيها موافقا على كل ماتفعله فاحذرنى لأننى فى هذه اللحظة سأكون من الكارهين لك

هناك فارق بين تنظيم الإعلام وتوجيهه

هذه حكاية فيلم شاهدته فى مهرجان كان السينمائى قبل ثلاث سنوات، فيلم أمريكى يحمل اسم محطة فورتفال، لو كنت مواطنا أمريكيا يمكن أن تقرأه فى إطار تكدير السلم العام والتفرقة العنصرية بين الشعب الأمريكى، أو يمكن أن تراه فيلما عاديا يلقى الضوء على أزمة تعانى منها أمريكا، أنت تستطيع أن ترى كل شىء وفقا لثقافتك، وقدرتك على تقبل الآخر...

المشاهد الأولى للفيلم الأمريكى «محطة فورتفال» للمخرج ريان كويجلر تختلف كثيرا عن بدايات الأحداث فى الأفلام الأمريكية، فنحن أمام حى فقير جدا فى ولاية أوكلاند ومنزل بطل الفيلم الصغير وطلاء الجدران البالى الذى لايختلف كثيرا عن منزل فى إمبابة تذكرت هنا جملة حوار قالها المخرج الكبير مايكل مور فى فيلمه «الرأسمالية قصة حب»: أمريكا ليست ناطحات السحاب التى تراها فى أفلام هوليوود والعلم الذى يرفرف أمام الكاميرات، فهناك أمريكا أخرى لا يعرف عنها أحد شيئا «ثم استعرض مور مشاهد لمئات من الفقراء يعيشون فى سيارات خردة

وآخرين مهددين بالطرد من منازلهم بسبب أقساط البنوك ،فقد تناول «مور» أزمة الرهن العقارى وسيطرة رجال الأعمال على الثروة وقهرهم للبسطاء فى أمريكا والعالم، ليس من الطبيعى أن يحتكر 2% من سكان الأرض 97% من ثرواتها، وختم مور فيلمه بغلق وول ستريت مطالبا الطبقة الوسطى بالتحرك لإنقاذ الفقراء فى العالم.

وفى فيلمه «جنوب الحدود» اقترب أكثر المخرج اوليفر ستون من عنصرية أمريكا وقهرها للبسطاء من خلال الاحتفاء بتجربة أمريكا الجنوبية فى الانتصار للبسطاء، حيث سخر الزعيم الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز من بوش قائلا له: «أنت حمار ياسيد بوش» واستعرض شافيز تجربته فى انتشال فنزويلا من الهيمنة الأمريكية والفقر واختيار شعبه ليقف معه أمام العالم كله، فرض ضرائب تصاعدية ورفع يد أمريكا من على آبار البترول والثروات الطبيعية.

فى «محطة فورتفال « تجاوز الفيلم الفقر الذى يعيش فيه أبطاله ليصل بك إلى ماهو أعنف من عنصرية تجاه السود، فبطلنا أوسكار راض بحاله مثل ملايين من المصريين فقد عمله رغم قسوة هذا عليه وعلى زوجته وابنته إلا أنه تجاوز الأمر كى يحتفل بعيد ميلاد أمه وعيد رأس السنة الأحداث تدور خلال يوم واحد استخدم فيها المخرج الكاميرا المحمولة بشكل كثير ليؤكد على واقعية الحكاية، خاصة أن الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى عام 2009 وتدرجت الألوان فى الصورة مع تصاعد المليودراما فى النص من الألوان الزاهية إلى القتامة الشديدة.

أوسكار شخص بسيط ومقبل على الحياة فى العشرينات من عمره يساعد الآخرين يقطن فى حى معظم سكانه من السود وفى هذا أيضا تغيير للصورة النمطية لأحياء السود فى السينما الأمريكية.

فعادة هوليوود تقدم إحياء السود باعتبارها وكرا لتجار المخدرات والبلطجة، وتجارة السلاح منطقة فورتفال أغلب سكانها من البسطاء الذين يبحثون عن العمل والبهجة فى الحياة قرر أوسكار أن يذهب مع زوجته إلى منطقة أخرى باستخدام المترو للاحتفال برأس السنة وقبل الساعة الثانية عشرة أعلنت الإذاعة الداخلية بالمترو عن تأخير يحرم الركاب من بداية السنة الجديدة انزعجوا فى البداية لكنهم عادوا فى ثوان محدودة ليقرروا الاحتفال داخل المترو وبأدوات بسيطة أغانى على التليفون المحمول وبدأوا العد التنازلى للعام الجديد ثم رقصوا، وضم أوسكار زوجته إليه وقبلها فى اللحظة الرومانسية الأخيرة.

أثناء عودتهم بالمترو شبت مشاجرة عادية بين أوسكار ورجل أبيض غليظ الجسد والأخلاق هى مشاجرة تحدث فى أى وقت ومكان ونهايتها دائما تكون حميدة لكن هذه المرة هناك فريقان أوسكار وأصدقاؤه من السود أمام هذا الرجل الأبيض المخطئ منذ البداية، لم يتحمل ضابط الشرطة وزملاؤه رؤية أسود يتجرأ على رجل أبيض فاحتجزوا أوسكار وأصدقاءه على رصيف المحطة وانهالوا عليهم بالضرب والإهانات اللفظية دون أن يفكروا حتى فى محاسبة الطرف الآخر عاملوا أوسكار باحتقار شديد وكأنه حيوان وتطور الأمر إلى رصاصة فى ظهر أوسكار.

حتى فى اللحظة التى كان يحتضر فيها تأخر ضابط الشرطة فى طلب الإسعاف وكأنه يريد له الموت، وتحقق له ما أراد ومات أوسكار وتبقت فيديوهات على كاميرات الموبايلات التى كانت فى يد الركاب الذين شهدوا الواقعة.

هذه الأفلام عرضت فى حضور وزراء ومسئولين أمريكان ولم يعترض أحد عليها، بل صفقوا لها فى نهاية العرض معتبرين أنها أعمال فنية جميلة، لقد حضرت بنفسى فى قاعة عرض ديبوسى بمهرجان «كان» الفيلم الفرنسى «لاكونكيت» أو الخديعة الذى وصف الرئيس الفرنسى ساركوزى بالبلاهة، واعتبر أن عملية انتخابه لرئاسة الجمهورية خدعة وقع فيها الفرنسيون، وكان يتخلله مشاهد أثارت قهقهة الحضور على رئيس الدولة الحاضنة لأكبر مهرجان سينمائى فى العالم، فى نفس التوقيت كانت «كارلا برونى» زوجة الرئيس الفرنسى تتابع فعاليات المهرجان وتشاهد الأفلام، وربما شاهدت هذا الفيلم وضحكت أيضا مثل البقية.. !

كان يعرض لـ»كارلا برونى» فيلم منتصف الليل فى باريس للعظيم «وودى ألن» فقد قامت بدور مهم فيه، هؤلاء ولدوا فى نظام يعلم جيدا أن الإعلام لا يغير شيئاً دون إرادة حقيقية من الشارع، لقد استجاب المصريون للإعلام فى ثورة 30 يونيو ونزلوا إلى الشارع، رغم أن الإعلام نفسه هو الذى اعتبر 25 يناير مؤامرة وسلط كاميراته على كوبرى أكتوبر.. فهل استجاب له أحد؟

هل استطاع إعلام السادات ومبارك أن يغير صورة عبد الناصر البطل لدى المصريين رغم حفلات التشويه اليومية التى حدثت معه طوال 40 سنة؟

هل استطاع إعلام مبارك محو صورة السادات؟

هل استطاع إعلام مابعد ثورة يوليو 52 محو صورة محمد على مؤسس الدولة الحديثة فى مصر؟

هذه حقيقة يجب أن يدركها الرئيس عبد الفتاح السيسى؟

الإعلام لن يؤثر فى شعبيتك طالما هى موجودة، والإعلام لن يدفع الناس ضدك لو الناس تريدك، وطالما تحمل اسم رئيس جمهورية مصر العربية ستظل معرضا للانتقاد، ودور الإعلام أن ينتقدك وليس أن يقول لك أن كل ماتفعله صحيح.

كلامى للرئيس هو كلام شخص يحب التجربة ويخشى عليها، ولن يتردد لحظة فى قول مايعتقد أنه صحيح، دور الدولة هو تنظيم الإعلام وليس توجيهه، والتنظيم لا يحتاج إلى اختراع كتاب جديد، بل هناك عشرات المشاريع التى لدى مؤسسة الرئاسة بشأن تنظيم العمل بالإعلام والضوابط الحاكمة، مشروعات من شباب الإعلاميين ونقابة الصحفيين ومنظمات حقوقية وغيرهم، هناك مجالس لتنظيم الإعلام حددها الدستور ولم تخرج بقانون من رئاسة الجمهورية حتى الآن.

هذه الضوابط تمنع التطاول والتشهير وتبادل الشتائم فى وسائل الإعلام، تضمن حقوق الجمهور والمصادر وضيوف البرامج والدولة أيضا.

إن المشهد العشوائى فى الإعلام تستفيد منه الدولة أيضا وليس فقط بعض الإعلاميين، فهناك بعض ممن يتم استخدامهم لقمع المعارضين وتشويه صورتهم، هؤلاء تحولوا فى لحظة إلى عبء على الدولة نفسها، فقد وصل بهم التطاول إلى تخوين كل شىء وتحطيم كل شىء، ولم يعد واحد على أرض هذا الوطن من لا يحمل اسم خائن أو عميل، لقد وصف بعض الإعلاميين من لم يصوت فى الانتخابات البرلمانية السابقة بالخيانة هل لك أن تتخيل أن يتم اتهام 75% من الشعب المصرى بالخيانة؟!

هؤلاء يحملون قوة وهمية ويدعون أنهم جنود مؤسسات الدولة العميقة، ينفذون الأوامر ويمارسون سطوتهم ونفوذهم، بعضهم يتحدث باسم السيسى وهم لم يقابلوه، وإذا حاولوا التمسح به فى جولة خارجية فإنه يتهرب منهم.

لقد غضب السيسى من إعلاميين يفجرون معركة بين 25 يناير و30 يونيو لا يستفيد منها أحد سوى الإخوان المسلمين، وانفجر فى وجه من يتطاولون فى الإعلام ويستخدمون ألفاظاً خارجة ومن يتمسحون فى اسمه ويستغلونه، وهذا هو الانفجار الشرعى الذى لا يختلف عليه اثنان.

لقد تسبب بعضهم فى أزمات دبلوماسية مع دول ودماء وإحباط لجيل كامل من الشباب، ليس من حق الرئيس أن ينفجر فى وجه من إنتقده، لكن من حق الإنسان عبد الفتاح السيسى أن يغضب، الرئيس عبد الفتاح السيسى يرحب بالنقد، ولا يرفضه مهما كان قاسيا حتى لو كان فارغا فى مضمونه، فقبول النقد شيمة المنصب.

سيادة الرئيس سأظل أعارضك وأختلف معك لأننى أحب مصر ومتحمس لمشروعك وفى اللحظة التى تجدنى فيها موافقا على كل ماتفعله فاحذرنى لأننى فى هذه اللحظة سأكون من الكارهين لك.

■ بعض الإعلاميين يستخدمون اسم السيسى وهم لم يقابلوه ويتحدثون باسم الأجهزة الأمنية


2 مهندس مضخات المياه الذى حطَّم خط بارليف بفكره

اللواء باقى زكى يوسف بطل خارج الصندوق

شكرا الرئيس عبد الفتاح السيسى شكرا وزير الدفاع شكرا اللواء محسن عبد النبى مدير إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، شكرا مكتب الرئيس ورجال الظل، فقد قدمتم لنا بطلا من خارج الصندوق، اللواء باقى زكى يوسف البطل صاحب فكرة تحطيم خط بارليف بخراطيم المياه.

لقد ظل هذا الرجل وحكايته مجهولين لا يعرف أحد عنها شيئا، فحرب أكتوبر لم تكن بالنسبة لجيلى سوى ضربة جوية وفقط، لم تكن سوى محمد حسنى مبارك، لم نعرف الكثير عن بطولات القوات الجوية سوى دور مبارك فيها فقط، ولم نعرف بطولات المشاة أو الدفاع الجوى أو البحرية أو المدرعات أو المهندسين فلم يكن بينهم مبارك.

اللواء باقى زكى يوسف هو شخصية العام بدون منافس، تخرج فى كلية الهندسة جامعة عين شمس، ثم انتقل إلى سلاح المدرعات فى نفس العام وعمل فى السد العالى، ثم انتقل إلى الجبهة، هناك استمع إلى خطة الهجوم من قائده قائلا إن عملية الاقتحام ستستغرق 14 ساعة حتى يستطيعوا فتح ثغرة بسيطة فى خط بارليف وقد نخسر نصف قواتنا فيها، ودور اللواء باقى هو نقل المدرعات، وقف الضابط صغير الرتبة باقى أمام قائده باحترام مبديا اعتراضه، وقال يافندم الموضوع سهل إحنا ننزل الساتر الترابى بقوة دفع المياه، وهذا التكنيك استخدمناه قبل ذلك فى السد العالى، انتبه القائد وطلب منه أن يشرح أكثر، قال اللواء باقى إن الإسرائيليين أخطأوا حينما جعلوا الساتر الترابى على حد القناة نفسها، ولو استخدمت مضخات المياه بدرجة ميل معينة فإن الساتر سينهار فى مياه القناة بما فيه من ألغام وقنابل دون أن ينفجروا.

الضابط العظيم قال فكرة خارج الصندوق والقائد العظيم وافق على الفكرة واقتنع بها، القائد ظل وراء الفكرة حتى وصلت إلى الرئيس جمال عبد الناصر، مرت الفكرة على عشرات من القادة لم ينسب أحدهم الفكرة لنفسه، ولم يدع أحدهم البطولة، ولم يحاول أحد إجهاضها، فالجميع يعمل من أجل تحرير الأرض، وظلوا يوثقون الحكاية حتى سمح لها بالخروج إلى النور ولو بعد 42 عاما.

إن حكاية اللواء باقى درس يتعلمه الأجيال فى العمل الجماعى المتناغم، وفى مصر الآن آلاف من الشباب الذى يحملون أفكارا مثل اللواء باقى، أفكار يمكن أن تعبر بمصر إلى المستقبل، على القادة والمديرين أن يتعلموا من أبطال أكتوبر، بأن يتبنوا الفكرة الجيدة ويقفون بجوارها حتى يتم تنفيذها، فى كل وزارة مئات من اللواء باقى على الوزراء أن يتبنوا أفكارهم، بدلا من أن ينفجروا فى وجههم، فأفضل استثمار للشباب هو تنفيذ أفكارهم التى هى خارج الصندوق، وقتلهم بقتل أفكارهم، هذه هى الرسالة التى أراد الرئيس السيسى أن يصل بها إلى قيادات الدولة فى الندوة التثقيفية العشرين للقوات المسلحة.

■ مصر الآن بها آلاف الشباب الذين يحملون أفكار اللواء باقى فمن يستجيب لهم؟