مى سمير تكتب: المرأة التى هزمت «القذافى»
كتاب جديد فى فرنسا يرصد
■ أحبها وكتب فيها شعراً ورفضته ضابطاً يحمل الجاتوه إليها
«إذا أردت أن تسلك طريق السلام الدائم، فابتسم للقدر إذا بطش بك ولا تبطش بأحد»، بهذا البيت الشهير لـ«عمر الخيام»، بدأ الكاتب الجزائرى محمد مولسهول المعروف باسم «ياسمينة خضرا» روايته الأخيرة الصادرة باللغة الفرنسية «ليلة الريس الأخيرة».
رسم الكاتب الشهير تفاصيل الليلة الأخيرة من حياة الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، وقدم تفاصيل حياة الطاغية الراحل من خلال الأحداث التى مرت عليه فى ليلته الأخيرة .. ليلة 20 أكتوبر 2011. وفى حوار له أكد الكاتب الجزائرى أن روايته تضم عددا من القصص الحقيقية غير أنها تحمل جزءاً من خيال الكاتب ولهذا سمح لنفسه بابتكار شخصيات وتفاصيل من وحى الإلهام، وتقمص الكاتب شخصية الطاغية الليبى ليقدم كل الأحداث من وجهة نظر القذافى فى محاولة لمعرفة كيف كان يفكر فى ليلته الأخيرة.
1
الصحراء
يبدأ الكتاب برحلة إلى الصحراء اعتاد القذافى أن يخوضها مع عمه البدوى الذى كان يعتبر الرحلة أكثر من مجرد العودة إلى الوطن، ولكنها كانت أقرب لوضوء الروح، ويعترف القذافى أنه كان صغيرا على أن يفهم الهدف الذى كان يبتغيه عمه البدوى من اصطحابه، وعلى العكس من تلك الذكرى الرومانسية كانت ليلة القذافى أبعد ما تكون عن الهدوء الذى تعرفه الصحراء الليبية، فمدينة سرت حيث يختبئ تعم بالفوضى، وترتفع فيها ألسنة اللهب، وتنتشر فى أروقتها رائحة البارود، وتبدو وكأنها تتلاشى مع ضربات الصواريخ.
ومع هذه الأوضاع المأساوية لم يكن يتردد داخل عقل القذافى سوى جملة واحدة « أنا معمر القذافى، وهذا ينبغى أن يكون كافيا للحفاظ على الإيمان»، أو «أنا معمر القذافى، حيث صنعت الأسطورة رجلاً».
كان معتصم ابن القذافى هو من يتولى تأمين والده والدفاع عن مدينة سرت التى اختارها والده للهرب إليها والاختباء فى داخل أحد مدارسها، من وجهة نظره كان اختيارا عبقريا، فأعداؤه يعتقدون أنه يختبئ فى أحد قصوره، ولكنه اختار جدران هذه المدرسة المتواضعة لكى يختبئ بداخلها، ما يدل على أنه بدوى أصيل لا يطلب سوى البقاء فى خيمته وسط الصحراء.
فى تلك الأثناء يدخل أحد الحراس الذى يدعو مصطفى من أجل تقديم العشاء للقذافى الذى ينتهز الفرصة من أجل إجراء حوار معه، سأله القذافى عن رأيه فيما يحدث ولماذا ثار الناس عليه؟! سيطرت حالة من الخوف والرعب على الحارس البسيط الذى أخذ يؤكد أن الجميع يحبونه وأنه لم يسمع أى شخص يعترض على حكمه، بدليل أن عملاء المخابرات الليبية كانوا منتشرين فى كل مكان ولم يرصدوا من هو معترض على حكم القذافى.. لكن الأخير أخبره بأن المخابرات لا تعرف شيئا ولم تتنبأ بما يحدث، ومع حصار القذافى له، حاول مصطفى العثور على إجابة للسؤال « لماذا ثار الشعب»؟، وكانت الإجابة منطقية من وجهة نظر الحارس المذعور أن الشعب أراد أن يقتل والده حتى يشعر أنه أصبح بالغا ولم يعد طفلاً صغيرا.
2
المرأة
فى حياة القذافى الكثير من النساء، وإلى جانب والدته، يرسم الكتاب صورة لثلاثة نساء فى حياة الديكتاتور الراحل، خديجة، وأميرة، وفاتن.
لم تكن «خديجة» امرأة بمعنى الكلمة لكنها مجرد شبح لفتاة حاصرته فى الليلة الأخيرة من عمره عندما عثر بالصدفة فى مخبأه على سوار ذهبى كتب عليه «إلى خديجة ملاكى وشمسي»، دفعه هذا السوار أن يرسم حياة لأسرة تلك الفتاة الليبية التى عاشت تحت حكمه، وقاده تفكيره إلى رسم صورة لحياة مثالية لعائلة تعيش فى هدوء مع أب يذهب كل صباح لعمله وأم تهتم بشئون عائلتها.
أخذ القذافى يؤكد لنفسه أن هذه الحياة المثالية هى نتيجة لحكمه المثالى، فهو لا يقارن برئيس تونس الهارب بن على الذى كان أقرب للقواد الذى يبيع وطنه لمن يدفع أكثر، وأخذ يتذكر كيف كان يجلس أمام التليفزيون لدى ابنه سيف الإسلام الذى عبر عن قلقه لتطورات الأوضاع فى تونس وانعكاس ما يحدث على كل الحكام العرب، لكن القذافى كان يرى أن بن على لم يكن حاكماً بمعنى الكلمة وما حدث فى تونس لن يتكرر.
المرأة الثانية هى الحارسة «أميرة» رمز لكل الحارسات الإفريقيات فى حياة القذافى، ويصف ياسمينة خضرا -على لسان القذافى فى روايته- أميرة بأنها المقاتلة الأمازونية التى كانت تشاركه الفراش والطعام عندما كانت أصغر سنا، أما فى الليلة الأخيرة من حياة القذافى فقد اكتفت بدور الحارسة والممرضة فى بعض الأحيان. وكانت أميرة تتولى مهمة إعطائه حقن الهيروين وتشرف على مخزون المخدرات والحقن وتحرص على حمايته. ويكشف الكتاب كيف كان القذافى يختار نساءه، حيث كان يكتفى فقط بوضع يده على كتف المرأة التى تعجبه حتى يتولى جهاز الأمن إحضارها إلى غرفته ليلا، ويعترف معمر بأنه كان يعشق هزيمة المرأة التى تقاومه، وأن أكثر اللحظات التى يشعر فيها بقوته عندما تخضع له امرأة وترتمى على أقدامه، فلا يوجد شيء أجمل أو أكثر قيمة من المرأة، ومن الممكن أن يملك كل كنوز الأرض ولكن يكفى أن ترفضه امرأة لكى يشعر أنه أكثر الرجال فقرا.
هذا الهوس بالعلاقات العاطفية مع النساء قد يرجع إلى قصة الحب الأولى فى حياته، أو المرأة الثالثة التى يتعرض لها الكاتب «فاتن»، ابنة ناظر المدرسة الثانوية أول حب فى حياة معمر.
وتشهد عادة حياة الطغاة قصة حب أولى غير ناجحة، قصة تذكر الديكتاتور بأول هزائمه، وقد تكون هذه الهزيمة هى السبب فى ذلك الخلل النفسى الذى يسيطر على شخصيته، فى تلك الرواية كانت بطلة قصة الحب الأول فى حياة القذافى «فاتن» التى أثارت خياله بجمالها وفتنتها منذ أن كانت فى الخامسة عشرة من عمرها، حاول التقرب منها بكتابة الرسائل الغرامية دون أن يجرؤ على إرسال خطاب إلى منزلها المحاصر بسور كبير جعله يشعر أنه سور الصين العظيم، وظل متعلقا بحب فاتن حتى بعد انتقالها مع عائلتها إلى طرابلس، وعندما تخرج فى الكلية الحربية وأصبح ضابطا شعر أن الوقت أصبح مناسبا لكى يتقدم لوالدها، ارتدى بدلته العسكرية وحرص على شراء علبة جاتوه من أفضل محال المدينة وذهب لمنزل حبيبته الأولى، واستقبله ناظر مدرسته القديمة وكان لا يزال يرتدى بيجامته تحت الروب المنزلي.
بعد حوار بارد طويل شعر القذافى أن مدير مدرسته يحتقره ويحتقر البدو خاصة أن لدى الناظر شقيقاً يعمل فى السلك الدبلوماسى وآخر يعمل كمستشار لولى العهد حسن رضا، وتأكد القذافى من رفض الناظر له عندما قال له الأخير إن فى ليبيا هناك قواعد وأصول للزواج، وأن المجتمع مثل الجيش متعدد الطبقات والدرجات، وأنهى كلامه الرافض لعرض القذافى بأنه متأكد أنه فى يوم سوف يعثر على فتاة من طبقته تسعده.
كان هذا اليوم هو أكثر الأيام حزنا فى حياة القذافى وظلت عبارة «سوف تعثر على فتاة من طبقتك تسعدك» تطارده، ولكن هذه المطاردة انتهت فى عام 1972، وبالتحديد بعد ثلاث سنوات من الثورة الليبية، حيث بحث القذافى عن فاتن ووجد أنها أصبحت زوجة لرجل أعمال وأماً لطفلين، أحضر رجال الأمن فاتن إلى القصر وظل القذافى محتجزها لمدة ثلاثة أسابيع، وكانت إساءته لها مصدر كبير لراحته.. أما زوجها فقد ألقى القبض عليه بزعم استخدامه رءوس أموال غير مشروعة، أما الأب فقد خرج من منزله فى إحدى الليالى ولم يعد أبدا.
3
المواجهة
دائرة صغيرة من المقربين من القذافى هربوا معه إلى سرت من هؤلاء وزير الدفاع الليبى أبوبكر جبر، الجنرال الذى يثق فيه القذافى، والمقدم الشاب إبراهيم طريد والذى كان القذافى يثق فيه ثقة عمياء.
بدأت المواجهة بين منصور الضو والقذافى، بشكر القذافى له لأنه ظل معه، بينما رد الضو بأن الفئران فقط هى من تهرب من السفينة الغارقة، ولكن القذافى أكد له أنه ليس حطام سفينة وأن الأمر لن يستغرق سوى أيام قليلة قبل أن يستفيق الشعب الليبى وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، أما هؤلاء الذى يشعلون الفوضى فهم ليسوا من أبناء ليبيا وإنما أعضاء فى تنظيم القاعدة.
وأخذ الحوار منعطفا آخر عندما بدأ منصور يتحدث عن شيخوخته وكيف يفكر فيها والأهم كيف يشعر بتأنيب الضمير على الأخطاء والظلم الذى ارتكبه، شعر القذافى أن رئيس حراسه يريد أن يبعث برسالة خفية له ولهذا بادر بسؤاله إذا كان يعتقد أنه أخطأ فى إدارة ليبيا ليفاجأ بمنصور وهو يرد عليه قائلا : «الله وحده هو المعصوم من الخطأ». كانت إجابة منصور كافية لكى يبدأ القذافى محاضرة طويلة يبرر فيها العديد من الجرائم التى ارتكبها نظامه مؤكدا أن لكل حرب ضحاياها وأنه لا مجال للعاطفية فى إدارة شئون الدولة. لوكيربى كانت خطيئة الأمريكان الذين قاموا بقصف قصره وقتلوا ابنته بالتبنى، مجزرة سجن أبوسليم، حيث قتل نظام القذافى ما يقرب من 1200 سجين، كانت بهدف حماية ليبيا من حفنة من المتمردين والإرهابيين.
لكن منصور استمر فى مواجهته لمعمر مؤكدا له أن من خرج فى الشارع ليسوا فقط الإرهابيين أو أعضاء تنظيم القاعدة، هناك الآلاف من أبناء الشعب الليبى الذين خرجوا ضده «نعم أيها الأخ القائد، لقد أخطأنا، لقد حكمنا بشكل سيئ، لقد فكرت فى صالح الأمة ولكنك لم تفكر فى الأمة».
4
الحلم
على الكنبة الصغيرة التى يجلس عليها فى مخبأه، غفا القذافى قليلا، وفى غفوته طارده كابوس لشيخه الذى كان يعلمه القرآن وهو فى السابعة من عمره، أخذ شيخه يصرخ فيه لأنه لا يردد الآيات مثل بقية زملائه ويقول له «هل تركت الدين أيها الكلب؟» ومثل سيدنا موسى يلقى بعصاه على الأرض لتتحول إلى ثعبان أسود كبير، وذلك قبل أن يتحول الشيخ إلى شخصية الرسام الهولندى فان جوخ.
استيقظ القذافى سريعا من غفوته ولم يعرف سر هذا الكابوس الذى يراوده منذ عدة أسابيع على الرغم من أن جرعة الهيروين التى يأخذها عادة ما تجعله يغرق فى نوم مريح وجميل.
يتخيل الكاتب الجزائرى ياسمينة خضرا شكل الشيطان الذى يمهد الطريق للقذافى لارتكاب كل جرائمه فى صورة الرسام الهولندى فان جوخ، الذى يظهر للطاغية الليبى كلما كان بصدد الإقدام على خطوة مهمة فى تاريخه منذ قيامه بالانقلاب العسكرى فى 1969، وظل فان جوخ حاضرا فى ذهن القذافى وهو يتخذ كل قرار طوال حكمه الممتلئ بالكوارث الإنسانية، على نحو جعل القذافى يتساءل إذا كان كتابه الشهير الذى حمل عنوان «الأخضر» إلى جانب لون علم ليبيا الأخضر قد اختارهما من وحى لون المعطف الأخضر لفان جوخ.
5
الأب
يتذكر القذافى حادثة صنعت الفارق فى حياته، عندما دخل إلى مكتب رئيسه فى العمل، شعر أن هناك أمراً آخر غير الترقية التى كانت فى انتظاره، وبالفعل اتهمه رئيسه الضابط القائد جلال سنوسى بأنه ضابط متمرد ويسعى للثورة على النظام الملكى، ولكن القذافى دافع عن نفسه وطلب من قائده أن يأتى بأى دليل على تلك الاتهامات الخطيرة.
ولكن هذه المقابلة لم تكن النهاية، فبعد ذلك فوجئ القذافى برقيب صغير يعترض طريقه ويطلب منه أن يحضر إلى مكتبه، وأكد له الرقيب أن الترقية فى الجيش تحتاج مراجعة أصول ونسب الضباط، وعند مراجعة تاريخه ظهرت معلومات تفيد أنه مجهول النسب كما أن هناك أقاويل داخل قبيلته تؤكد أنه ابن غير شرعى لطيار فرنسى يدعى ألبير بيرزيوسى سقطت طائرته فى الصحراء الليبية عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية. وبمجرد انتهاء الرقيب من كلامه لم يشعر القذافى سوى بقبضته وهى تنهال على وجه الرقيب وأربعة جنود يمسكون به ويحاولون منعه من استكمال ضربه، وأمام باب الغرفة كان يقف القائد جلال سنوسى وهو يبتسم فى مكر بعد نجاح خطته فى استفزاز القذافى، قام سنوسى باستدعاء القذافى لمكتبه وحوله لمجلس التأديب والذى أصدر قراراً بإيقافه وتأجيل ترقيته إلى رتبة نقيب.
بعد إيقافه عن العمل، ذهب القذافى إلى قبيلته بحثا عن إجابة حول شخصية والده، ونفى عمه قصة الطيار الفرنسى وأكد له أن والده توفى فى مبارزة للدفاع عن شرف القبيلة، غير أنه لم يقدم له إجابة حاسمة حول مكان قبر والده واكتفى بأن يقول له أن الشجعان لا يموتون.
6
الأم
وهو صغير لم يكن يسمع كلام والدته التى كانت تقص شعره لكى تضمن أنه يسمعها جيدا، وعندما ظل يعاندها اعتقدت أن هناك خللا فى شخصيته وذهبت به إلى الشيوخ والمشعوذين فى محاولة لإصلاحه.
ويعترف القذافى أنه لم يكن يستمع لأحد لأنه كره أكاذيبهم بشأن والده ففى إحدى المرات حكى له أحد جيرانه أن والده قد دهسته احدى دبابات روميل أثناء حملته فى الصحراء الغربية، حيث كان والده يتمشى فى الصحراء مع معزته ولم ينتبه لقدوم الدبابة التى لم تبق من جثته شيئا، وهنا بكى القذافى كثيرا وشعر بالحقد على الناس جميعا وأعلن عن رغبته فى دفن كل البشر تحت الأرض.
ويعترف القذافى أن قبيلته كانت تعتقد أنه طفل غير سوى، بل فكرت القبيلة بوضعه فى مصحة نفسية، ولكن فى النهاية اجتمعوا على إرساله إلى المدرسة. فى جدران مدرسته أدرك أن الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» كان أيضا يتيما، وأن سيدنا عيسى ولد بدون أب، وهذا ما كرس بداخله فكرة أنه مختلف، لدرجة وصفه لنفسه بالأسطورة، وتعاظم هذا الشعور مع وجوده فى الأكاديمية العسكرية حيث بدأ بالفعل فى زراعة خلايا ثورية وكان يحلم بثورة عظيمة تجعله فى مرتبة ماو أو جمال عبدالناصر.
7
بداية النهاية
مع تصاعد الضربات ضد مدينة سرت، خرج القذافى إلى شرفة فى المدرسة لمتابعة ماذا يحدث مما أثار خوف المحيطين به وطلبوا منه الدخول لكى لا يكشف عن مكان مخبأه. ولكن القذافى أكد لهم أنه لن يختبئ أو يهرب فهو ليس بن على أو بن لادن أو صدام حسين، ففى الرواية يرى القذافى نفسه أنه جندى من جنود الله، وأن الموت تتويج له فمكانه فى الجنة جنبا إلى جنب مع الأنبياء حيث تحيط به الملائكة وحور العين، أما قبره فسوف يحاط بتيجان الزهور.
فى تلك الليلة الأخيرة من حياته كانت السماء مظلمة على نحو كبير والهواء باردا، وفى غرفته بالمخبأ كان القذافى حريصاً على قراءة القرآن ولكن هذا لم يمنعه أن يسمع صوتاً يطارده لشبح لا يراه، وكشف الشبح عن هويته، أنه شبح صدام حسين الذى سخر منه كونه يعتقد أنه أفضل منه، ويؤكد شبح صدام للقذافى أن الأمريكان هم من أطاحوا بحكمه بينما الشعب الليبى هو من يثور فى الشارع ويدعو للإطاحة بحكمه، لأنه لم يفعل شيئا لشعب ليبيا. أمر القذافى المحيطين به للاستعداد لمغادرة سرت، ودار حوار بين القذافى وإبراهيم طريد أكد فيه الأول أنه فى هذه المرة لن يخرجوا ولكنهم سوف يصعدون، وعندما سأله طريد عن سر هذا الاعتقاد رد عليه القذافى أن بداخله صمت غريب فى إشارة أن شيئا ما سيئ سوف يقع.
جلس القذافى فى استسلام على الكنبة وأكد لطريد أنهم سوف يخسرون الحرب، حاول طريد أن يهدئه وأكد له فى تلك الحالة فإن ليبيا هى التى ستخسره، ففى شيلى يندمون على بينوشيه، وفى إسبانيا على فرانكو، وفى العراق على صدام، وفى الصين على ماو، كما يندم المغول على جينكيز خان، وكما يندمون فى مصر على مبارك.
تحركت القافلة التى تنقل القذافى، وتتصاعد الضربات ضد القافلة التى تقرر الاختباء داخل فيللا للاحتماء، لكن سريعا ما يلتف الثوار حول الفيللا ويسقط معتصم ابن القذافى فى أيديهم، ويتساقط أعضاء القافلة ما بين جريح وقتيل. وفى لحظة النهاية يرى القذافى والدته تأتى من قلب صحراء فزان وهى تصرخ فيه قائلة «أنت لا تسمع سوى بأذن واحدة، تلك التى قدمتها عن طيب خاطر لشياطينك، أما الأخرى فقد أصابها الصمم ولا تسمع صوت العقل» فى تلك اللحظة أدرك لماذا دخل الشيطان المتجسد فى صورة الرسام الهولندى فان جوخ صاحب الأذن المشوهة إلى عقله، ولكن بعد فوات الأوان.