عادل حمودة يكتب: جمهورية ساويرس السورية!

مقالات الرأي



■ الجزيرة ستحول السوريين من أصحاب حق فى وطن حر إلى لاجئين يخرجون من حفرة ليقعوا فى بئر مثل الفلسطينيين

يبدو.. أن نجيب ساويرس يحلم بأن يكون ملكا.. أو رئيسا.. أو أميرا.. أو سلطانا.. أو شاهنشاه.. ولو على جزيرة فقيرة.. مهجورة.

لقد أخرجت الحرب الأهلية «المجرمة» فى سوريا سبعة ملايين وستمائة ألف شخص من ديارهم فيما يوصف بـ«الهروب الكبير».. لجأوا إلى لبنان والعراق والأردن ومصر وتركيا والسعودية وشمال إفريقيا.. لكن.. طوال خمس سنوات مضت لم يشعر أحد بمأساتهم إلا عندما فتح طريق أمامهم إلى دخول أوروبا.

على أن أوروبا انقسمت على نفسها.. المانيا رحبت لتعويض النقص المتوقع فى عدد سكانها بسبب انخفاض المواليد.. وفرنسا احتجت خوفا من تزايد المسلمين.. وجاء ساويرس لا نعرف من أين باقتراح الدولة الجزيرة.

إن قلبه الذى يجرحه نسيم الفجر وتدميه أوراق الورد لم ينفطر أو يهتز أو ينكسر إلا عندما شاهد على شاشات الأخبار صورة الطفل «إيلان الكردى» غريقا على شاطئ بحر فى تركيا.. فقرر التدخل إنسانيا.. محققا مكسبا دعائيا.. وربما ماليا.

والمؤكد.. أن اغتيال طفل اغتيال للبراءة فى الحاضر.. وتدمير لفرص الحياة فى المستقبل.. ومأساة يصعب على أشد النفوس شراسة تجاوزها.. ولكن.. إيلان الكردى لم يكن أول طفل سورى يُقتل بلا ذنب.. أو يهرب من الموت فى وطنه ليجده خارجه.. سبقه ما يقرب من 150 ألف صبى وفتاة من نفس الوطن لم يزد عمرهم على عمر الزهور.. ولم تزد أمنياتهم على كوب حليب وكراسة رسم وعلبة ألوان وفيلم كارتون وحضن أم فلم استيقظ ضمير ساويرس متأخرا.

فى رسالة لا تزيد على 140 حرفاً عرض ساويرس شراء جزيرة فى إيطاليا أو اليونان ليعلن عليها دولة سورية الحرة المستقلة.. بعيدا عن نظام الأسد الديكتاتورى الذى سبق أن شارك رموزه فى البيزنس واختلف معهم على توزيع مغانمه.

أبدى ساويرس استعداده لدفع ما بين 10 و100 مليون دولار ثمنا للجزيرة.. وإن اعتبر أن التكلفة الأكبر فى بناء مساكن ومدارس وجامعات ومستشفيات وموانئ بجانب توفير فرص العمل.. لكن.. الأكثر صعوبة.. اعتراف العالم بتلك الدولة التى سيطلق عليها دولة «إيلان».. بجانب تحديد مياهها الإقليمية.. وما يحكمها من قواعد قانونية.. منها قبولها عضوا فى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.. وإن اقترح عليه وضع شعار أوراسكوم على رايتها.. أو ربما اختار شعارا بديلا.. «تاج الجزيرة».. «السلطانية».. حسب الأوبريت الإذاعى الشهير.

لن أنجرف إلى التعليقات الساخرة السهلة التى نالت من ساويرس وهى تطالبه بأن يعيد ما كسب من مليارات إلى فقراء مصر قبل أن يفكر فى ضحايا الحرب فى سوريا.. خاصة أن مكتبه فى «نايل تاور» يطل على عشوائيات بنى على جزء منها دون أن يفكر فى تنمية ما تبقى.. تاركا خلفه مشهدا مؤسفا.. متناقضا.. يجمع بين «مصر العشة ومصر القصر» على رأى «عمه» أحمد فؤاد نجم.

ولن أتورط فى التحليلات السياسية الخبيثة التى ترى دعوة ساويرس ستؤدى إلى خلق وطن بديل للسوريين تفريغا لقضيتهم وتحويلهم من أصحاب حق فى وطن حر إلى لاجئين يخرجون من حفرة ليقعوا فى بئر.. مثل الفلسطينيين.

لكنى.. سأناقش ما طرح «الباشمهندس» الذى احترف السياسة التى كان يقاطعها على كبر من أفكار.

ليس صعبا بالقطع شراء جزيرة.. وليس صعبا أن تتحول تلك الجزيرة أو دولة إيلان أيلاند إلى منطقة حرة لشركات الـ «أوف شور» تحترف غسل الأموال وإخفاء الثروات على طريقة فيرجن أيلاند أو كيمن أيلاند وكل الأيلاند.. لكن.. الصعب الوصول إلى تفسير مناسب للفكرة التى اختمرت فى رأس ساويرس.. واختلف الناس ما بين مؤيد وساخر عليها.

إن هناك على ما يبدو عقدة تتحكم فى ساويرس.. عقدة السلطة التى سيطرت عليه بعد أن تشبع من الثروة الهائلة التى جمعها فى فترة قياسية.. لم يعد يرضيه بعد كل ما جمع من مليارات أن يمتلك سفينة أو شركة أو طائرة أو محطة فضائية.. لم يعد يسعده أن تنشر مجلة «فوربس» أنه واحد من أغنى أغنياء العالم.. لو أكلت عائلته لعاشر جيل قادم ما لديها من مال لن ينفد.. لم يعد يغريه أن يفطر مع أمير موناكو ويتناول الغداء مع رئيس حكومة إيطاليا ويتعشى مع سلطان بروناى.. اصبح يريد شيئا آخر.. ربما فكر فيه من نفسه.. أو أوحى إليه غيره.. لما لا يصبح واحدا من هؤلاء الكبار؟.. إنه يتساوى معهم فى المال.. وربما تفوق عليهم.. فلم لا يحظى بمتعة الحكم التى ينعمون بها؟

وحسب ما يجمع عليه أطباء النفس البشرية من سيجموند فرويد إلى أحمد عكاشة فإن متعة السلطة تتقدم متع اللذة والشهوة والثروة.. خاصة إذا ما تجاوز الرجل منتصف العمر وسيطر الشيب على قلبه قبل شعره.

وأغلب الظن.. أن فكرة الجزيرة قفزت إلى رأس ساويرس مؤخرا.. عندما احتفل والده أنسى ساويرس بعيد ميلاده الخامس والثمانين فى جزيرة بالبحر المتوسط وإن لم يتحمل تكاليف وصول المدعوين إلى الجزيرة.

لابد أن فكرة دولة الجزيرة كانت خطة احتياطية (بلان بى) يسهل تنفيذها لو فشلت خطته الأصلية.. تمويل أكثر من 200 نائب فى البرلمان القادم.. يمثلون أكثرية ولو نسبية تسمح له بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات البرلمانية.. حسب الدستور.. ليقتسم السلطة التنفيذية مع رئيس الدولة.. حسب نفس الدستور أيضا.

لتكن رأسه برأس الرجل الذى أنقذ مصر من التفكيك والتدمير والتقسيم.. ليكن كتفه بكتف الرجل الذى وضع رقبته على كفه وتحدى قدره وتحدى العالم لينقذ وطنه.. والتكلفة بسيطة.. نصف مليار جنيه.. كان عليه دفعها بجانب مليارات أخرى للضرائب.. حسب ما نشر من قبل.

ورغم أن ساويرس كان أحد أعمدة القوة المالية التى صنعها نظام مبارك فإنه سرعان ما انقلب عليه (!!) لينضم إلى مجلس حكماء ثورة يناير (!!) وليصبح مقربا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت قيادة المشير حسين طنطاوى (!!).. انتقل بسرعة مذهلة من الضد إلى الضد.. وواصل الانتقال بنفس السرعة من الاستسلام لمطالب حكم الإخوان إلى أمانة صندوق تحيا مصر.

لقد تغيرت النظم وظل ساويرس على الحجر.. ولا تزال عائلته التى تستثمر ما تكسب من مصر فى الخارج تفوز بمشروعات مربحة من كل العصور.. يخشى البعض أن تكون بالأمر المباشر.. بل.. أكثر من ذلك هو قادر أن يكتب أو يقول ما يشاء دون خوف من عقاب.. وإن كنا نتمنى أن نقرأ ما يكتب بخط يده لنعرف أين يضع الهمزات.. فوق السطر أم تحته؟.. لكن السؤال الأهم.. ما سر قوته؟.. هل هى قوة ذاتية.. أم قوة مكتسبة منحتها له علاقاته الخارجية التى نعرفها أو التى لا نعرفها؟

ولا شك أن علاقاته الخارجية تثير كثيرا من علامات الاستفهام ويحتاج كشفها لقدرات هائلة ليست لنا.

فى يوم 13 أغسطس الماضى نشرت جريدة «الشروق» القوائم المالية لشركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا القابضة.. وهى شركة حصلت على سجلها التجارى فى نوفمبر 2011 ويصل رأسمالها المرخص به إلى 22 مليار جنيه ورأس المال المصدر أكثر من مليارى جنيه.

وما يهمنا فى تلك القوائم أنها تكشف علاقات ساويرس بدول تعانى من اضطرابات سياسية مثل لبنان.. أو دول تعانى من ضربات إرهابية مثل باكستان.. ودول توصف بمحور الشر مثل كوريا الشمالية.

وكوريا الشمالية بالذات تخضع حسب ما جاء فى نشرة الشروق لحظر دولى فرضه المجتمع الدولى بما فى ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة ورغم ذلك نجح ساويرس فى اختراقها والتعامل معها متجاوزا الحظر.. فهل هو أقوى من كل هذه الجهات؟.. كيف سمح له بذلك؟.. من يضمن حمايته؟.. وما المقابل الذى يقدمه؟

وحسب نشرة الشروق فإن ساويرس يملك الحصة الحاكمة (75%) من مشغل الاتصالات المحلى كوربولينك.. وبيزنس الاتصالات بيزنس أمن قومى يعرف مالكه الكثير دون مجهود.. ويصعب للقوى العلنية والخفية إهماله.. بل.. المؤكد أنها تسعى إليه.. وتخطب وده.. وربما فتحت له أبوابا أخرى.

لقد وجدنا ساويرس فى كل الدول التى تعانى الولايات المتحدة من متاعب فيها.. الجزائر.. العراق.. سوريا.. باكستان.. لبنان.. وكوريا الشمالية.. لماذا هو بالذات؟.. هل تقدم نصائح له فى التعامل معها؟.. هل تستفيد من وجوده فيها؟.. ولو كان وهو الذى يعتبر نفسه ليبراليا لما يتعامل معها وغالبيتها دول غير ليبرالية؟

وبالطبع لن يجيب ساويرس عن تلك الاسئلة وسيكتفى بالسباب مسجلا طريقة غير معتادة فى الحوار السياسى.. المنطق مقابل التجاوز فى التعبير.

فى ضوء هذه الحقيقة.. يكون السؤال الأخير: هل طالبت تلك القوى ساويرس بإعلان دويلة سورية على جزيرة يونانية أو قبرصية؟