عادل حمودة يكتب: السيسى يقود انقلاب «ميسترال» فى الشرق الأوسط
■ حاملات الطائرات المصرية ستكون فى موقع العمليات قبل وقوعها بل إن وجودها المسبق سيكون دليلا على حدوثها
ما يحدث فى المنطقة العربية من تغييرات حادة غير متوقعة يوصف فى دوائر المخابرات الغربية بنظرية «بوسى كات بوليسى».. أو «سياسة وضع كرة صوف بين مخالب قط كبير».. كلما حاول أحد أن يفك خيوطها ضربها القط الكبير بيده.. فتتشابك مرة أخرى.
النظرية تحدث عنها فى مذكراته آلن دالاس الأب الروحى لوكالة المخابرات المركزية.. وتوقف عندها فى كتابه الأخير هنرى كيسنجر الوزير الأكثر تأثيرا فى السياسة الخارجية الأمريكية. والقط الكبير ليس قطا عاديا.. يحمل اسما واحدا.. أو جنسية واحدة.. ولكنه.. قط متعدد الأسماء.. متعدد الجنسيات.
مرة ينزل مطار دمشق بجواز سفر إيرانى.. ومرة يتسلل إلى سيناء بكوفية فلسطينية.. ومرة يحفر اسمه على مسجد فى العراق بخنجر ملوث بدماء بشرية.. ومرة يرتدى قبعة الكاوبوى الأمريكى دون أن ينسى وشم جبهته بنجمة داود.. ومرة يتآمر على راجمى الشيطان فى منى ليسحب الثقة فى حماية رموز الإسلام من حكام الرياض.
وسواء كان القط عربيا أم أفرنجيا فإن الحق ليس عليه.. وإنما على الذى فتح له الباب.. وأجلسه على مائدة الطعام.. وقدم له لحما وجبنا وفراشا. لكن.. الميزة الوحيدة للقط أنه أثار فينا الفزع إلى حد التوحد.. فنحن العرب لا نتفق إلا فى الكوارث.. ولا نلتقى إلا فى المآتم.. ولا نتعادل إلا تحت تراب المقابر.. ولا نتسامح إلا عند الموت.
إننا منذ وفاة النبى محمد لم نعرف كيف نجلس معا على السجادة العربية.. ولم نعرف كيف نحافظ عليها ميراثا مشتركا يجمعنا معا.
كل نظام عربى سحب السجادة نحوه.. ليتمدد عليها وحده.. ولو أضرم أحد النار فيها من جانبه سارع الآخرون من نواحيهم بسكب البنزين ليزيد الحريق اشتعالا.
المناسبة الوحيدة التى تحافظ عليها النظم العربية يجسدها اللقاء السنوى لوزراء داخليتها الذى يعقد عادة فى تونس.. لا أحد يتخلف عنه.. لا أحد يهمل قراراته.. إنها ثقافة المصائب التى تجبرنا على التضامن أمنيا.
لكن.. الحرائق التى اشتعلت على امتداد الخريطة التى نسكنها من محيط صامت إلى خليج قلق تجاوزت قدرات وزراء الداخلية.. واستدعى للمشهد وزراء الدفاع.. خاصة أننا لم نعد نعرف بدقة هل نواجه تنظيمات أم نحارب حكومات؟.
أكثر من ذلك.. سحبت الولايات المتحدة نفسها من المنطقة.. ونقلت مراكزها الدفاعية إلى جنوب شرقى آسيا.. فى اتجاه الصين.. متخلية عن أصدقائها القدامى فى الخليج بعد أن مصت شرايين نفطهم.. وتركتهم وحدهم يواجهون إيران فى الخارج ويواجهون القاعدة وداعش والنصرة وبيت المقدس والإخوان فى الداخل.. فمن لم يمت بأمر الخومينى مات بفتوى من حسن البنا.
وبدا الحديث صارخا عن القوة الذاتية العربية المشتركة.. أخذ طابعا جديا لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل سبعين سنة.. وتشكلت على الأرض تحالفات عسكرية سريعة لمواجهة الأخطار تجسدت فى حرب اليمن الأخيرة.. وجرى سباق محموم نحو ماكينات القتال.. وفتحت بازارات السلاح الفرنسية والروسية والصينية وقبلها الأمريكية أبوابها لتستقبل أشد الزبائن كرما.
حسب تقرير بيتر ويزمان كبير الباحثين فى معهد أبحاث السلام الدولى (سيبرى) فى ستكهولم فإن مشتروات دول الخليج (الست) من الأسلحة ارتفعت 70% فى السنوات الخمس الأخيرة.
ودخلت مصر السباق بجرأة تتجاوز قدراتها المالية معتمدة على تسهيلات فى الدفع غالبا.. وتمويل وضمان من السعودية والإمارات أحيانا.
طائرات بعيدة المدى من فرنسا.. أنظمة دفاع جوى من روسيا.. سفن حربية من ألمانيا.. وغيرها.
وآخر ما نشر.. صورة لرئيس الأركان الفريق محمود حجازى وهو يستخدم سلاحا بريطانيا يستخدم ضد الإرهاب.. بما يعنى صفقة جديدة تسبق زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى القريبة إلى لندن.. ومن جانبها.. ردت الدوائر الأمنية هناك الجميل بهجوم غير متوقع على الإخوان.. تمهيدا لتقرير منتظر فى نهاية العام يطرحهم أرضا.
لكن.. مفاجأة البازارات كانت شراء حاملتى طائرات.. طراز ميسترال.. كانت فرنسا جهزتهما لروسيا.. وقبضت ثمنهما.. وجمدت الصفقة بسبب ما جرى وغضب أوروبا مما جرى فى أوكرانيا.
وحاملات الطائرات قواعد بحرية وجوية متنقلة.. ترسو بالقرب من مناطق العمليات.. وتمتلك الولايات المتحدة العدد الأكبر منها ( 67 سفينة منها 11 فى الخدمة) بعدها بريطانيا (45 سفينة منها سفينتان فى الخدمة) وسجلت الجزائر السبق فى الحصول عليها وإن لم تستخدمها.
ومؤخرا سحبت واشنطن حاملة الطائرات «روزفلت» من المنطقة بدعوى خفض النفقات وإن وعدت بإرسال حاملة الطائرات «ترومان» مكانها فى الربيع القادم.
وأغلب الظن أن الفراغ الاستراتيجى الذى سببه رحيل «روزفلت» شجع مصر على شراء «ميسترال الـ 9013 ».
حسب ما نشر فى يوم الأربعاء 23 سبتمبر الجارى فإن رئيسى مصر وفرنسا توصلا فى مكالمة هاتفية إلى اتفاقية «مبادئ وشروط» الصفقة بعد أكثر من تقرير رفع إليهما بعد زيارات ومباحثات لجنرالات من الجانبين. وتبلغ قيمة الصفقة 1260 مليون يورو.. أعادت فرنسا لروسيا ما حصلت عليه من تحت حساب الثمن.. مبلغ 893 مليون يورو.. سعر سفينة واحدة.. ومن جانبها وافقت موسكو على البديل المصرى.. بل.. تعهدت بتقديم تسهيلات بنكية إذا ما احتاجت القاهرة. وإحدى الحاملتين تسمح بوضع سرب من 16 طائرة هليكوبتر على متنها ستشترى مصر منها طراز كى 52 الروسية وربما لهذا السبب لم تعترض روسيا.
كما أنها تسنح بحمل 450 جنديا وإعاشتهم لمدة ستة شهور أو 700 جندى لمدة ثلاثة شهور.. بحد أقصى 900 جندي.. يخدمهم مستشفى ميدانى متكامل به 30 غرفة و69 سريراً ومساحته 750 مترا مربعا.. بجانب جراج للطائرات مساحته 1800 متر مربع وآخر للمدرعات من طابقين مساحته 355 مترا مربعا.
ومجهزة لنقل 110 مدرعات فى حالة عدم وجود مدرعات على سطحها.. يمكنها نقل مدرعات ودبابات برمائية وبها مخازن لوضع أسلحة متنوعة.
ورغم امتلاكها قدرات هائلة على التشويش ومنظومة دفاع جوى ورشاشات عيار 30 ملليمتر فإنها أضعف من أن تحمى نفسها فى كثير من الأحيان.
ولو كانت مصر تملك مثل هذه الحاملة لسهل عليها مشاركة أكثر كثافة فى حرب اليمن ولو تمت الصفقة فإن الحاملة الأولى التى ستحصل عليها مصر ستتجه مباشرة إلى منطقة عمليات باب المندب وربما تشارك فى عمليات بحرية لحماية الجزر الإماراتية.
وستتجه الحاملة الأخرى إلى البحر المتوسط لحماية حقول الغاز الطبيعى المكتشفة هناك.. خاصة أن مصر باعتراف رئيس الحكومة شريف إسماعيل عندما كان وزيرا للبترول لا توفر الحماية الكافية لآبارها وحقولها. وحسب تقديرات الخبراء فإن تقديرات تكاليف الحماية لا تقل عن خمسة فى المائة من إنتاح البئر أو الحقل.. ولو كانت قيمة حقل الغاز الذى اكتشف مؤخرا لن تقل عن 45 مليار دولار فإن ما يجب رصده لحمايته لا يقل عن مليارن ونصف المليار دولار. إن حاملات الطائرات انقلاب استراتيجى مؤثر فى خطط الدفاع العربية.. فشعارها لن يكون: «مسافة السكة» وإنما سيكون «فى غمضة عين».. لسبب بسيط أنها ستكون فى موقع العمليات قبل اشتعالها.. بل إن وجودها المسبق سيكون دليلا على حدوثها.