دور أشرف مروان في خدمة الموساد لايزال لغزاً
الجيشان المصري والسوري إسرائيل بشن حرب عليها في بداية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر من عام 1973. ويكشف مؤلف هذا الكتاب أن رئيس الموساد زافي زامير وعددا من القيادات الإسرائيلية جرى إخطارهم في الأيام التي سبقت الحرب ويوم نشوبها نفسه بأنها سوف تقع. ولكن لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لسوء في التقدير أو في التفسير.
وما يؤكده المؤلف هو أن دكتور أشرف مروان ، مستشار الرئيس المصري الأسبق أنور السادات لسنوات عدة، كان أحد مصادر تزويد الإسرائيليين بالمعلومات منذ عام 1969. وبالتالي كان على علم بما كان يدور على مستوى أعلى مراكز القرار السياسي المصري.
ويتم أيضا تأكيدا أن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل كانت منعطفا في حرب 1973 لصالح إسرائيل. ولكن ذلك لم يمنع واقع أن التجسس بين الأصدقاء لم يتوقف، كما تدل عدة وثائق وقضايا جرى الكشف عنها.
وكان جهاز لاكام الإسرائيلي، التابع لوزارة الحرب مباشرة، قد قام بالدور الرئيسي في التجسس الإسرائيلي داخل أميركا. وهو الذي جنّد اليهودي الأميركي جوناثان بولارد للعمل لحساب إسرائيل، ولا يزال سجينا حتى اليوم، بعد أن رفض العديد من الرؤساء الأميركيين الإفراج عنه برغم الضغوط الإسرائيلية المكثفة في هذا الصدد.
الى جانب حرب أكتوبر 1973 بين العرب واسرئيل يشير مؤلف الكتاب الى قضيتين هامتين الاولى توضح بأن التعاون بين المخابرات الأميركية والإسرائيلية لم يمنع «التجسس بين الأصدقاء» في حين الضقية الثانية تتناول لغز أشرف مروان لا يزال يحير عالم المخابرات.
وحسب الكاتب، كانت حرب 5 يونيو 1967 مناسبة لانطلاق مرحلة جديدة من العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، هذه المرة على الصعيد العسكري. وعبر انتصارها في الحرب فرضت إسرائيل نفسها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية بمواجهة البلدان العربية الحليفة للاتحاد السوفييتي. هكذا أغدق الأميركيون دعمهم العسكري والمالي على تل أبيب، وأخذوا الموقع المتميز الذي كان يمثله التحالف الإسرائيلي- الفرنسي قبل ذلك.
حرب قليلة الاحتمال
عند الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والخمسين من بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 فاجأ الجيشان السوري والمصري الجيش الإسرائيلي بشن الحرب. كان ذلك اليوم عطلة يهودية وكانت الأجواء هادئة على الحدود منذ ثلاث سنوات، مع تصوّر أنه ما كان للعرب أن ينهضوا بسرعة من هزيمة حرب 1967.
وابتداء من سنوات السبعينات، حوّل الموساد اهتمامه نحو نشاط الحركات الفلسطينية وسلسلة عمليات خطف الطائرات والتفجيرات واستهداف الإسرائيليين. ولكن هل أهمل الموساد وغيره من أجهزة المخابرات الإسرائيلية نشاطات الجيران العرب؟ . ليس تماما ، هكذا يجيب مؤلف الكتاب.
ويؤكد أنه قبل 36 ساعة من بداية حرب أكتوبر، وتحديدا يوم 5 أكتوبر عند الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل جرى إيقاظ زافي زامير ، رئيس الموساد من نومه لإبلاغه رسالة عاجلة من أحد عملائه الهامين.
وكانت الرسالة عبارة عن كلمة واحدة هي الحرب . كان ذلك هو الرمز للإعلان عن وقوع حرب وشيكة. أخبر زامير بعض مستشاريه وكذلك زميله رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية ايلي زيرا . واتفق الرجلان على عدم إعلام رئيس الوزراء قبل معرفة معلومات أكثر عن مكان وساعة بدء تلك الحرب.
كان لدى الروس بالتأكيد معلومات أكثر عن الحرب الوشيكة مما كان يعلمه الإسرائيليون. هكذا وفي اليوم نفسه، تلقّى رئيس جهاز أمان الإسرائيلي تقريرا مفاده أن جميع السفن السوفييتية بصدد مغادرة الموانئ المصرية نحو عرض البحر. بالوقت نفسه كانت عائلات الخبراء العسكريين الروس تتدفق إلى المطار لمغادرة البلاد.
مصدر يفعل العجائب
قرر زامير سريعا أن يستقل طائرة ويذهب إلى أوروبا بنفسه لمقابلة صاحب الرسالة. وينقل مؤلف الكتاب عن مدير مكتب زامير وصفه لاحقا العميل المعني بـ أحد أفضل العملاء الذين يمكن لبلاد أن تحصل عليه في زمن الحرب. إنه مصدر يفعل العجائب .
وما بين منتصف الليل والساعة الواحدة صباحا من يوم السبت 6 أكتوبر أعلم زامير هاتفيا فريرا أن الهجوم سيتم في اليوم ذاته قبل غروب الشمس. نقل الأخير المعلومات عند الساعة الثالثة و45 دقيقة محددا لحظة الهجوم خطأ أنها عند غروب الشمس .
لم يأخذ العسكريون الإسرائيليون المعلومات مأخذ الجد حيث إن المصدر نفسه كان قد أخبرهم عدة مرات في الماضي بهجوم مماثل. وفي الوقت الذي كان يتناقش خلاله العسكريون عما ينبغي عمله بالمعلومات المقدمة خلال فترة الصباح فوجئوا بالهجوم عند بداية فترة ما بعد الظهر، وليس عند غروب الشمس.
فمن كان ذلك المصدر الذي يفعل العجائب ؟ يسأل مؤلف الكتاب. ويجيب أنه لا يزال حتى اليوم أحد الأسرار التي يحافظ عليها بقوة عالم الاستخبارات الإسرائيلي. ثم يضيف: إننا مع ذلك نستطيع اليوم كشف النقاب عن هذا المصدر: إن زافي زامير توجه إلى لندن لمقابلته. ولم يكن بريطانياً بل مصريا. إنه أشرف مروان، صهر عبد الناصر، ومستشار الرئيس السادات ، كما نقرأ في صميم الكتاب.
ويضيف المؤلف أن مروان واسمه الرمزي هو الملاك كان قد اقترح خدماته على الموساد عام 1969. وقد كان على معرفة بالمعلومات الأكثر حساسية داخل إدارة السادات وكان ينقل النقاشات والحالة العسكرية للجيش المصري والمبادلات الاستراتيجية مع الحليف السوفييتي . وبناء على ذلك يقول المؤلف إن السادات اتخذ قرار الهجوم منذ عام 1972 .
ويشير المؤلف إلى أن هناك إشارات أخرى كان منها أن تكون بمثابة إنذار لو أنها وصلت إلى محللي الموساد. ويقصد بذلك أنه في مطلع عام 1973، أبدى محلل يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اسمه فريد فاير دهشته من إحصائيات تدل على شراء الجيش المصري لكميات كبيرة من الجسور المتحرّكة التي لا يمكن استخدامها سوى على النيل.
واستنتج فاير من ذلك أن مصر تحضّر هجوما ضد إسرائيل. هكذا أعدّ تقريرا وصف فيه النقاط الأكثر احتمالا لنصب الجسور وحسب عدد الجنود الذين يمكن أن يعبروا بواسطتها خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى. ذلك التقرير أدرجه رؤساء فاير في الأرشيف ولم يولوه بعد ذلك أي أهمية.
كذلك تلقت الولايات المتحدة معلومة أخرى ذات أهمية كبيرة أنذرتها بالحرب المقبلة. ويحدد المؤلف تلك المعلومة بإخطار هنري كيسنجر من قبل أحد القادة العرب ومبعوث من الرئيس السادات بأنه إذا لم تقم الولايات المتحدة بحركة دبلوماسية قوية جدا فإن البلدان العربية سوف تشنّ هجوما قريبا على إسرائيل.
وكانت الحرب التي خسرت فيها إسرائيل خلال الـ72 ساعة الأولى 49 طائرة مقاتلة وحوالي 500 دبابة. وبدا أن استخدام السلاح النووي ممكنا خلال الساعات التالية. ولم يتأخر الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في إصدار أوامر مفادها أن يتم إرسال كل ما يطير نحو الشرق الأوسط، وهكذا جرى نقل 20 طنا من الأسلحة جوا إلى إسرائيل خلال الثماني وأربعين ساعة اللاحقة. كان ذلك منعطفا في حرب 1973.
تجسس بين الأصدقاء
في شهر نوفمبر من عام 1979 احتل طلبة إيرانيون السفارة الأميركية في طهران. واستولوا على أرشيفها، وكان من بين الوثائق الحسّاسة وثيقة تحمل عنوان إسرائيل: لمحة عن الاستخبارات الخارجية والأجهزة السرية .
هكذا عرف قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعالم العربي برنامج الموساد وشين بيت وبنيتهما وأهدافهما ذات الأولوية وفي مقدمتها جمع المعلومات عن الجيوش العربية، ثم جمع المعلومات حول السياسة الأميركية، وخاصة ما يتعلق بإسرائيل. والأولوية الثالثة تمثلت في جمع المعلومات العلمية في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغربية.
تلك التوجهات في الأولويات الإسرائيلية الاستخباراتية وجدت ترجمتها في عمليتين كبيرتين أظهرتا مدى التناقض في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية. كان الطرفان يعملان معا، ولكن يتجسس كل منهما على الآخر. العمليتان لم يقم بها الموساد مباشرة، ولكن عبر مكتب الاتصال العلمي أو لاكام الذي نعتته الصحافة الإسرائيلية نفسها أحيانا بالموساد مكرر . كان شيمون بيريز هو الذي أنشأ هذا المكتب، الذي حمل أولا اسم مكتب المهمات الخاصة ، عام 1957 داخل وزارة الحرب الإسرائيلية بقصد تحسين تسليح إسرائيل.
في مطلع سنوات الستينات اكتشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية العملية الكبيرة الأولى لمكتب لاكام . ذلك عندما اكتشف رئيس مركز السي.آي. ايه في تل ابيب وصول كميات من اليورانيوم المخصّب إلى إسرائيل مصدرها شركة أميركية في بنسلفانيا، تعمل في الحقل النووي، ويديرها زالمان شابيرو الذي كان قد عمل سابقا في برنامج مانهاتن النووي الأميركي، وترتب على ذلك مجرّد دفع غرامة .
بعد عام 1967 توسّعت مهمات لاكام ، كما يشير مؤلف الكتاب مؤكدا أن التكنولوجيا لعبت دورا حاسما في الانتصار الإسرائيلي على الجيوش العربية. لكن إسرائيل واجهت صعوبات جديدة، خاصة بسبب الحظر الذي ضربته فرنسا، بأوامر من الجنرال ديغول، على صادرات الأسلحة، مما هدد بتقليص التفوق العسكري الإسرائيلي. ورغم أن الحليف الأميركي قد عوّض بعض النقص، فإن إسرائيل فهمت أنه ينبغي عليها تطوير صناعتها في مجال التسلّح.
تحالف صلب ولكن ..
ومنذ سنوات السبعينات لاحظ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي اف.بي.آي أن هناك تزايدا كبيرا في أعداد الباحثين العلميين ورجال الأعمال الإسرائيليين الذين يقومون بزيارة أميركا. لم تكن السي.آي.ايه على علم بأن المكتب الفيدرالي قرر وضع أدوات تجسس في سفارة إسرائيل بواشنطن. وسبب عدم إعلامها بذلك، يحدده المؤلف، بوجود علاقة وثيقة جدا بينها وبين الموساد.
ويتحدث مؤلف هذا الكتاب عن الدور الذي لعبه رافي ايتان الذي ترأس جهاز لاكام بقرار من ارييل شارون عام 1981. ويشير إلى أن ايتان كان أحد الذي تسلّموا كمية من اليورانيوم من شركة أميركية في نهاية سنوات الستينات. وقد أراد على صعيد جمع المعلومات الانتقال إلى جعلها صناعية وليست يدوية .
وقد جنّد من أجل ذلك اليهودي الأميركي جوناثان بولارد الذي كان يعمل في سلاح البحرية الأميركية. وقد قابل ضابط في سلاح الجو الإسرائيلي، كان يتبع دورة تدريبية في جامعة نيويورك، وعرض عليه تزويده بمعلومات تهمّ دفاع إسرائيل لكن الأجهزة الأميركية تحتفظ بها لنفسها.
هكذا سلّم بولارد مئات الصفحات من الملفات السرية الخاصة بالقوى العسكرية في الشرق الأوسط وبسياسة التسلّح الأميركية. وعندما أحسّ بولارد أن أمره أصبح مكشوفا طلب اللجوء إلى السفارة الإسرائيلية. لكن الضابط المناوب في ذلك اليوم لم يكن يعرفه، ولم تتوفر له تعليمات دقيقة وواضحة عما ينبغي عمله بخصوصه، فرفض دخوله إلى السفارة. وعندما خرج كانت عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي بانتظاره.
أثارت قضية بولارد فضيحة سياسية وإعلامية بحيث إن الحكومة الإسرائيلية أعلنت حلّ جهاز لاكام وجرى طرد رافي ايتان . لكنه لم يجد نفسه مع ذلك في الشارع، بل وجد نفسه رئيسا لشركة إسرائيلية تعمل في مجال الكيماويات. وعلى عكس التطمينات الموجهة للأجهزة الأميركية، تابع جهاز لاكام نشاطاته، حيث استمر 35 عنصرا منه في العمل بالولايات المتحدة الأميركية موزعين بين نيويورك وواشنطن ولوس انجليس.
وينتهي المؤلف إلى القول إنه رغم صلابة التحالف الإسرائيلي- الأميركي على صعيد الاستخبارات، فإن قضية بولارد وعددا من القضايا غيرها تدل على أن الصداقة لا تمنح جميع الحقوق ، و جوناثان بولارد لا يزال في السجن حتى الآن.
المؤلف في سطور
ايفونيك دونويل، مؤلف هذا الكتاب، هو مؤرخ فرنسي اختصاصي بعالم الاستخبارات والأجهزة السرية الكبرى والشهيرة في العالم. وفي مقدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي. آي. ايه التي كان قد قدّم عنها، بالاشتراك مع المؤرخ الأميركي الشهير أيضا كأحد أهم الاختصاصيين العالميين في عالم الأجهزة السرية غوردون توماس ، كتابا تحت عنوان: الكتاب الأسود لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والذي تمّ التعرّض فيه للاغتيالات السياسية، التي استهدفت العديد من القادة الأجانب، وللانقلابات العسكرية التي ساهمت فيها الوكالة الأميركية، وجرت ترجمة الكتاب إلى العديد من اللغات الأجنبية.
و ايفونيك دونويل معروف أوروبيا وعالميا كأحد المرجعيات في عالم الظل والأجهزة السرية. ذلك بعد صدور عدة مؤلفات له في هذا المجال يندرج في عدادها: التاريخ السري للقرن العشرين: مذكرات جواسيس خلال سنوات 1945 وحتى 1989 ، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط سور برلين. ومن كتبه أيضا: عام 1979: الحروب السرية في الشرق الأوسط و كيف تصبح جاسوسا ؟ الخ.