د. رشا سمير تكتب: عندما تُصبح الفهلوة.. أسلوب حياة!
سألتنى صديقة: « لماذا كنا من أكثر شعوب العالم تقدما ورقيا فى الماضى وأين نحن الآن؟ فلماذا تقهقرنا وتقدم الآخرون؟!».
قلت دون أن أفكر: «الأخلاق»..
وبعد تفكير قليل أضفت: «التعليم.. التقويم.. التربية.. الضمير».
فى طريقى للمنزل.. سرحت فى سؤالها.. وفجأة قفزت الإجابة الصحيحة إلى ذهنى..
الفهلوة.. نعم.. إنها الفهلوة الأخلاقية والمهنية والإنسانية والعقلية والفنية.. كيف؟!..
الشعب المصرى شعب تعود الفهلوة واحترفها حتى أصبحت أسلوب حياة..
المنطقى فى كل دول العالم أن يعمل الإنسان ليترقى وينجح ولكن فى مصر يقرر الموظف الصغير منذ أن يضع قدميه فى المؤسسة، أن يستخدم كل أساليب الفهلوة لينجح.. كل الأساليب إلا العمل!..
فهو يتقرب إلى مديره.. ويعمل جاهدا للدخول فى تفاصيل حياته.. ويتقرب إلى أولاده ويحفظ تاريخ ميلاد زوجته.. وقد يحمل له الحقيبة إذا اقتضى الأمر أو لم يقتض!..
ثم يبيع زملاءه بوشاية صريحة أو توصيل معلومة قيلت من وراء ظهره (من باب فعل الخير)!..
وقد لا يطيقه ولكنه يقف على باب حجرته عقب عودته من الإجازة الذى استراح فيها منه، ويقول له بابتسامة عريضة: أهلا.. أهلا.. أهلا.. الشركة كانت مضلمة!..
عندما يغلط المدير يصفق له ويؤيده.. وعندما يقوم بعمل عادى جدا يلاحقه بالثناء والتهليل (وسموك أبوالخير ليه يا أستاذ أبو الخير.. من أعماله يا فندم من أعماله!)..
هذا هو الأستاذ أبو الخير موظف الحكومة الذى يقرر أن صعود السُلم لن يكون إلا بالتملق والطبطبة والتهليل..
ومصر هى البلد الوحيد الذى تكسرت فيه كل قواعد الدورات التدريبية (كيف تصبح مديرا ناجحا؟) و(كيف تصنع موظفا كفئا؟) لأن الطريق الوحيد هو: «الفهلوة»
إنها.. الفهلوة الوظيفية..
ويقرر أحمد عز أن يدخل الانتخابات.. فترفضه القوى الشعبية.. ويصر على تحدى الجميع واستكمال الطريق وإعادة الترشح.. فيرفضه القضاء.. فيرتدى قناع الفهلوة.. ويطل علينا بوجهه فى الفضائيات متحدثا مبررا متحديا.. إنها ليست مرحلة انعدام ضمير ولا إصرار على الخطأ ولكنها ببساطة.. مرحلة الفهلوة السياسية..
عندما يقرر السبكى أن يدفع بجيل كامل إلى الهاوية، ويقوم بعمل توليفة لا أنزل الله بها من سلطان.. تبدأ بفنان له تاريخ يقرر محوه وراقصة درجة تالتة تبحث عن الشهرة ومجموعة إيفيهات خارجة وأغنية هابطة وجمهور يملأ السينمات بكثافة حتى يحقق أعلى إيرادات.
المحطات الفضائية تهاجم السبكى.. وأولياء الأمور تطالب برأسه.. والمثقفون يرونه ظاهرة تستحق الإبادة.. والدولة تراه وباء أحنى ظهر المجتمع.. ولكن حين يتدخل رئيس الوزراء لمنع عرض الفيلم.. تقوم الدنيا ويشن الفنانون والسياسيون حملات لمنع تدخل رئيس الوزراء فى حرية الرأى!.. إنها شيزوفرانيا مجتمعية دون شك!..
ولذا ستستمر ظاهرة السبكى للأبد.. وسيتربع كل عيد على قمة إيرادات السينما المصرية ولو كره الحاقدون.. لأنها ببساطة.. الفهلوة الفنية!.
فى الآونة الأخيرة ظهرت وظيفة جديدة فى مصر اسمها.. Fashionista.
وهى وظيفة فى الدول الأوروبية تطلب شهادة ودراسة وفى الأغلب سيرة ذاتية حافلة بالعمل فى مجالات مشابهة.. أما فى مصر.. فالأشياء كالعادة لها وضع مختلف!..
فالفاشونيستا مجموعة من الفتيات اللاتى فشلن فى دراستهن أو فشلن فى اختيار مهنة مناسبة فقررن أن يعيشن فى جلباب أوروبا دون فهم أصل الموضوع..
مجرد وجودهن فى الصورة مرتديات الماركات العالمية والتقاليع الغريبة هو كل ما يفعلنه (طب والله بيتعبوا)! والصور طبعا لها ثمن.. وفجأة تتحول المهنة إلى ظاهرة.. وتتحول الظاهرة إلى تطلع أغلب الشباب.. فلم تعد مهنة الطب والهندسة والإعلام هى الحُلم.. لقد اختلف الحُلم باختلاف الزمن وتحول الفشل إلى تطلع..
هكذا تخلت الأجيال الصغيرة عن أحلامها.. وهكذا وفى خضم وجود مجموعة كبيرة من الشباب المثقف الذى يعمل جاهدا لرقى مجتمعه ولبناء نفسه.. تأتى ظاهرة الفاشونيستا لتأخذنا إلى حالة أخرى من الفهلوة المؤسفة.. وهى الفهلوة الاجتماعية..
هكذا وصلت أخيرا إلى رد على سؤال صديقتى..
سيدتى.. التردى الذى وصلنا إليه اليوم هو حالة من الفهلوة المُسيطرة على المجتمع.. المجتمع الذى تنصل من قيمه وصبغته وعقائده.. فأفقدنا هوية الكفاح والاحترام والعمل والمثابرة.. وأخذنا إلى نظريات: اللى تغلب به العب به.. واللى ماتعوزش حاجة من وشه بكره تحتاج لقفاه.. وعلشان نعلى ونعلى لازم نطاطى نطاطى.. واللى مالوش خير فى صافيناز مالوش خير فى مصر.. وبس خلاص..