أحمد فايق يكتب: الفاشلون
■ ساويرس حاول السيطرة على «النواب» باحتكار الإعلام وأخفق فى جذب الناخبين
■ السلفيون بالون من الوهم.. وفوز «فى حب مصر» بطعم الفشل
■ السيسى يخسر لأن برلماناً قوياً يساوى دولة صلبة
ياعزيزى كلنا فاشلون.. ولا استثنى منا أحدا. نعم كلنا فاشلون.. أحزاباً.. مرشحين.. نواباً.. إعلاماً.. صحافة.. رجال أعمال.
هناك 3 طرق سهلة للتعامل مع ما حدث فى انتخابات مجلس النواب الاخيرة، الاولى أن ترقص فرحا فى انهيار حزب النور وهزيمته الساحقة فى الانتخابات مشيدا بالنجاح الباهر لجبهة «فى حب مصر» وهو الطريق الذى يسير وراءه معظم وسائل الإعلام الان، والطريق الثانى أن تمتطى جواد النضال معتبرا أن عدم الحضور فى الانتخابات هزيمة للسيسى، وعدم استجابة شعبية له لأن المصريين لم يستجيبوا لندائه بالنزول للانتخابات، الطريق الثالث أن تعتبر عدم النزول الشعبى للانتخابات هو رفض شعبى لبرلمان ينازع السيسى سلطاته.
هناك طريقة أخرى أكثر وضوحا لتحليل المشهد، انتخابات مجلس النواب الحالية كانت فرصة عظيمة لجميع الاطراف، فقد زال من أمامهم جميع المبررات التى يعللون بها فشلهم، الإخوان غير موجودين بالأساس، رئيس الجمهورية ليس لديه حزب يمثله مثل «وطنى» مبارك، ممارسة السياسة فى الانتخابات متاحة، إعلان الاحزاب متاح، الوصول للقواعد الشعبية متاح، الدولة لم تتدخل لدعم طرف دون الآخر، لكنهم جميعا فشلوا فى حشد الشارع للذهاب الى الانتخابات، وهذا ليس له سوى معنى واحد أن كل مرشحى مجلس النواب لم يستطيعوا إقناع 20% من الناخبين بالنزول من منازلهم وانتخابهم.
الملاحظة الاولى فى هذه الانتخابات الكارثية أن معظم المرشحين مجهولون، لا يعرف عنهم أحد شيئا، وكان لسان حال الكثيرين «لو رشحت نفسى كان ممكن أكسب»، المجهولون موجودون أكثر على القوائم وأيضا فى الفردى.
رجل مثل نجيب ساويرس خطط طوال الاعوام الماضية للسيطرة على الإعلام، نجح فى أن يحصل على الحقوق الإعلانية لمعظم الصحف اليومية، معظم المحطات التليفزيونية، ورغم هذا فشل بكل هذه الامبراطورية فى حشد المصريين، بل نجحت وسائل الإعلام القليلة الاخرى التى رفضت طريقته الاحتكارية فى التأثير عليه.
هل فقد الإعلام مصداقيته؟
- جاهل من يقول لك لا...
لقد فقد الإعلام المصرى مصداقيته منذ زمن كبير...
تستطيع أن ترى هذا بشكل واضح حينما انفجرت إحدى القنابل على أبواب مدينة الإنتاج الإعلامى، وحينما انقطع النور هلل الملايين على مواقع التواصل الإجتماعى فرحا، لأنهم لا يريدون لإعلام بهذا المنطق أن يكون بينهم، لقد فشلت وسائل الإعلام التى يمتلكها رجال الأعمال وهم أنفسهم السياسيون فى حشد المصريين.
وحتى النسبة التى نجحت فى حشدهم اختياراتهم لن تخرج عن إطار العبث اليومى الذى نراه فى وسائل الإعلام.
لقد قاطع شباب 25 يناير و30 يونيو الانتخابات، وبدت مصر عجوزاً شمطاء فى ليلة فرحها، يقف فى الطوابير الجيل الذى تربى على أن يذهب ليعطى صوته إلى نائب الوطنى أو كبير العائلة أو لمن يدفع أكثر.
الاختيارات تؤكد أن المجلس القادم معظمه من المقاولين وتجار الاراضى، ممن كونوا ثرواتهم من التجارة بأرض مصر وسرقتها ونهبها. أعرف مرشحاً فى الهرم ثروته 6 مليارات جنيه من الاستيلاء على الاراضى وإقامة أبراج غير مرخصة عليها، هذا الرجل لم يدفع جنيهاً واحداً ضرائب للدولة، وهناك مناطق كاملة تحمل اسمه، عبارة عن أراض وأبراج الفاصل بين كل برج والثانى 5 أمتار..!
يضع يده على الارض ويدفع رشاوى، ثم يقنن وضعها، ويبنى عليها دون ترخيص ويدفع رشاوى ويقنن وضعها أيضا، هذا الرجل كان يدفع فى الصوت الواحد 500 جنيه، ولو وصل سعره لخمسة آلاف لدفعها، فهو يضع عينيه على كرسى البرلمان لحماية ثروته، ويضع عينيه أيضا على أراض جديدة يخطط للسيطرة عليها.
أعود إلى الإعلام....
لقد تخلى الإعلام الخاص عن المهنية فى كثير من القضايا وتحولت المحطات إلى مصاطب ينتهك فيها القانون والدستور يوميا، بعض إعلاميى المخلوع مبارك يمارسون حريتهم فقط على ثورة 25 يناير، يطالبون باحترام الدستور وينتهكون الثورة التى اعتبرها الدستور ثورة شعب، لا يبحثون عن لم شمل المصريين بقدر ما يسعون لتصفية حسابات شخصية، لأنهم تعروا أمامها وظهر نفاقهم على الملأ، يتحدثون يوميا عن الأمن القومى والحفاظ على تماسك المصريين وهم ينتهكون يوميا الأمن القومى ويثيرون الفتن، انتفخت جيوبهم من المليارات التى رصدها نظام مبارك لمحاولة العودة إلى الحياة السياسية من خلال انتخابات مجلس النواب، يدافعون عن الفساد ويكيلون بمكيالين طوال الوقت، يوزعون اتهامات الخيانة والعمالة لكل من يعتبر مبارك فاسدا أو يسميه المخلوع، فهذا الوصف يصيبهم بالهوس والجنون، وأشعر كثيرا بالاستمتاع حينما أكتبه كثيرا.. فهو الشىء الوحيد الذى يذكرنى بثورة عظيمة.
هناك نوع آخر من الإعلاميين من هواة القفز فوق الحبل، يبحثون عن مصالحهم، ويغيرون آراءهم كل دقيقة، فى بعض الاحيان يتضامن مع إرهاب الإخوان وفى أحيان أخرى تجده مباركياً أو سيساوياً، هؤلاء ذكرونى بالمشهد الشهير فى فيلم «سوق المتعة»، هذا الفتى الذى يفرش لك سجادة الصلاة لو أردت الصلاة ويحضر لك كأس الويسكى والجميلات إذا أردت هذا.
وهناك نوع ثالث يريد تقديم شىء إيجابى ومختلف وهذا النوع لا يجد محطة تتحمس له أو معلن يرعاه، فالمعلنون يرعون فقط البرامج التى تدافع عن مصالح رجال الأعمال، إذا طالب برنامج توك شو فى مصر بعمل ضرائب تصاعدية أو ضريبة أرباح على البورصة فلن يجد معلناً يرعاه فالبرنامج يهدد مصالحه بشكل مباشر.
هل الدولة بريئة مما يحدث؟
- بالتأكيد لا.. بادئ ذى بدء شكرا عزيزى المصدر السيادى لقد تسببت فى ضرب سمعة إعلام وصحافة فى دولة عمرها عشرات السنوات، لقد تسببت برواياتك الخيالية فى تحويل الإعلام المصرى إلى أراجوزات يضحك عليهم العالم كله، لقد قررت أن أقاطع أى خبر نقلا عن مصدر سيادى غير معلوم، والإعلامى يلجأ لهذه المصادر المجهلة لأن الدولة دائما تحجب عنه المعلومات، فليس من الطبيعى أن نعرف أن مصر تشارك فى عاصفة الحزم من قناة العربية، وليس طبيعياً أن نستمد معلومات استراتيجية تخص مصر والمصريين من تويتات فجر السعيد.
الدولة لم توفر أى معلومات للإعلاميين، والحكومة لا توفر شيئا، حتى المتحدثون الإعلاميون لكل وزارة لا يردون على التليفون، ليست هناك آلية للتواصل بين مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام، كل ما يقدم فى وسائل الإعلام هو اجتهاد شخصى، هناك بعض الجهات فى الدولة تعتبر أن الإعلام أداة لفرض توجهاتهم، هناك حديث عن تدخل فى المطابع، وقطع الإرسال عن برامج، الدولة ليست بريئة من منع باسم يوسف وريم ماجد وغياب يسرى فودة.
الدولة مسئولة عن وضع ضوابط تحكم طبيعة العلاقة بين الإعلام والمؤسسات، ضوابط تجبر المسئول على إتاحة المعلومة، وتمنع تعارض المصالح مع الإعلامى، وتقف أمام الاحتكار ومحاولة لى ذراع الحكومة فى قرارات ضد الشعب.
ساويرس أراد أن يسيطر على البرلمان القادم، لذا سعى للسيطرة على الإعلام، ولما تأخرت انتخابات البرلمان ظهرت أزماته المالية فى الإعلام.
من خلال وكالة برومو ميديا حصل نجيب ساويرس على الحقوق الإعلانية لصحف «المصرى اليوم» و«اليوم السابع» و«الوطن» ثم حصل على الحقوق الإعلانية لقنوات «الحياة» ونفس الشركة تملك قنوات «تن» هذا غير قنوات «أون تى فى»، هذا يعنى أن أى أحد سيخوض معركة انتخابية ضد حزب ساويرس سيهزم إعلاميا قبل أن يخوضها، مصر ليست فيها قواعد تفصل بين الإعلام والاعلان، وستسحب الوكالة إعلاناتها إذا انتقدت حزب ساويرس فى الانتخابات، وربما إذا دعمت أحزاباً أخرى، وهذا ضد قواعد المنافسة.
العقد بين وكالة ساويرس و«المصرى اليوم» كان ثلاث سنوات، فى العام الأول تدفع برومو ميديا 95 مليون جنيه، وفى العام الثانى 105 ملايين جنيه، وفى العام الثالث تدفع 115 مليونا.
ونص التعاقد على أن تدفع برومو ميديا دفعتى تعاقد قدر كل منهما ثمانية ملايين جنيه، ودفعت الوكالة دفعة التعاقد الأولى، ولم تدفع الثانية، وتوقفت عن دفع مستحقات الجريدة منذ شهر يناير الماضى، وبلغت ديون الوكالة للصحيفة 37 مليوناً و500 ألف جنيه، بالإضافة إلى ثمانية ملايين جنيه دفعة التعاقد، ونسبة النصف فى المائة فوائد التأخير، أى وصلت قيمة مديونيات الوكالة لـ«المصرى اليوم» 55 مليون جنيه.
نفس الوكالة تأخرت فى دفع مستحقاتها لصحف وقنوات أخرى، حتى إن العاملين بقناة «تن» أو «التحرير» سابقا لم يتقاضوا مستحقاتهم المالية منذ خمسة أشهر، بعض الصحف تحاول تهدئة محرريها ببيانات تؤكد أن التعاقدات مستمرة مع وكالة ساويرس الإعلانية، وصحف أخرى مثل «المصرى اليوم» قررت إعلان المشكلة للرأى العام.
الحقيقة الواضحة أن وكالة واحدة الآن أصبحت تحتكر إعلانات نصف صحف مصر الكبيرة، ومجموعة كبيرة من القنوات، الحقيقة الثانية أن أكثر من نصف صحفيى المصرى يتقاضون رواتبهم من ساويرس.
خطورة هذه العقود على صناعة الصحافة فى مصر أنها أرقام مبالغ فيها ولا تحافظ على صناعة الصحف، لأن معظمها يتم دفعه من أجل بسط النفوذ السياسى أو لحماية مصالح خاصة.
تعالوا نقرأ بهدوء شديد.. لو كنت رجل أعمال وتملك فضائيات كثيرة ولديك خلافات مع الدولة لأنك لم تدفع الضرائب المستحقة عليك، فقررت أن تحول فضائياتك فجأة إلى ساحة من المعارضة، حتى تجد طريقة للتفاوض مع النظام، أيهما أكثر ربحا لك؟
فى مصر فقط يحول بعض رجال الأعمال الفضائيات إلى مصاطب للدفاع عن مصالحهم الشخصية، يستخدمونها وسيلة للضغط على النظام لتمرير مصالحهم وصفقاتهم.
هل قرأت الحكومة أو الإعلاميين تقرير صندوق النقد الدولى، والمعروف أنه الأكثر انحيازا لرجال الأعمال، لقد قال إن تراجع الحكومة المصرية عن فرض ضريبة أرباح رأسمالية على البورصة قرار مخيب للآمال، ويحمل الطبقات الفقيرة مزيدا من الضغوط، هذا التقرير صادر عن جهة متهمة دائما بأنها تنحاز ضد الفقراء، هل تتخيلون إلى أى حد هذا القرار يؤثر على المصريين، لقد تراجعت الحكومة لأن رئيس البورصة ومعه مجموعة من رجال الأعمال شنوا حملة فى الفضائيات التى يملكها رجال الأعمال لوقف هذا القانون العادل للمصريين.
هل تعلمون أن الكثير من برامج التوك شو فى مصر تعمل لخدمة مصالح بعض رجال الأعمال، وتحولت إلى عزب خاصة للضغط على الدولة؟
- جملة الضغط على الدولة لا تعنى الضغط على نظام الحكم وهناك ألف فرق بين هذا وذاك، فلا يستطيع أحد الضغط على نظام الحكم، معظم رجال الأعمال ممن يمتلكون القنوات التليفزيونية لديهم مصالح ولغة تجعلهم دائما فى علاقة متوازنة مع النظام.
هل تتخيل أن رجلاً يمتلك كل هذه الامبراطورية فشل فى إقناع المصريين بالذهاب إلى صندوق الانتخابات.
- لقد فشل أيضا حزب النور الذى بالغ الإعلام فى رسم صورة له، فقد ثبت بالتجربة العملية أن قواعد حزب النور تابعة للإخوان المسلمين، ينفذون تعليمات المرشد، وأن السلفيين بالون ضخم من الوهم، وهذا أيضا ينضم إلى الفشل الإعلامى فى التقييم الدقيق لقوة الآخرين.
لقد اكتسحت قائمة فى حب مصر الانتخابات، لكنه فوز بطعم الفشل، فما قيمة أن تكون عضو مجلس شعب بأقلية، فشلت قائمة الصحوة المصرية أيضا ومثلها بقية القوائم.
إن المستفيد الاكبر ظاهريا مما حدث هو الرئيس عبد الفتاح السيسى، فهو أمام برلمان ضعيف لا يجرؤ على معارضته، سيخسر هذا البرلمان فى أول مواجهة مع الرئيس.
لكن السؤال هنا...
هل خسر السيسى أيضا؟
- نعم لقد خسر..
إن وجود برلمان قوى يساوى دولة قوية، عليه أن يعرف لماذا امتنع الشباب عن التصويت، عليه أن يراجع نفسه، فقد كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان «أمريكا تخشى من عبد الناصر وتدفع لصناعته»، وقلت إن السيسى سيصبح ناصر جديد فى حالة تنويع مصادر السلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية، لقد نجح الرئيس فى الملف الاول بجدارة، لكنه حتى الان لم يفعل شىء فى الملف الاخطر وهو العدالة الاجتماعية، هناك مؤسسات فى الدولة كسرت الحد الاقصى للأجور، هناك برلمان عبارة عن تجار أراضى ومقاولين سيلهبون أسعار العقارات، هناك مافيا من كبار الموظفين تحمى مصالح رجال الأعمال.
إن الرئيس مطالب بالتحرك ألف خطوة فى ملف العدالة الاجتماعية ومثلها فى اتجاه الشباب، والتحرك فى اتجاه الشباب ليس فقط بمقابلتهم والاستماع لهم واحتوائهم، ولكن الاهم فى ذلك هو تحقيق أحلامهم، وفتح مساحات لهم فى قطاعات الدولة المختلفة، رئيس وزراء كندا شاب يبلغ من العمر 42 عاما، وهذا ليس بعيدا عن مصر، ففى دراسة عن أكثر الشباب فى العالم مؤهلين للقيادة فى العالم احتل الشباب المصرى المرتبة الثانية.
لقد خسر الجميع فى هذه اللعبة ولم ينجح أحد، وعلى الجميع إعادة التفكير والحساب مرة أخرى، فثورة جياع لن تترك مصالح رجل أعمال دون أن تدمرها، وانفجار الشباب لن يقف أمامه أحد، إن المشهد الان أسود قاتم يحتم على الجميع الصمت والاجتهاد والتحليل والمذاكرة والبحث عن حلول، فهذه الدولة سقف نعيش تحته جميعا، ولن نستطيع أن ننعم بالشتاء دون أن يسترنا هذا السقف..!