د. رشا سمير تكتب: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا

مقالات الرأي



قبل الانتخابات البرلمانية بأيام اشتعلت المواقع الاجتماعية بسؤال واحد أصبح هو محور كل المناقشات.. حننتخب مين؟ حوار كالآتى:

«ماحدش يا جماعة يعرف مين كويس نازل عن منطقة الهرم؟».

«آه طبعا أعرف.. محمد وده ابن خالة طنط نوسة جارة أمى فى بيتنا القديم».

« وده كويس».

« آه طبعا.. إبن حلال ومحترم جدا وطول عمره ما بيتأخرش عن حد..وطنط نوسه بتشكر فيه جدا».

توكلنا على الله، وينزل الناخبون لينتخبوا محمد ابن خالة طنط نوسة، لأنه ببساطة ابن حلال!.

بدا واضحا منذ الساعات الأولى للتصويت أن الإقبال مؤسف وضعيف جدا، فاللجنة التى وصل عدد ناخبيها إلى ٣٠٪ دخلت موسوعة جينيس! حتى إننى لو كنت مكان آبلة فاهيتا لندمت ندما شديدا لعدم نزولى عن دائرة أكتوبر (دى لو كانت لمت لها ٥٠ نفر كان زمانها نجحت).

وفى تطبيل وتهليل معتاد، لكنه مؤسف للغاية تخرج مانشتات جريدة الجمهورية بعد مظهر انتخابى سيئ جدا لتقول (مصر تبهر العالم من جديد)!..

إنكم يا سادة لا تضيفون للدولة ولكنكم تسيئون لرئيسها الذى يحاول جاهدا أن يخرج من دائرة الوجوه الفاسدة والأشكال التى ذبحت مصر..

بنظرة دقيقة لما حدث، نجد أن مُناخ البلد أصبح مُناخا طاردا للمشاركة، حيث أصبح عزوف البشر عن الانتخابات ليس مجرد رد فعل لموقف مُعين ولكنه حالة.. فمثلها مثل إنتخابات النوادى والنقابات والاتحادات.. حالة من اليأس فى التغيير.. فالبعض لا يعبأون والكثيرون فقدوا الأمل..

الحقيقة أن الوجوه التى تسيدت المشهد الإنتخابى وجوه تبعث على اليأس.. مرشحون حتى لم يكلفوا أنفسهم عناء وضع برنامج انتخابى واكتفوا فقط بالنزول إلى المقاهى والازقة، مبتسمين مطيبين خاطر أبناء الدائرة بوعود وهمية، وفى أحسن الظروف صورة selfie، ويخرج الأمر من نطاق توزيع النقود إلى توزيع الترامادول والحشيش كرشوة انتخابية!..

وجوه عاشت عبر كل العصور لتلعب على كل الحبال وتبحث عن دور لها كلما انتهى عصر وأتى جديد، وجوه لم تنكسف ولم تحاول يوما أن ترتدى بُرقع الحياء..

ماذا رأى هؤلاء فى أنفسهم حتى يقرروا الترشح؟..

الكاتب الذى صدرته الأجهزة الأمنية ليحرق وجوها ويُلمع وجوها.. الصحفية التى ترى أن أضحية العيد مذبحة يجب أن تتوقف.. رجال الأعمال الذين امتلكوا المال فبحثوا عن الحصانة لتكتمل سطوتهم..لاعبو الكُرة الذين مازالوا يتطلعون إلى البقاء على الساحة بعد انحسار الأضواء عنهم..أعضاء الحزب الوطنى الذين تصوروا أن التعادل السياسى يعنى عودتهم إلى الملاعب فى الهاف تايم الرابع..أم الفنانات اللاتى تصورن أن تاريخهم الفنى المتواضع كافٍ لإنجاحهم..أم شباب حركة تمرد الذين تتم مكافأتهم على الاستمارات التى أسقطت حكم الإخوان.. ومن بين كل هؤلاء قامت الدنيا ولم تقعد ضد سما المصرى لأنها راقصة! (وهو الرقص بيكون ببدلة الرقص بس..ده الرقص بقى على كل لون يا باتيستا)!.

إن التزاحم والإقبال الذى حدث يوم افتتاح أحد محال الدونتس الشهيرة بالقاهرة الجديدة فاق بكثير إقبال الشباب على لجان الانتخاب.. وهذه بالمناسبة هى الإجابة عن السؤال الأبله الذى اعتلى كل لافتات الشوارع: الأكل وللا التعليم؟!

إن عزوف الشباب ونزول كبار السن لا يعنى سوى شىء واحد..أن الكبار من جيل يعى قيمة الوطن لأنهم عاشوا أوقات الأزمات والحروب فصار هاجسهم الوحيد هو إنقاذ مصر، الوطن الذى يعرفونه ويحتمون به..

إن الهيئة الإعلامية التى اختارها الرئيس من شباب الإعلاميين لتكون البوق الناصح له، هيئة قد تجيد طرح المبادرات والهاشتاجات والتواصل على الفيسبوك ولكنهم بكل أسف شباب بلا خبرة سياسية تجعل منهم الناصح الأمين للرئيس..

إن الخطأ والنسيان هما آفة الشعوب.. فلو تكررت الأخطاء ونساها الشعب لتحولت الأوطان إلى ساحة للفشل لذا أتمنى أن تأتى المرحلة الثانية من الانتخابات بشىء من الاختلاف والائتلاف.. إنها دعوة للشعب أن يتحمل مسئولية وطنه ودعوة للمسئولين أن يرأفوا قليلا بحال الشعب.