عبد الحفيظ سعد يكتب: ساويرس والبدوى يشتريان مجلس النواب القادم بالدورى العام
لعبة كرة القدم والسياسة على طريقة بيرلسكونى والمشير
صفقة لا تزيد على 215 مليون جنيه لتدمير «ماسبيرو» وخمس فضائيات على طريقة احتكار «الجزيرة»
لا يكف نجيب ساويرس عن اللعب، واستخدام كل الأوراق والحيل فى أن يتواجد على قمة السلطة، فلم تعد المليارات كافية، لتحقيق تصوره الوهمى عن نفسه، بعد أن أصابه هوس بأنه بالمليارات التى يديرها، يستطيع أن يشترى كل شيء، ففى إحدى المرات، يدفع بقنوات فضائية وصحف، ليحولها لأقلام تكتب، وأبواق تنطق، بما يمليه عليهم رجلهم الذى يدفع.. وفى مرة أخرى، صدق ساويرس نفسه بأنه رجل سياسة، فشمر عن ساعده وراح يتقمص دور الزعيم السياسى، شرع فى تكوين حزب.. دفع لشراء كوادر سياسية، بل سعى عبر مظلة هذا الحزب أن يجند مرشحين له وأغدق عليهم الملايين، ليدخلوا البرلمان ليكونوا داعماً سياسيا لوجوده فى تحقيق «الوهم» الذى تلبسه أن يكون رئيسا للوزراء.
لذلك لا عجب أن يتحول ساويرس إلى مجال آخر، بهدف بناء جماهيرية له، بعد أن وجد صعوبة أن يتحول لزعيم سياسى عبر الانتخابات، فهو بلا خلفية سياسية أو يمتلك كاريزما تقنع الجماهير بالحشد خلفه، ولم تنجح أمواله حتى الآن فى إمكانيته تنفيذ حلمه، بعد أن ابتعد العديد من الكوادر التى أغراها بالمال فى البداية للانضمام لحزبه، لتترك الحزب مع بداية عجلة العملية الانتخابية لتخوضها بعيداً عنه، كمستقلين أو تنضم لأحزاب أخرى.
ومن هنا اختار ساويرس مجالاً جديداً -كرة القدم- معشوقة الجماهير، اللعبة الأكثر شعبية وحضورا فى العالم، هذه المرة عبر احتكار ساويرس حق بث مباريات الدورى المصرى لكرة القدم، بعد أن باعت شركة «بريزنتيشن» الحاصلة على معظم حقوق بث مباريات أندية الدورى الممتاز، لساويرس الذى بدوره احتكر بث المباريات على قناتى TEN المملوكة لساويرس والحياة وصاحبها السيد البدوى، فى صفقة بيع بث مباريات الدورى التى سيعلن عن تفاصيلها الأربعاء والجريدة ماثلة للطبع، بينما تكشف الكواليس أن قيمتها ستصل إلى 215 مليون جنيه، من المقرر أن يدفعها ساويرس للشركة عبر إيهاب طلعت صاحب شركة بروموميديا، التى يتخذها ساويرس كغطاء إعلامى وإعلانى لتحركاته فى سوق الإعلام وأخيرا الرياضة.
دخول أموال ساويرس فى ملعب كرة القدم، باحتكار بث الدورى، لا يقتصر على مجرد السيطرة على سوق المشاهدة الرياضية المصرية، بل يتعدى ذلك بالتحكم فى الإعلام ككل، من خلال استخدامها ورقة ضغط ضد القنوات المنافسة له، سواء المملوكة للدولة فى ماسبيرو وعلى رأسها قناة النيل للرياضة، أو خمس قنوات خاصة مثل «النهار أو سى بى سى»، بحرمانها من بث القنوات أو حتى استخدام أجزاء من المباريات فى البرامج الرياضية لهذه القنوات والتى تشكل 70% من نسبة مشاهدة المصريين، وهى ورقة يسعى لاستغلالها سياسياً وإعلاميا، بوضع حدود لهذه القنوات فى انتقاد أداء البرلمان القادم، خاصة نواب حزب المصريين الأحرار الخاص بساويرس، بالضغط على هذه القنوات، بمنع إذاعتهم المباريات فى حالة الهجوم على نواب ساويرس.
كما تكشف عملية الاحتكار من قبل ساويرس، عن تحول آخر فى تطلعات الرجل، ودأبه أن يتحول لصاحب نفوذ وجماهير بأمواله، ويذكرنا بذلك بلعبة قديمة تتكرر ويعيدها بقوة ما يحدث الآن فى الساحة السياسية من تداخل هجين بين الرياضة والسياسة سواء باستغلال السياسيين وأصحاب الأموال، نفوذهم من أجل السيطرة على أندية رياضية كبرى ونيل دعم جماهيرها أو من خلال استغلال شعبية كرة القدم وشهرة نجومها وعشق الجماهير الرياضية لهم من أجل الحصول على شعبية، لتتحول لمعترك الحياة السياسية والفوز بمقاعد انتخابية عبر استغلال الرياضة المحبوبة، التى تتبعها الجماهير بكثافة إلى حد التعصب واستعمال العنف فى بعض الأحيان أصبحت فى وعى البعض أداة جيدة يتم استعمالها من أجل التنافس السياسى.
ويمكن التأكيد لاستخدام رجال أعمال وقادة، الرياضة وتحديدا كرة القدم كمنابر دعائية وتناسوا رسالتهم الرياضية النبيلة، نشير هنا إلى مثال شهير فى العالم وهو سيلفيو بيرلسكونى رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، الذى تمكن من الصعود السياسى بعد أن اشترى بملايينه أحد أكبر الأندية الإيطالية «ميلان» واختير رئيس اتحاد الكرة، فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، وهو ما مهد له فيما بعد، أن يحصل حزبه على الأكثرية فى الانتخابات الإيطالية ويشكل بيرلسكونى الحكومة، بعد أن تمكن بفضل امتلاكه النادى الرياضى العريق، بالإضافة للصحف والمحطات التليفزيونية من الوصول إلى منصب رئيس وزراء إيطاليا، متجاوزاً بذلك ما أثير حوله أمواله وتصرفاته من علامات استفهام.
لنجد أن ساويرس يعمل بطريقة مشابهة للعبة بيرلسكونىالشهيرة، وهو صديق مقرب من ساويرس، ويشكلان مع رجل الأعمال التونسى رشيد بن عمار، ثلاثياً يعمل فى مجال وشركات متبادلة ودوائر تأثير مختلفة، تهدف إلى رعاية بيزنسهم بشبكات من المصالح السياسية والإعلام ووصولا لكرة القدم.
ولعبة استخدام كرة القدم سياسيا قديمة فى مصر، دخلها المشير عبدالحكيم عامر، عندما كان وزير الحربية، حرص المشير فى الستينيات، أن يحصل على منصب رئيس اتحاد الكرة، بينما كان شقيقه حسن عامر رئيس نادى الزمالك فى حينها، وكان عامر يسعى لزيادة شعبيته باستخدام كرة القدم، لمواجهة الشعبية والجماهيرية التى كان يحظى بهما عبدالناصر، بعد أن اشتعلت المنافسة المكتومة بينهما فى حينها.
ونجد أن المشير حسين طنطاوى عقب ثورة 25 يناير، وبعد حالة الانفلات الأمنى، يصدر قراراُ باستئناف لعب الدورى، رغم المخاطر الأمنية فى حينها، لكنه خشى أن يتخذ قرارا بإيقاف الدورى، ما يتسبب فى انخفاض شعبيته، والمجلس العسكرى، بعد استلامهم الحكم عقب تنحى مبارك وغامر وقتها طنطاوى وقرر استكمال مباريات الدورى، وهو ما نتج عنه كارثة مذبحة بورسعيد التى راح ضحيتها 72 من روابط مشجعى النادى الأهلى، وتحولت وقتها اللعبة بدلا من زيادة شعبية المشير طنطاوى إلى نقمة، نتيجة الحادث الذى قضى على أى طموح لطنطاوى.
لكن ساويرس يدخل لعبة كرة القدم بطريقة مختلفة ليس باستخدام المناصب الرياضية أو شراء الأندية، بل عن طريق احتكار الاستمتاع بمشاهدة المنافسة الرياضية، ويذكرنا بذلك بالدور الذى كانت تقوم به لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل قبل 25 يناير، سواء فى محاولة استغلال أزمة مباراة الكرة تصفيات كأس العالم بين مصر والجزائر، ووصولا إلى صدور توجيهات إلى وزير الإعلام الأسبق أنسى الفقى، بشراء مباريات الدورى ومنع قنوات الجزيرة الرياضية فى حينها من الحصول على حق بث مباريات الدورى المصرى، كما كانت تفعل الجزيرة باحتكارها بث غالبية المسابقات الرياضية العالمية، لنتكشف فيما بعد أن سعى الجزيرة لاحتكار الدوريات العالمية كانت له أهداف سياسية، بالسيطرة على سوق كرة القدم، واحتكار المشاهدة لصالح قنواتها، تمهيدا للدور الذى كانت تطمح إليه قطر فى الوجود الإقليمى.
ونجد أن ساويرس يدخل لعبة الاستغلال السياسى لكرة القدم، بنفس نموذج قناة الجزيرة فى احتكار حق بث المباريات، خاصة فى ظل الأزمات الأمنية من حضور الجماهير لملاعب الكرة، مع زيادة عدد الجماهير، ومن هنا بدأ مخطط ساويرس ينفذ للسيطرة على جماهير المشاهدة والإعلام عبر احتكار بث المباريات بمبلغ ضخم، علما بأن آخر شركة حصلت على بث غالبية مباريات الدورى العام الماضى دفعت فيه فقط 35 مليوناً، ليتضاعف هذا العام إلى 215 على يد ساويرس، ليظهر هنا أن عملية الاستحواذ ليست بيزنس فقط، بل تتعداه لأمور تدار فى الخفاء سواء فى الاستغلال السياسى أو السيطرة على الإعلام.
ما يفعله ساويرس بالتلاعب فى السياسة والرياضة، يكشف عن نوعية من رجال الأعمال، تتوهم دائما أنهم بأموالها يستطيعون شراء كل شيء، ولا حدود لطموحهم، لأنهم يعيشون وهماً، نسجه حولهم من ينتفع منهم ويعيشون على فتاتهم، فيسمعونهم ما يروق لهم.
وفى قصة ظريفة، عن رجل أعمال وأحد المداحين له، جمعت بين الاثنين إحدى ندوات معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى أواخر القرن العشرين فى بداية الندوة حدثت مشادة بين رجل الأعمال والمداح، فهما لا يلتقيان فى أى شيء فى الأفكار ولا الشكل ولا التوجه، ولكل منهم طريقه.. لكن المداح فى هذه المرة جرب لعبة ظريفة، وهو يتحدث لجماهير الندوة ويستعرض فيها أمجاده الثورية، قائلاً: «نحن فى حركة الطلبة أيام السبعينيات، كان الشباب والطلبة، يتصدون للسادات ويطالبونه بالحرب ضد إسرائيل، كان معنا فى المظاهرات وحملنى على عنقه، هذا الشاب»، وأشار بيده لرجل الأعمال! الذى لم يتخيل فى البداية أن ينسب له أحد الشعراء المعارضين بطولة زائفة.. لكن صدق رجل الأعمال القصة المزعومة التى نسجها الشاعر من خياله، رغم أنه فى نفس تاريخ الواقع –أى قبل حرب أكتوبر 73- كان رجل الأعمال يدرس كطالب فى إحدى العواصم الأوروبية، ليحصل على بكالوريوس الهندسة، بالإضافة إلى أن تاريخ رجل الأعمال لم يكن فيه أى ذرة عداء لإسرائيل، بل على العكس، كانت إسرائيل ومن ورائها «أمريكا»، سببا فى المليارات التى جمعها، بعد أن منحوه الاستثمارات فى كل بلد تحل جيوشها عليه، سواء فى أفغانستان ومن ورائها باكستان، وصولا للعراق.
الغريب أن رجل الأعمال صدق القصة التى رويت عنه رغم أنها من خيال الشاعر، وتوهم نفسه بطلا مناضلا، فراح يغدق الأموال فى الثقافة، لعله يجد جماهيرية وسط روادها، وربما كان هناك وسيط فى الرياضة يغرى ساويرس بالدخول فى مجال كرة القدم، كطريق يحقق بها أمجاده، بعد أن فشل فى البروز كسياسى، لكنه لا يدرك أن الكرة التى تقذفها الأقدام، ومفتونة بها الجماهير، قد تدخل مرماه، وتصيبه، فعشاقها لا يجيدون ألاعيب السياسيين ولا خيال الشعراء.