د. أحمد يونس يكتب: بيـان عـاجل مــن ائتلاف الراقدين تحت التراب

مقالات الرأي




بـاســم كـــل مـن طواهم الثرى تحت أرض مــصر. بـاســم الموتى على طـــول الزمــان الممــتد إلى غير ما نهاية. بـاســم كـــل الموتى منذ ما قبل إنـســان العصر الحجرى حتى ما بعد إنـســان الفــيـس بوك، منذ شهداء طرد الهكسوس حتى شهداء طرد المرشد وعصابته ومرسيه، منذ الأسرى الذين قتلهم غــيـلة ريتشارد قــلب الأسد إلى الجنود الذين أمر بقتلهم بديع والشاطر والبلتاجى والعياط، منذ مـن دفنتهم الرمال أثناء حفر قناة السويس أو تحت صخور الدويقة، إلى مـن التهمتهم النيران فــى القطارات أو المســارح أو ابتلعهم البحر بسبب الهجرة غير الشرعية أو ضمن جرائم العــبـارات. نعلن نحن جمـيع الراقــديـن تحت تــراب مــصر أننا ندعو سـائر الراحلين فى كـــل العصــور إلى مليونية حاشدة أسفل مــيـدان التحـرير، تستمر من العاشرة صباحاً حتى الثامــنة من مساء الجمعة القادم، تحت شعار: لا للأحزاب على أســاس دينى أو ذات المرجعية الدينية. المـوتى يدينون الأحياء، استناداً إلى أنهم يضربون عرض الحائط بمواد الدستور الذى يمنع نهائياً قيام الأحزاب على أســاس دينى، أو يخاطرون بمستقبل مــصر من أجل مواءمات وهمية.

وقد تقــرر أن تنطلق من ســائر المدافن فى مــصر، أو من أسفل أحيائها أو قراها إلى ما تحت أرض مــيدان التحـرير، مظاهرة جماهيرية كبرى تضم مــئـات الملايين من الهياكل العظمية من الجنسين. لا أحد عـندنا سيزعم أن الاختلاط حرام، على الرغم من حــالـة العــرى الذى يساوى بين الجميع. سنندفع كالشلال الهادر فــى نـفـــس الوقت من كـــل المدافن بطول وعرض مــصر إلى ما تحت أرض مــيدان التحـرير. لن يشعر أحـد بالفزع من قوات مكافحة الشغب أو عصابات الإرهاب. لن يشعر أحـد بالفزع كما يحدث مع الجبناء الذين مازالوا يخافون الموت. كل المشاركين فــى المــليونية الكبرى من المـوتى لا تستثير غرائزهم المصالح الدونية الحقيرة، ولا يخشون العبوات الناسفة أو قنابل المولوتوف.

وعلى طول الساعات الحاسمة من نـهــار الجــمعة، سيشعر كل المــصريين بالأرض تهتز تحت أقدامهم، وهو ما يدفعنا من الآن إلى أن نطـمـئن الشعـب المــصرى. لن يكــون الســبـب هو أن زلزالاً قد وقع بمقياس 9 ريختر. إنما هى هتافاتنا التى سوف ترج عروش أمراء الإرهاب. سنضرب بقــبضـاتنا العظمــية على أساسات كـــل المبانى أو المقار التى يحرمون الاقتراب منها. سندق أساسات مقار الفساد والإرهاب اللذين قامت ضدهما الثورتان. لن ننسى أن نمر من تحت زنازين سجن العقرب أو طــرة أو برج العرب لنقض مضاجـع اللصوص والقتلة. العالم بأسره سيعرف كيف أننا نحن المــوتـى الشـجعـان العـزل استطعنا أن نخيف المدججين بالسلاح. أكفاننا صنعنا منها اللافتات التى سنظل نرفعها بطول أذرعــنا العظمــية إلى أن تنطبع أحرفها على الإسفلت: لا للأحزاب على أساس دينى أو ذات المرجعية الدينية. لا لاستمرار الدولة الدينية التى دفع المــصريون ثمناً باهظاً لكى تغرب شمسها. لا للمصالح الدونية الحقيرة التى يلهث خلفها المتعطشون إلى التسلق على جماجم الشهداء. سنخترق بأعيننا الشاخصة إلى أعــلى أرض مــصر التى هى السـماء بالنســبة لنا.

كل ما نرجوه هو ألا نضـطـر إلى أن نردد ما قاله الشاعر فــى ظــروف مـشـابهة: لقد أسـمعـت لو نـاديـت حياً. ولكن لا حــيـاة لمن تنادى.

البيان تلقـيت نسـخــة منه بالليل. أؤكد أنه لم يكن حلماً أو كابوساً. سـألت مـن حمله إلي: مـن أنت؟ فقال: واحـد من غمار الموتى الذين سقطوا دفاعاً عن حرية مــصر.قلت بصــوت منخفض: أرجوك أن تضيف توقيعى إلى البيان، فأومأ بجمجمته الطيبة هامساً بتودد: سأحاول أن أقنع القيادة باستثنائك. ما لم أعد أعرفه هـو: مـن المـوتى ومـن الأحياء؟