حسين معوض يكتب: برلمان «مكسور الجناح»
ليس وراءه ناخب يحميه.. بل أمامه ناخب متحفز للإستفتاء على حله
■ توقعات بحل البرلمان خلال ثلاثة أشهر.. مراكز القوى الجديدة تطمح فى تشكيل الحكومة
لا يتوقع المتفائلون أن تتغير نسبة الإقبال على التصويت فى جولة الإعادة على مقاعد المرحلة الأولى، ولن تتغير أيضا نسبة التصويت فى المرحلة الثانية.. تتعدد التفسيرات والتحليلات لأسباب العزوف والبعد عن الصناديق.. ربما نكون أمام انتخابات فريدة ليس من مصلحة أحد أن يذهب إلى الانتخابات، وليس من مصلحتهم وجود برلمان من الأساس.
جماعة الإخوان والمتعاطفون معها يبحثون عن إثبات على تراجع شعبية النظام، وقواعد السلفية ترغب فى تأكيد كفرها بالديمقراطية، وشباب الثورتين 25 يناير و 30 يونيو باتت الانتخابات والسياسة عبئاً ثقيل عليهم، ارتبطت لديهم بالتخوين والاتهام بالعمالة..
حتى حزب الكنبة الباحث دائما عن الاستقرار والزاحف دائما إلى الصناديق امتنع للمرة الأولى، ويعرف أعضاء الحزب الأشهر فى مصر أنهم بتصويتهم فى الانتخابات يستدعون المارد إلى حلبة المنافسة، مارد لا يعرف أحد حجم قوته وقلة تحمله ولا قدرته على الرهان وشد أطراف الحبل مع مؤسسة الرئاسة.
أنصار 30 يونيو والرئيس السيسى بالطبع يعرفون أيضا حجم التوترات التى يملك البرلمان القادم دفعنا إليها، برلمان غير عاقل وبدون ملامح يملك صلاحيات غير محدودة، أبسط ملامح قوته هى رفض قانون واحد مثل قانون التظاهر أو قانون الخدمة المدنية أو غيرها من القوانين التى يختلف عليها الكثيرون.. وهى مهمة يجب إنجازها فى أول 15 يوماً من عمر البرلمان، يجب خلال تلك المدة الموافقة أو رفض ما يقرب من 500 قانون أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسى ومن قبله الرئيس عدلى منصور.
كل الأطراف اتفقت على مقاطعة الانتخابات، مؤسسة الرئاسة نفسها التى يفترض نظريا أن ينتقص البرلمان القادم من صلاحياتها باتت بين متناقضين، قلة الإقبال تفسر على أنها تأكل من شعبية الرئيس.. وزيادة الإقبال تعنى النفخ فى برلمان قد يواجه الرئيس فى وقت ويحد من صلاحياته..
أنصار السيسى روجوا مبكرا لأهمية تعديل الدستور والنيل من صلاحيات البرلمان، وتحدثوا عن سيناريوهات المواجهة التى قد تنتهى إلى حل البرلمان، وهو حق دستورى للرئيس، وجرى مناقشات واسعة على مواد فى الدستور والتى تحدد طريقة تعيين الحكومة أو حل البرلمان.
ورغم فرحة أنصار نظرية «البرلمان المعطل» ألا أن قلة الإقبال تم تفسيرها من الصحافة العالمية على أنها تنال من شعبية الرئيس وهو ما دفع وزارة الخارجية إلى الرد على تلك الادعاءات ونفيها.
فى حالة استمرار الإقبال عند مستوياته الأدنى فى جولة الإعادة على مقاعد المرحلة الأولى أو فى الجولة الثانية فإن البرلمان القادم لن يقوى على لعب دور المنافس القوى للرئيس خلال السنوات الأولى من عمره على الأقل، وفى حالة جنوحه إلى الخلافات التى قد توقف الحياة السياسية والاقتصادية عندها يسهل استدعاء الجماهير للاستفتاء على حل البرلمان.
قد تطمح بعض مراكز القوى الجديدة فى البرلمان المنتظر إلى تشكيل الحكومة، وقد يرفض بعضهم التنازل عن رئاسة المجلس نفسه، أو ترغب تلك المراكز فى السيطرة على اللجان الرئيسية، أو المناصب القيادية، وقد يستدعى البرلمان مواجهات فى غير وقتها، وقد يحاول بعض الأعضاء تعويض ما صرفوه فى الانتخابات من خلال ممارسات دفعت بالمجالس البرلمانية السابقة إلى الهاوية.
لا يوجد توقعات محددة أو تقديرات بولادة برلمان حسن السير والسلوك والرقابة والتشريع، وقتها لن يكون هناك بديل سوى حل البرلمان.
حل البرلمان سيناريو متوقع، والبعض يذهب إلى الجزم بأن البرلمان القادم لن يدوم أكثر من ثلاثة أشهر أو عام على الأكثر.. وحتى فى حالة استمرار البرلمان وحصول أعضائه على عدد متواضع جدا من الأصوات، بنسبة لا تتجاوز 20 % من إجمالى أصوات الناخبين.. وقتها قد ينطبق عليه المثل الشعبى «مكسور الجناح» ليس وراءه ناخب يحميه.. بل أمامه ناخب متحفز للاستفتاء على حله.
لقد انتهى اليوم الأول من الانتخابات بنسبة مشاركة قيل إنها لم تتجاوز 2.3 %، الرقم تناقلته وكالات الأنباء والفضائيات والمواقع والصحف، ويعنى أن عدد المصوتين فى 14 محافظة فيها أكثر من 27 مليون ناخب صوت منهم 625 ألف ناخب فقط.. وهو رقم كارثى بالطبع.. ونسبت الوكالات الرقم إلى لجنة الانتخابات البرلمانية، ثم عادت اللجنة ونفت الرقم، وتحدثت عن نسب مشاركة مختلفة فى نهاية اليوم الثانى وبعد محاولات مضنية فى حشد الناخبين.
البعض يفسر «الضارة» على أنها «نافعة».. فالبرلمان «مكسور الجناح» من الممكن أن يكمل مدته لأنه لن يجرؤ على المواجهة.. وهى حسبة بالطبع خاطئة.. فالمثل الأكثر إقناعا هو «عدو عاقل خير من صديق جاهل».. أو برلمان قوى معارض قد يكون أفضل من برلمان ضعيف مستأنث.