في الذكرى الـ98 على "وعد بلفور" المشئوم.. أربع أسباب تؤكد بطلانه

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



في مثل هذا اليوم الثاني من شهر نوفمبر 1917 شهد العالم على الخطوة الأولى في محاولات الاحتلال الصهيوني بالإستيطان في الأراضي الفلسطينية، من خلال "وعد بلفور" الوعد الذي مكّن الاحتلال من السيطرة على فلسطين ولم يخرجوا منها حتى الآن.

- بداية نابليون

وبمراجعة محاولات اليهود ومحاولاتهم لإنشاء وطن خاص بهم نجد أن البدايات الأولى ترجع إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر، وقد ظهر ذلك بوضوح في خطاب "نابليون" الذي وجهه إلى يهود الشرق ليكونوا عونًا له في هذه البلاد. 

- رغبات الحركة الصهيونية

وقد وجدت هذه الدعوة صدى لها لدى كثير من اليهود ومع نهايات القرن التاسع عشر انتقلت فكرة الصهيونية التي تزعمها "تيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية من مرحلة التنظير إلى حيّز التنفيذ، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل عام 1897، وأول ما حملوه على عاتقهم هو الحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي يهودي. 

- رشوة السلطان العثماني.. ورفضه

كان التفكير يتجه في البداية إلى منح اليهود وطنًا في شمال إفريقيا، ثم تلا ذلك تحديد منطقة العريش، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل فاتجه تفكير اليهود إلى "فلسطين"، وسعوا للحصول على وعد من "تركيا" صاحبة السيادة على "فلسطين" لإنشاء وطن لليهود فيها.

وسعى "هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية إلى مقابلة السلطان "عبد الحميد"، وحاول رشوته بمبلغ عشرين مليون ليرة تركية، مقابل الحصول على فلسطين، ولكن السلطان رفض وقال: "لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدة من البلاد لأنها ليست لي، بل لشعبي، ولن تقسم إمبراطوريتنا إلا على جثثنا، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان". 

- المصالح الصهيونية والبريطانية

ولن يكِل "هرتزل" عن تحقيق حلمه من تكوين وطن يهودي بفلسطين، وبدأ ينشر فكرته على نطاق واسع في أوروبا التي قابلتها بتجاوب كبير وكان "آرثر بلفور" وزير الخارجية البريطاني من أكثر المتحمسين لها، فقد كان معروفًا بتأثره بالفكر الصهيوني، وتعاطفه الشديد مع الصهيونيين. 

ونشط الصهيونيون في التقرب من البريطانيين، وأوهموهم بتحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها، وهكذا بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسية لفكرة الوطن اليهودي، وتركزت في البداية على مفهوم إيجاد ملجأ للمضطهدين من اليهود المهاجرين، ولكن الجانب الصهيوني عارض هذا الاتجاه، واستقر الطرفان  في النهاية على مشروع الوطن القومي. 

- وعد "بلفور" وتحقيق الحلم الصهيوني وغضب العرب

وبتكليف من الحلفاء أقدمت "بريطانيا" على تلك الخطوة الخطيرة، فأصدرت وعد بلفور، ونشرته الصحف البريطانية صباح 8 من نوفمبر 1917 وكان نصه: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وفور إعلان هذا الوعد سارعت دول أوروبا، وعلى رأسها "فرنسا" و"إيطاليا" و"أمريكا" بتأييده، بينما كان في مناطق العالم العربي وقع الصاعقة، واختلفت ردود أفعال العرب عليه بين الدهشة والاستنكار والغضب. 

وإزاء حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها "وعد بلفور" أرسلت "بريطانيا" رسالة إلى "الشريف حسين" إمعانًا في الخداع والتضليل، حملها إليه الكولونيل "باست" تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان في "فلسطين" إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها  في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في "فلسطين" أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة "حاييم وايزمان" خليفة "هرتزل". 

- وعد بلفور وحجة الاحتلال الصهيوني لـ" فلسطين"

وفي  إبريل 1920 وافق "المجلس الأعلى لقوات الحلفاء" على أن يعهد إلى "بريطانيا" بالانتداب على "فلسطين"، وأن يوضع "وعد بلفور" موضع التنفيذ، ووافق مجلس "عصبة الأمم المتحدة" على مشروع الانتداب في 24 من يوليو 1923،  ثم دخل مرحلة التطبيق الرسمي في 29 من سبتمبر 1923.

وقد اتخذ اليهود من "وعد بلفور" ذريعة لهم لقيام دولتهم، فقد أشار إعلان قيام "إسرائيل" إلى اعتراف "وعد بلفور" بحق الشعب اليهودي مستندين على إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 من نوفمبر 1947 مشروعًا يدعو إلى إقامة دولة يهودية على أرض "فلسطين". 

- أسباب صدور وعد "بلفور"

وتتلخص عوامل صدور وعد بلفور في عاملين الأول العامل الديني، حيث أن آرثر بلفور كان شخصية دينية مؤمن بالعقيدة البروتستنتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم وما فيه من نبوءات توراتية، لذلك فأن بلفور، عندما صاغ الوعد بمنح اليهود وطنًا في فلسطين، كان يعتقد أنه بذلك يحقق إرادة الله، وأنه يوفر الشروط المسبقة للعودة الثانية للمسيح وبالتالي، فأنه من خلال مساعدة اليهود على العودة في فلسطين فأنه يؤدي وظيفة العامل على تحقيق هدف إلهي، لأنه كان من المؤمنين بأن التاريخ ليس سوى اداة لتنفيذ الهدف الالهي.

والعامل الثاني هو عامل استراتيجي، حيث أن بريطانيا كانت قلقة من جراء هجرة يهود روسيا وأوروبا الشرقية الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد، فهنا اقترح "هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية إنشاء وطن يهودي يحل أزمة الهجرة التي تثير مخاوف البريطانيين.

- أسباب بطلان وعد بلفور

وبالرغم من كل المكاسب التي حققها اليهود من "وعد بلفور" فإن كثيرًا من المؤرخين يدفعون ببطلانه، وبالتالي بطلان كل ما ترتب عليه من مغالطات وأكاذيب، حيث أن فلسطين.

١- عند صدور الوعد لم تكن فلسطين جزء من الممتلكات البريطانية، حتى تتصرف فيها كما تشاء، وإنما كانت جزء من الدولة العثمانية، وهي وحدها صاحبة الحق في ذلك.

٢- "وعد بلفور" صدر من جانب واحد وهو بريطانيا ولم تشترك فيه الحكومة العثمانية.

٣- وعد بلفور يتعارض مع البيان الرسمي الذي أعلنته "بريطانيا" في عام 1918، بعد صدور "وعد بلفور" والذي نص على "أن 
حكم هذه البلاد يجب أن يتم حسب مشيئة ورغبة سكانها، ولن تتحول بريطانيا عن هذه السياسة".

٤- كما يتعارض هذا الوعد مع مبدأ حق تقرير المصير الذي أعلنه الحلفاء، وأكدته "بريطانيا" أكثر من مرة.