رحلة مريض بـ"الفشل الكلوي".. تكشف عن مافيا الاتجار بـ"الأعضاء البشرية"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

 

حيرة واحتياج فرضهم عليه مرضه، فتجده دائماً ما يبحث عن أي وسيلة تساعده على الوصول للعلاج، حتى يستكمل حياته كأي شاب مثله في مقتبل عمره، بتحقيق طموحاته على المستويين الشخصي والعملي، سواء بالوظيفة، فترك عمله لانشغاله في مرضه، بالإضافة إلى استكمال نصف دينه بالزواج وتكوين أسرة كأي شاب في عمره.


"أ.ف" شاب في منتصف العقد الثاني من عُمره، اكتشف أنه مريض بـ"الفشل الكلوي"، وخصص وقته تاركًا عمله وكل أشغاله للبحث عن طريقة لعلاجه، فبدء منذ أشهر رحلة بحثه التي تعرض خلالها لكوارث كثيرة منها التعامل مع أطباء ومعامل تحاليل متخصصة في النصب على المرضى، بالإضافة إلى مُتبرعين وهميين، فضلا عن كشفه عن وجود شبكة متخصصة في تجارة الأعضاء البشرية على موقع التواصل "فيسبوك".

وعن بداية الرحلة أوضح "أ.ف" أن الطبيب عرض عليه حل من بين إثنتين، كان أحدهما بأن يقوم بإجراء غسيل للكُلى، وهو الأمر الذي استبعده نظراً لأنه يطلب منه أن يذهب للمستشفى ثلاثة أيام أسبوعيًا، أو البحث عن مُتبرع وهو الحل الذي قرر أن يلجأ إليه.

علامات استفهام 
البداية كانت مع توصية الطبيب له بالذهاب إلى معمل الدكتورة "م.ف"، بمحافظة الجيزة، لإجراء التحاليل ومن ثم يوفر له المكان مُتبرعاً، لافتاً إلى أنه أكد له أن هذا المكان هو الوحيد الُمُصرح له بتوفير مُتبرعين للكُلى على مستوى الجمهورية.
وأضاف "أ.ف"، أن معمل التحاليل له نظام مُعين في التعامل مع المرضى، حيث يطلب في البداية قبل أي إجراءات مبلغ خمسة آلاف جنيه يدفعها المريض لإجراء الفحوصات والتحاليل الخاصة به والمُتبرع، مضيفاً أيضًا أن المعمل طلب منه أن يقوم بنشر إعلان في جرائد "الأهرام، الجمهورية، المصري اليوم"، عن حاجته لمُتبرع للكلى، متسائلاً: "مش عارف ليه اختاروا الجرايد دي بالذات؟؟.. هل لسبب إن في اتفاق بينهم أو مصالح؟".
واستكمل بأنه ذهب إلى إحدى الجرائد الكبرى وطلب نشر إعلان كتب فيه أنه يحتاج إلى متبرع للكُلى مصري الجنسية، بالإضافة إلى عُمره ورقم هاتفه، فضلاً عن توضيح  فصيلة الدم المطلوبة، مشيرًا إلى أن المعمل طلب منه أن يرجع إليه فور وجود مُتبرع، متسائلاً عن دور المعمل لأن المريض هو من يقوم بالبحث عن المتبرع من خلال الإعلان وهو من يأتي به إلى المعمل، وأن دور المعمل فقط هو إجراء التحاليل، ومع ذلك يحصل على هذا المبلغ المبالغ فيه.
ونوه إلى أنه في حال عدم توافق المُتبرع مع حالته، يتم إعادة الأمر مرة أخرى بنفس المبلغ، بالإضافة إلى دفع مبلغ 15 ألف جنيه، مشيرًا إلى أن إجمالي المبلغ يصل إلى 20 ألف جنيه، حتى وإن لم يحصل على متبرع يتوافق مع حالته، وأنه أحضر للمعمل أربعة مُتبرعين، متابعاً: "المعمل بيأخد المبلغ دا مع إن التحاليل دي لو اتعملت في أي معمل برا مش ها تكلف أكتر من 5 آلاف جنية للمريض والمتبرع معا".
وتسائل عن المعمل قائلاً: "في استغلال وليه هو المعمل الوحيد اللي تابع لوزارة الصحة وليه تصريح يشتغل في الحاجات دي.. هل في حاجة بينه وبين السُلطة أو صاحبه ذو نفوذ.. بيستغلوا الناس في 20 ألف جنيه".


"الفيسبوك" والكشف عن شبكة للسماسرة 

واستكمالاً لرحلته وبعد فشله في الحصول على مُتبرع من خلال معمل التحاليل الذي اتهمه بالنصب، قام "أ.ف" بإنشاء حساب على موقع التواصل "فيسبوك"، بهدف البحث عن مُتبرع من خلال صفحات بيع الكُلى، التي وصفها بـ "بورصة لأسعار الكُلى".
وقال إن بعض الحالات التي عرضت عليه التبرع كان أغلبها إنسانية لمحتاجين أرادوا أن يخرجوا من أزماتهم الاقتصادية من خلال التبرع، مشيرًا إلى حالة لشاب عائد من ليبيا أرسل إليه رسالة بأنه سيتبرع له بكليته وأنه جاء من ليبيا هاربًا من الأحداث فيها وأنه سيبيع كليته من أجل سداد ديون سفره، بالإضافة إلى حالة طفل طلب أن يتبرع له حتى يساعد والده ووالدته.
وأضاف أن ثلاث من سماسرة بيع الكُلى، تواصلوا معه من خلال الـ"فيسبوك" ليوفروا له مُتبرع، موضحًا أن واحدًا منهم أرسل له رسالة تفيد بأنه سيوفر له المُتبرع وأن لديه عددًا كبيرًا من المتبرعين فصيلتهم تتطابق معه، مشيرًا إلى أنه أنشأ جروب لبيع الكُلى، وأن شروطه للبيع دفع مبلغ 50 ألف جنية دون أي مصاريف للتحاليل، وأنه يحصل عليها على جزئين الأول 10 آلاف والآخير 40 ألف يتم دفعهم في يوم إجراء العملية، قائلاً باستغراب شديد: "المبلغ خيالي بالنسبة للمبالغ اللي أعرفها وهو أقل كتير من المعروف".
وأشار إلى أنه "شك" في هذا السمسار، قائلاً: "تسائلت ليه يأخد مبلغ الـ 10 آلاف وهو في بيانات بياخدها.. وشكيت في كلامه لأنه بيتكلم في حكاية غير شرعية"، موضحًا أنه في حال قام هذا الرجل بالنصب عليه لا يستطيع أن يقدم بلاغ ضده خاصة وأن هذه الطريقة غير قانونية.
وأضاف "أ.ف"، أنه عرض على هذا السمسار أن يقوم بدفع المبلغ كاملاً بالإضافة إلى 10 آلف جنيه زيادة عليه ليصبح 60 ألف جنيه في يوم إجراء العملية، مشيرًا إلى أنه رفض هذا العرض نهائياً، مما يدل على أنه يسعى للحصول على المبلغ فقط، متابعًا، أن السمسار عرض عليه أن يخفض مبلغ الـ 10 آلاف حتى وصل به الحال أن يخفضه إلى ألفين جنية فقط يدفعهم له قبل العملية.
منوهًا أن هذا الموقف أكد له أنه يتعامل مع نصاب ومافيا سماسرة لتجارة الأعضاء، خاصة وأنه يحصل من أي مريض على أصل التحاليل الخاصة به الأمر الذي يعطيه فرصة ليُخزن عدد كبير من التحاليل والحالات، حتى إذا عرض عليه أي شخص نفس العرض يستطيع أن يعرض عليه ويؤكد عليه المساعدة من خلال تقديمه لهذه التحاليل ليثبت صدقه، ولكنه في الحقيقة يستعملها بهدف النصب على المرضى.
طبيب شهير.. ولكن

وبعد أن ترك "أ.ف" طريق التعامل مع السماسرة وصفحات "فيسبوك" التي تتعامل مع الأمر بطريقة الاستغلال والنصب من أجل آلافات الجنيهات، توجه إلى الطبيب مرة أخرى بعد أن اشتد عليه المرض، موضحًا أنه ذهب لعيادة طبيب شهير يدعى "م.ج" وعيادته كائنة في عمارة شهيرة بمنطقة رمسيس.
ووصف "أ.ف" العيادة، موضحًا أنها موجودة في عمارة كبيرة، من يراها للوهلة الأولى يتخيل أنها عبارة عن شركة استثمارية كبرى نظرًا لوجود عدد كبير من الموظفين بها، وأن العمل بها يبدأ من الساعة الـ 9 صباحاً حتى الـ9 مساءً، طوال أيام الأسبوع، مشيرًا إلى أن "الروشتة" مكتوب عليها أنه طبيب بالقصر العيني، متسائلاً: "أنا مش عارف هو أصلا تبع نقابة الأطباء ولا لاء؟".
وأضاف أنه حينما طلب حجز كشف بالعيادة موظف الحجز قال له أن موعد حضوره سيكون بعد شهرين نظرًا لوجود حالات تسبقه في الحجز، متابعاً أنه تحايل على هذا الأمر من خلال استغلال عمل والده في أحد الجهات السيادية الأمر الذي جعلهم يقدمون موعد الحجز.
أما عن الحالات الموجودة بالعيادة من المرضى ومنتظري دور الكشف، فتحدث عنهم "أ.ف"، واصفهم بـ"مأساة" كبيرة نظرًا لوجود عدد كبير من الحالات من جميع أنحاء الجمهورية وكل الطبقات، بالإضافة إلى حالات أخرى تنتمي إلى دول عربية شقيقة كـ"سوريا، وفلسطين".
واستكمل بأنه انتظر في العيادة من الساعة التاسعة صباحاً حتى الـ 6 مساءً ليدخل إلى الكشف داخل غرفة يجلس فيها الطبيب على مكتب وبجانبه إثنين من الموظفين، معبرًا عن استغرابه الشديد لتواجدهما، خاصة وأنهما يقومان بتدوين بعض البيانات فقط، مثل اسمه وعنوانه وعمله، وحتى موعدي نومه واستيقاظه.
وقال إنه أثناء دخوله إلى غرفة الكشف وجد الطبيب غاضبًا ويعنف الموظفين قائلاً: "مش بقولك لما المريض يطلع دخلي اللي وراه بسرعة"، مضيفًا أنه دخل ليجري الكشف وأنه استمر 5 دقائق فقط بعد أن استمر انتظاره لدوره 9 ساعات، وسعر الكشف 200 جنيه.
وعن كواليس الكشف، قال ساخراً: "الدكتور قالي إنت بتنام الساعة كام؟.. قولتله الساعة 10 .. قالي لاء عايزك تصلي العشاء وتنام"، مضيفًا أنه أثناء الكشف عليه أعطاه علاجات عبارة عن "حنة وطحالب"، الأمر الذي جعله يسخر بشده لأنه مريض بالكلى ويريد الطبيب أن يعالجه بالطحالب والحنة.
وأضاف، أن الطبيب قام بعمل "روشتة" له "مطبوعة" وجاهزة وليست مكتوبة بالقلم، وأنه طلب منه أن يذهب بها لغرفة أخرى، منفذاً ذلك ومتوجهاً للغرفة التي وجد بها 6 مكاتب وبها عدد كبير من الموظفين، لافتاً إلى أن دور هؤلاء الموظفين أن يقوموا بشرح الروشتة.
وتابع، أن الطبيب طلب منه إجراء بعض التحاليل والاشاعات، مشترطاً عليه أن يتم ذلك في نفس مكان عياداته، موضحًا أن عيادته تحوي أيضًا معامل تحاليا وأشعة، بالإضافة إلى صيدلية كبرى، مؤكدًا أنه يشترط على كل مريض أن يحصل على أدويته وتحاليله من عيادته، وأنه لا يستكمل العلاج إلا إذا تم تنفي ذلك.
نصب المُتبرعين
وبعد رحلة "سماسرة" الفيسبوك" والطبيب الشهير، عرض عليه أحد الأشخاص التبرع بكليته، وبعد اجتياز مرحلة التحاليل التي توافقت مع حالته، بالإضافة إلى الاتفاق على جميع التفاصيل المالية، وبدء الإجراءات المتعلقة بالعملية الجراحية، اختفى هذا الشاب، الذي حصل على مبلغ 10 آلاف جنيه، وبعد الوصول إليه، أوضح أن والده يرفض إجراء العملية.
وقال "أ.ف" إنه ذهب إلى والد الشاب ليتعرف على أسباب رفضه، خاصة وأنه اقترب من انتهاء الإجراءات المتعلقة بالعملية الجراحية، والذي أكد له أنهم أسرة ميسورة الحال، على عكس ما أكده ابنه، بالإضافة إلى أنه لا يعلم السبب الذي أدى إلى أن يقوم بذلك.
وأضاف أنه حينما أكد  لوالد الشاب أنه قام بالإمضاء على ايصالات الأمانة وحصل على مبلغ مالي، كان رده: "مليش دعوة.. معرفش حاجة.. لو عايزين تحبسوه احبسوه".
وهو الأمر الذي أدى إلى أن يفقد "أ.ف" الأمل في علاجه، مطالبًا الدولة بايجاد حل له، مشيرًا إلى أن الدستور يمنع التبرع بالأعضاء ولكنه يقبل "الهبه"، مؤكدًا أن ذلك هو السبب الحقيقي وراء ما حدث له خلال رحلته، والذي جعله يفعل ذلك في الخفاء لأنه يتعارض مع الدستور والقانون، متابعاً: "أنا هرجع وأقول العيب الأصلي مش في الناس دي إنما في البلد علشان المفروض الدولة هي اللي تراعي حاجات زي كدا"، مختتماً بـ: "الله أعلم بقى كام واحد اتنصب عليه قبل كدا من الناس وبعد كدا حصلهم ايه؟".