أحمد فايق يكتب: البداية «بوست» على الفيس بوك ونداء على راديو مصر والرئيس يستجيب

مقالات الرأي



# يلا - نكرمهم - ونوثق بطولاتهم

أبى الذى لايزال حتى الآن يستيقظ من النوم فى السادسة صباحا، ويأخذ حماماً بارداً، ثم يبدأ يومه، لايزال يقرأ الجمهورية منتظرا أخبار المنحة أو العلاوة الجديدة، مازال يتابع التليفزيون المصرى ونشرات الأخبار منتظرا أخبارا جديدة تخص الموظفين على المعاش، ينتبه جيدا حينما يشاهد البدرى فرغلى وهو يتحدث فى التليفزيون أو الصحافة، ويغضب قائلا لماذا نهبوا أموال المعاشات.. الراجل ده بإيديه يحرك البلد كله إحنا مش قليلين، مازال يختلف معى سياسيا حتى الآن، فهو رافض كبير لأى شكل من أشكال التغيير، رفض ثورة 25 يناير وتعاطف معها فى موقعة الجمل، كان يقول يوم 25 يناير دول شوية شباب فاضية وقال وهو متمدد على الكنبة شاعرا بالقلق يسقط حسنى مبارك يوم جمعة الغضب لأن أختى كانت فى الشارع تتظاهر.

كان سعيدا بـ30 يونيو متحمسا له، لكنه كان خائفا من حرب أهلية، انتخب أحمد شفيق فى الانتخابات الرئاسية الأولى وأنا اخترت المقاطعة، وفى الانتخابات الثانية اختار عبدالفتاح السيسى، هو من جيل يؤمن بأن مصر لا يصلح لقيادتها سوى رجل عسكرى.

فى لحظة لا تتكرر كثيرا تحدث معى والدى عن السنوات الأصعب فى حياته، هو فى قمة سعادته لأن سنوات الخدمة فى الجيش تم حسابها له مضاعفة فى عمله بالشئون القانونية لشركة سيناء للمنجنيز، فقد خدم فى الجيش منذ عام 1965 وحتى 1973، قال لى الحمد لله كانوا يعطوننا 6 جنيهات فى الشهر وكنت أرسل جزءاً من المبلغ لجدك..

والدى مثل جيله قناعاته مستفزة، لقد فعل كل شىء فى حياته دون أن ينتظر جائزة من أحد، لقد كان له تعبير شائع فيه خيال كل صناع الأفلام وهو يا ابنى فى الحرب زرت مستشفى ورجلى كانا بتخوط فى الدم فالحرب ليست فقط مشهداً جميلاً لماجدة الصباحى فى مستشفى ترتدى ملابس نظيفة وتضع ماكياجاً كاملاً، الحرب دم وضريبة دفعها جيل من المقاتلين الشرفاء، مثلهم يجب أن نقبل أقدامهم لأننا بفضلهم نعيش، لم ينتظروا منا شيئا ولن ينتظروا، لذا فكرنا فى تكريمهم شعبيا، تحدثت وقتها مع زميلى الإعلامى المحترم محمود الفقى وصديقتى الاعلامية نيرمين البنبى طلبت منهما أن نطلق مبادرة لتكريم أبطال حرب أكتوبر شعبيا، وتوثيق بطولاتهم، تحمسا بشدة وأطلقت المبادرة فى راديو مصر، قبلها تحدثت مع زميلى الكاتب الصحفى سامى عبد الراضى، الذى تدخل بقوة وشهامة الصعايدة مؤكدا دعمه للموضوع.

فى راديو مصر لم تتوقف ردود الفعل، هناك أبطال من الحرب اكتشفناهم واكتشفوا أن هناك جيلا من الشباب يحبهم، كنا نبكى وراء دموعهم، والذى أذهلنى هو اكتشاف أسماء جديدة فهذا هو البطل محمد طه صاحب علامة النصر الشهيرة وهم ينصبون كوبرى لنقل المدرعات إلى الضفة الأخرى من القناة، وهذا الرجل العظيم الذى اتصل بنا متمنيا من الله أن يقابل أحد أفراد الكتيبة التى ينتمى إليها.

اللافت أكثر هو حالة الفخر التى شعر بها أبناؤهم، فرأيت شبابا يكتبون هذا أبى بطل من أبطال أكتوبر وأنا فخور بهذا، مئات من الرسائل التى لم تتوقف، تلقاها الشاب المجتهد محمد أمير الطالب بكلية الحاسبات والمعلومات والذى تبرع بجمع المعلومات كلها، كما تبرع معنا زميلى كريم وزيرى بالوقت والمجهود، تبرع معنا الزميل أحمد زايد مؤسس المجموعة 73 مؤرخين وانضم إلى المكتب التنفيذى للمبادرة، انضم إلينا أيضا الكاتب الصحفى رامى جلال الذى يشعر بالفخر لأن والده الكاتب الراحل جلال عامر كان أحد أبطال النصر.

لقد شعرنا بالصدمة حينما تواصل معنا الأديب النوبى الكبير حجاج أدول، قال إنه شارك فى الحرب واسمه حجاج أدول، ماهذا التواضع العظيم من هذا الرجل؟

تحدث معنا كمقاتل ومحارب سابق ولم يشر إلى نفسه كشخصية عامة ورمز كبير على أرض الوطن، تحدثت معنا فتاة عن والدها الذى كان مريضا وحينما سمع بأمر مبادرة التكريم عاد 40 عاما إلى الوراء، طلبت منا ألا نخذله حتى لا ينتكس مرة أخرى فليس لديها أحد فى الدنيا غيره.

قابلت اللواء محسن عبدالنبى مدير إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، قال إنه متحمس للمبادرة، وإدارة الشئون المعنوية ترعى هذا العمل العظيم، كلمة خرجت من رجل عسكرى يعرف قيمة تكريم مقاتل سابق فى حرب.

قال لى اللواء محسن هذا الجيل لم ينتظر شيئا من أحد، وهم قدموا لمصر كل شىء، نحن نقيم احتفالات بحرب أكتوبر كل عام، هذه المرة الموضوع له طعم مختلف لأن التكريم شعبى وقادم من الشباب.

لا أحد ينكر أن هناك صراع أجيال فى مصر، هناك جيل من الشباب يريد أن يحصل على فرصته بعد ثلاثين عاما من السكون وعدم الحركة، هناك ثلاثة أجيال فى مصر الفارق بينهم يساوى مئات السنوات الضوئية، جيل الكبار الذين عاشوا قيماً مختلفة وذاقوا مرارة الحروب وذاقوا الانتصار والانكسار، وجيلى وهو جيل الوسط الذى عاش بين كمبيوتر صخر ولـ آى باد، وجيل الشباب المتمرد والحالم.

الأجيال الثلاثة تبحث عن نقاط إختلافها، ولا تقترب من بعضها البعض، الشباب يرون جيل الكبار خانع ومحتكر للسلطة ولا يريد أن يسمح لجيل آخر بالصعود، والكبار يرون فى الشباب التمرد وتجاوز الأدب وعدم الفهم والرغبة فى الوصول السريع دون بذل أى مجهود، لم تتفق هذه الأجيال سوى فى لحظات قليلة، تلك اللحظات التى يشعر فيها المصريون بشىء كبير يهدد الوطن، لقد اتحدوا فى ميدان التحرير فى 25 يناير، واتحدوا فى 30 يونيو، اتحدوا حينما أعلنت إسرائيل أنها تجهز لاحتفالات بمناسبة انتصارهم علينا فى حرب أكتوبر..!

شعروا بأن التاريخ يسرق، منهم هذا الخطر ظهر منذ سنوات، فقناة مثل الجزيرة كانت دائما تعرض مجموعة أفلام تسجيلية طوال السنوات العشر الأخيرة بمناسبة نكسة 67 ونصر 73، فى النكسة تتحدث الجزيرة عن هزيمة مصر والصراعات الداخلية فى الحكم، وفى ذكرى نصر أكتوبر تتحدث فقط عن الثغرة وتجرى مناظرات بين طرفين أحدهما يقول: إن مصر انتصرت والطرف الآخر يقول إن مصر هزمت، لقد كانوا يسعون لتغيير الصورة الذهنية عن نصر أكتوبر منذ سنوات، حتى تخدع الأجيال الجديدة.

حدث هذا وسط نظام مباركى لا يرى فى أكتوبر إلا محمد حسنى مبارك، ولا يرى فى نصرها سوى الضربة الجوية فقط، وهذا سهل الأمر على كل خبراء الإعلام والعلاقات العامة الصهاينة الذين يسعون لتزييف التاريخ، فحينما تشن الجزيرة حملة ضد رئيس فاشل مثل مبارك فى إطار احتفالات أكتوبر، يستطيع أن يقبلها الكثير من المصريين، وهذا هو السم الذى يبث فى العسل.

حينما شعر هؤلاء بالخوف من تزييف التاريخ وجدنا آلاف الرسائل التى من نوعية والدى بطل عظيم من أبطال حرب أكتوبر وأنا فخور به لقد شارك عمى فى حرب أكتوبر أنا بحبه قوى عمى بطل.

بعد عدة أسابيع اكتشفنا أن من تبقى على قيد الحياة من جيل النصر أعداد قليلة لا تتجاوز المئات، لقد قارب هذا الجيل على النفاد ونحن نحتاج إلى توثيق بطولاتهم الآن وليس غدا، فلن نجد أحداً بعد ذلك يقف أمام الأكاذيب الإسرائيلية.

أثناء خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة نصر أكتوبر فى الكلية الحربية فوجئنا بأن الرئيس يعرف كل شىء عما نفعله، وأشار إلى المبادرة بشكل صريح، وقال: إنه يجب أن يتم تكريم كل أبطال نصر أكتوبر مؤكدا دعمه لجهود التوثيق، كانت مفاجأة رائعة بالنسبة لنا، حينما يتحدث رئيس الجمهورية عن مبادرة بدأت ببوست على الفيس بوك، وانتشرت بين ملايين المصريين.

أشكر الرئيس على هذا الكرم، طالبا منه أن يصدر قرارات بمزايا لا تورث لهؤلاء الأبطال، مزايا لن تشكل عبئاً كبيراً على موازنة الدولة، لكن فيها رسالة لكل من يقاتل على الجبهة الآن، أنتظر قرارا بإعفائهم من الضرائب والرسوم ومعاش استثنائى وإعفاء من الطوابير فى المصالح الحكومية، فليس من الطبيعى أن يقف معى بطل من أبطال أكتوبر طابورا فى مصلحة الأحوال المدنية مثلا، سيادة الرئيس نحن الآن فى انتظار التكريم الكبير وفى انتظار قرارات لهؤلاء الأبطال مثلما يحدث فى كل بلاد العالم.