محمد مسعود يكتب: ثورة الأهلى

مقالات الرأي




■ حرب «المجلس والمعارضة» تحولت من مواجهة معنوية إلى معركة على الأرض

■ نادى القرن يتحول إلى ذئاب تنهش فى بعضها عملاً بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»

فجرت رباعية أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقى، ثورة جماهير النادى الأهلى التى لم تطق صبراً على المهندس محمود طاهر، رئيس مجلس إدارة القلعة الحمراء وطالبته بالرحيل الفورى، بعد الإخفاقات المتتالية التى تعرض لها الفريق طوال الموسم.

ومثلما كان جمهور المارد الأحمر هو النور الذى يبعث الأمل ويدب الحماس فى نفوس اللاعبين والإدارة، صار ناراً، اشتعلت بين يوم وليلة فى مجلس طاهر الذى وقف حائراً متردداً بين نظرية المؤامرة.. وواقع الفشل!

1

نظرية المؤامرة

منذ تأسيس الأهلى فى عام 1907 ولم يعرف النادى المؤامرات، وإن حدث وكانت هناك شبهة مؤامرة، لم يكن أحد يجاهر بها، لكن خلال أسبوع واحد تحدث مسئولو النادى عن وجود مؤامرة، بدأ الحديث فتحى مبروك المدير الفنى عقب هزيمة أورلاندو بيراتس برباعية، وهى الهزيمة التى فجّرت الأحداث الساخنة داخل نادى الذى طالما غار منافسوه من استقرار إدارته وهدوء مسئوليه.

مبروك قال إنه لو استمر فى منصبه «هيشقلب الفريق»، ويستبعد عدداً من اللاعبين الذين تسببوا فى هزائم متتالية ويمثلون مراكز قوى لم يعرفها فريق الأهلى منذ أن كان المايسترو الملهم صالح سليم، قائداً للفريق فى أرضية الملعب، للدرجة التى جعلته يشك فى تعمدهم للهزيمة بعدم تنفيذ تعليماته ومخالفتها بشكل صريح، لأنهم غير مقتنعين به حيث أسموه كما علم – سواء من داخل النادى أو خارجه – أن بعض اللاعبين يصفونه بـ«مدرس ألعاب» لا يمتلك أى فكر تدريبى أو خططى.

والحقيقة أنه لا يستطيع أحد إثبات وجود مؤامرة من اللاعبين ضد مبروك، أو سلفه الإسبانى جاريدو، ويمكن اعتبارها مجرد شكوك أو مبررات للفشل، فالفشل ظاهر فى جميع الأحوال بينما تبقى المؤامرة، مجرد كلام لا يستطيع صاحبه إثباته.

ومن مؤامرة مبروك إلى مؤامرة طاهر لا يختلف الأمر كثيراً، فرئيس مجلس إدارة الأهلى ألمح إلى وجود شبهة مؤامرة من أعضاء مجالس إدارة سابقين، يعملون ضد وجوده على رأس إدارة القلعة الحمراء ويسعون إلى إفشاله.

لكن هل سأل طاهر نفسه: هل هو رئيس نادى ناجح؟، هل نجح فى أن يملأ مقعد جلس عليه رموز كبار وصار واسعا عليه – حسب معارضى طاهر - برحيلهم بالوفاة أو ببند الـ8 سنوات؟.

الحقيقة.. وحتى كتابة هذه السطور، ورغم خسارة خمس بطولات فى موسم واحد، وخروج المارد الأحمر صفر اليدين فى موسم هو الأصعب فى كرة القدم المصرية، لا يعترف طاهر لمعارضيه أنه فشل، ويتمسك بمجلسه وبقدرته على تحقيق انتصارات، تعيد مجد القلعة الحمراء، وتنفض مجلسه من غبار الإخفاقات المتتالية، وهذا حق مشروع لمحمود طاهر ومجلسه.

2

طاهر.. ظالما ومظلوما!

كان بإمكان محمود طاهر الاستعانة بوزارة الداخلية لتفريق بعض أعضاء رابطة الألتراس الذين تجمعوا أمام النادى وهتفوا ضده وطالبوه بالرحيل، كان بإمكانه غلق أبواب النادى فى وجوههم فى اليوم التالى مباشرة عندما تجمعوا فى استاد مختار التتش معبرين عن غضبهم الكبير، وربما نصحه المقربون بفعل ذلك، لكنه قرر احتواء الأزمة بشجاعة.. ومواجهتها كمعركة، تحولت مع معارضيه من معركة معنوية.. إلى معركة واضحة على الأرض.

وقرر طاهر أخيرا الخروج من حالة البيات الإعلامى التى فرضها على نفسه على غرار رؤساء الأهلى وربما كـ«برستيج»، وترفع عن الظهور لرئيس نادى القرن، ليظهر أخيراً بمحض إرادته مع الإعلامية لميس الحديدى فى حلقة مطولة شاركها فى محاورته فى الجزء الأخير الناقدان الكبيران «حسن المستكاوى وفتحى سند»، قبل أن يظهر مساء الثلاثاء فى مفاجأة إعلامية مع الإعلامى الكبير «مدحت شلبى».

طاهر فى برنامجه حاول تصوير نفسه بأنه رئيس النادى المظلوم، وظهر مهزوزاً فى بداية اللقاء، لكن مع ختام الحلقة، استعاد الثقة نسبياً، وأوضّح بعض الحقائق التى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أزمة الأهلى لم تنحصر فى اختيار مدير فنى ليس على هوى الجمهور، لأنه فى الأساس لا يجب أن يتدخل الجمهور فى اختيار المدير الفنى للفريق.

ولم تكن الأزمة أيضا فى خسارة فريق الكرة لكل البطولات التى شارك بها، لأن معظم فرق العالم تتعرض لإخفاقات خاصة مع مرورها بمرحلة تغيير الجلد وضخ دماء جديدة للفريق، ورغم ذلك نجح الأهلى فى «العكننة» على الزمالك والفوز عليه فى بطولة الدورى بهدفين نظيفين، ولو فعلها فى الكأس لحصد البطولة من فم الأسد الأبيض.

المؤكد أن طاهر ليس مداناً فى تراجع نتائج فريق الكرة الذى يشرف عليه جهاز كامل، فليس دوره محاسبة حسام غالى على ركل الباب بقدمه وتوجيه السباب لزملائه، طالما لم يتقدم مدير الكرة بمذكرة عن الواقعة للمجلس، وليس من واجبه عقاب لاعب بصق على مدربه، لأن مدير الجهاز قال إنها طريقة اللاعب فى التعبير عن الفرحة، متغاضياً عن كون الأهلى نادى المبادئ والقيم، وليس دور طاهر– أيضاً - المطالبة برفع العقوبة عن لاعبين طلب الجهاز عقابهم.

الحقيقة المؤكدة أن الآلة الإعلامية الحمراء، تستطيع تحويل طاهر لأفضل رئيس ناد فى تاريخ الأهلى، وهى نفس الآلة التى تعمل حالياً على تشويهه، بدليل أن نادى الزمالك الذى كانت تبرز الآلة الإعلامية الحمراء أصغر مشاكله، وتحول المشكلة الصغيرة إلى أزمة كبيرة، صامتة على تألقه لا لشيء إلا لأن الهدف الحالى الذى تعمل على تصفيته وإضعافه وتزهيقه هو «رئيس الأهلى».

الأحداث تؤكد أن الأهلى تحول إلى مجموعة ذئاب تنهش فى بعضها، وتأكل بعضها، فى صراع تكسير عظام، عملاً بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، ومن هذا المنطلق يصبح محمود طاهر ظالماً ومظلوما.. ظالما لأنه أقال محمد يوسف وسيد عبد الحفيظ وهادى خشبة بشكل مهين، وتعاقد مع الإسبانى خوان كارلوس جاريدو وتحمل وزر اختياره بعد أن حصد المدرب فشلا تلو الآخر، ظالما لأنه راهن على علاء عبد الصادق الذى لم يحقق فى مشواره الإدارى سوى الفشل، ظالما لأن عهده شهد تسريباً لاجتماعات مجلس الإدارة.

ولمحمود طاهر إنجازات إنشائية وصفها معارضوه – الذين لم ينفذوا نصفها – بأنها عادية لمجلس « الكرسى والشمسية»، غير أنه دفع الجزء الأكبر من مديونيات النادى التى تسبب فيها المجلس السابق، وأصبح الأهلى النادى الوحيد الذى لا تطارده مصلحة الضرائب.

لكن من يسلطون الضوء على مشكلات طاهر وأزماته ويتصيدون أخطاءه، نسوا أو – ربما – تناسوا أنه لو كان هناك أخطاء فى فريق الكرة، فقد أصلحها طاهر بالفعل ودعم الفريق بصفقات من العيار الثقيل، مثل المهاجمين « ماليك إيفونا وجون أنطوى «، وهما إضافة فنية كبيرة، علاوة على « رامى ربيعة وأحمد حجازى»، اللذين يمثلان خط دفاع المنتخب المصرى بالمشاركة مع ظهيرى جنب الزمالك « حازم إمام»، ومحمد عبد الشافى « أهلى جدة»، وصالح جمعة وأحمد الشيخ ومحمد حمدى زكى.. وفى الطريق عمرو السولية.

إذن محمود طاهر يمكنه استدراك أخطائه الكروية، فبعد أن سيطر الزمالك على أهم صفقات الموسم الماضى، دعم الأهلى صفوفه بصفقات من العيار الثقيل ولم يبق له سوى مدير فنى.. وهو موضع الخلاف!.

3

جوزيه.. الحلم الضائع

فى أوقات الهزيمة، يسترجع الجميع نغمات النصر، وما أجمل النغمات التى عزفها الثعلب البرتغالى العجوز مانويل جوزيه، مع الأهلى، خاصة فى الفوز على الغريم التقليدى الزمالك، ولعل هزيمة «6/1» هى الباقية فى الذاكرة مع 20 بطولة حققها جوزيه مع الأهلى.

لذا طالب الجمهور بضرورة عودة المنقذ، كونه سيجارى خططيا – إن لم يتفوق – على الداهية البرتغالية الآخر البروفيسور جوزفالدو فيريرا المدير الفنى للزمالك الذى حقق معه بطولتى الدورى والكأس، لكن أحلام الجمهور اصطدمت بصخور الواقع، والواقع يقول إن المهندس محمود طاهر تعاقد مع جوزيه آخر، لكنه جوزيه بيسيرو صاحب السيرة الذاتية المتواضعة.

ولأن لطاهر سابقة فى اختيار جاريدو، وضع جمهور الأهلى يده على قلبه من اختياره لبيسيرو وإصراره عليه والدفاع عنه بمنتهى القوة، والحقيقة أن طاهر فى الأساس لا يدافع عن بيسيرو، ولكنه يدافع عن «اختياره»، وكان بإمكانه التعاقد مع مانويل جوزيه لمدة عام، يصحح فيه الأوضاع قبل أن يُحدث مرحلة انتقالية فى الفريق، لذا جانب طاهر الصواب مرتين، مرة فى الاختيار – وهو حكم مسبق – ومرة فى طريقة إعلان الخبر المزعج لجمهور الأهلى الذى ثار على مجلس إدارته.. معلنا أنه لن يتحمل هزائم جديدة وإخفاقات متكررة.

4

حرب الوكالات الإعلانية

بخروج وكالة الأهرام خاسرة من مزايدة النادى الأهلى للحصول على حق الرعاية، تحول محمود طاهر إلى مجرم فى حق الوكالة صاحبة الأيادى البيضاء على الأهلى إبان مجلس حسن حمدى.

فوقتها كان الأهلى مغريا عن غيره من الأندية خاصة الزمالك، لكون اللاعب يتعاقد مع الأهلى علاوة على توقيعه عقداً إعلانياً مع الوكالة، وهو ما انتهى تماما، لذا أصبح عدد غير قليل من اللاعبين يفضلون الانتقال للزمالك.

بخلاف أن وكالة الأهرام كانت تحصل على رعاية الأهلى بمبالغ تفوق الزمالك بأضعاف مضاعفة، ما فسره عشاق النادى الأبيض بأن وكالة الأهرام «حسن حمدى»، كان يفوز بالبطولات من خلال إضعاف المنافس، وعلى ذلك حصل الأهلى على خدمات محمد أبو تريكة بزيادة 100 ألف جنيه لم يستطع الزمالك تدبيرها، وكذلك محمد بركات، ومن ثم عقب تغير الأوضاع وخروج الوكالة من السيطرة على مقدرات الأمور المالية للناديين.. تفوق الزمالك.

5

تصحيح المسار

لمحمود طاهر ما له، وعليه ما عليه، وحسنا فعلت جماهير الأهلى التى خرجت ثائرة، فلولا ثورة الأهلى ما انتبه طاهر إلى أخطائه التى اعترف بها ضمنيا كونه بشرا يخطئ ويصيب، وما كان له أن يكتشف هذا الكم من عداوات أبناء النادى لشخصه، وتحولهم من أياد تضمد الجراح، لأياد تشعل الفتنة فى الأهلى الذى أصبح غير مستقر فى مشاهد غريبة على الرياضة المصرية.

وعلى جماهير الأهلى أن تعلم جيدا أن الحكم على مدير فنى بشكل مسبق، أمر محفوف بالمخاطر، فقد ينجح ويحقق ما حققه جوزيه فى ظل دعم مجلس الأهلى الحالى وتدعيم الفريق بصفقات من العيار الثقيل، وقد يفشل ويتحمل محمود طاهر وزر التعاقد معه والدفاع عنه حتى النفس الأخير.

الأمور ستستقر إذا تراجعت الأطراف كلها خطوة إلى الخلف، ليكونوا كأشخاص مجرد ظل فى شمس نادى القرن الذى قد يمرض لكنه لا يموت مادام وراءه جمهور يلعب دور البطولة فى «ثورة الأهلى».