سيدات المدبح تعلن الحرب: "مش كل من مسك سكينة قال أنا معلم"
عُرفت مهنة الجزارة بأنها للرجال فقط، خاصة وأنها تحتاج إلى أصحاب القلوب القوية لما يروه من دماء خلال ذبحهم للمواشي، لكن هناك نساء يتحدين الواقع وعملن في هذه المهنة، متخلين عن أنوثتهم والضعف الذي عرفت عليه المرأة، مؤكدن أن المرأة تستطيع أن تعمل في أي مهنة حتى وإن كانت معهنة الذبح والدماء.
رصدت "الفجر" هؤلاء السيدت في شارع المدبح بمنطقة السيدة زينب.
بالمرور بمنطقة المذبح في السيدة زينب، كانت أسرة كاملة من النساء فقط، فوجدنا أم وبناتها وأحفادها، جميعهن يجلسن حول منضدة يعلوها لحوم وسكاكين، غارقين في الدماء، يعملن جميعهن كخلية من النحل.
تترأس هذه الأسرة النسائية الأم "المعلمة بدرية"، المرأة ذات النظرة القوية والصوت المرتفع، والتي لم تؤثر المهنة على أنوثتها، فبالرغم من تواجدها الدائم في السوق والعمل وسط الرجال والدماء، إلا أنها تحافظ على مظهرها بارتداء عبائة من أحدث الموديلات، والإكسسوارات.
وأوضحت "بدرية" أنها تعمل في المهنة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وأنها توارثتها عن والديها، قائلة: "أنا طلعت لاقيت نفسي كده وراثة المهنة عن أبويا وأمي كانوا جزارين .. وشغلت بناتي في نفس المهنة وأولادي".
وروت أن لها تجارب سابقة لذبح الخراف ولكنها لم تحاول ذبح عجول، مؤكدة أن مهنتها ليست أكبر من عمل الأنثى فيها، قائلة: "الرجالة زي الحريم دلوقتي مفيش راجل وست .. الست أجدع من الراجل".
وفي السوق ذاته التقينا "المعلمة فاطمة"، المرأة التي عندما تراها للوهلة الأولى تتذكر الأفلام السينمائية التي جسدت فيها نجمات السينما كـ"تحية كاريوكا" و "نادية الجندي"، دور المعلمة القوية والجريئة، فقبل تعاملك معها ورؤيتك لها فقط تتخوف من حدتها، ولكن بالتحدث معها تجد أنها إمرأة عادية لكنها صاحبة "قلب جامد".
ذكرت المعلمة فاطمة، التي كانت تجلس حول طبقين بهما "الكرشة والممبار"، مرتدية جلباباً تكسوه المياه، ، أنها تعلمت المهنة عن والديها، قائلة: "أمي ولدتني في المدبح"، موضحة أنها لم تتعلم القراءة والكتابة ولكنها تعلمت هذه المهنة، فتعلمت "مسكة السكينة" وهي في العقد الأول من عمرها.
وأضافت وعلى وجهها ابتسامة الفخر بذاتها: "كنت بدبح الخرفان زي أي راجل ومش بخاف من السكينة وواخده عليها"، متابعة: "مش كل من مسك سكينة قال أنا معلم .. ومش كل من مسك سلاح معلم".
وعن زميلاتها في المهنة قالت: "زميلاتي في المهنة قلوا.. في منهم اللي اتوفت واللي اشتغلت في مستشفى علشان المهنة ملهاش مستقبل".
وأكدت أن زوجها كان يشجعها على هذه المهنة، خاصة وأنه كان "معلم" ويعمل بها أيضاً، مضيفة أن لديها ابن عمل بالمهنة بعد أن أنهى تعليمه وعدم استطاعته على ايجاد فرصة عمل.
وقالت "بثينة" الشابة التي لم تكمل العقد الثالث من عمرها، أنها تعلمت المهنة عن والدتها، منذ أن كانت في الثالثة عشر من عمرها، قائلة: "اتعودت على ماسكة السكينة واتعلمتها لما كنت بأقف مع والدتي لما كنت بساعدها".
وبسؤالها عن مدى تأثير المهنة عليها وحدوث تغير في تعاملها مع من حولها، قالت وعلى وجهها ابتسامة عريضة: "أنا زي ما أنا متغيرتش وطبيعية جداً وعادية"، نافية أن تكون المهنة أثرت عليها.
وبالرغم من أنها تعلمت المهنة على يد والدتها وعملها بها منذ طفولتها إلا أنها رفضت فكرة عمل بناتها فيها، قائلة: "بناتي مش هخليهم يشتغلوا زيى لأنهم بيتعلموا".