خالد زكي يكتب: دولة العيال الصغيرة
بمجرد الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد، اندلعت موجة من الهجوم علي المهندس شريف إسماعيل رئيس الحكومة، بسبب الاستعانة ببعض الوجوه القديمة، التي سبق وإن فشلت في حقائب وزارية تولتها في فترة سابقة.
مع كل تعديل وزاري يكثر الحديث عن الاستعانة بالشباب ضمن صفوف الحكومة، لكن دون جدوي.. والسبب من وجهة نظري يعود ببساطة إلي ترسخ ثقافة "استنساخ الرجل الواحد" في وجدان النظام السياسي.
" استنساخ الرجل الواحد" هي ظاهرة في مجملها تعني الاستعانة بنفس الوجوه التي تم الاستعانة بها في فترات زمنية سابقة لأسباب واعتبارات قد تتعلق بقيم الولاء والطاعة للنظام عن الكفاءة في الأداء، وهي ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل هي ثقافة متجذرة لدي الأنظمة السياسية منذ أول وزارة تشكلت في مصر في عهد الخديوي إسماعيل، وترأسها نوبار باشا، في 28 أغسطس 1878 حتي 23 فبراير 1879، ليعود مرة أخري لكرسي رئاسة الوزراء في عهد الخديوي توفيق في 10 يناير 1884.
وإذا ما نظرنا للعصر الحديث، فنجد أن التاريخ يعيد نفسه، ولعل ما يؤكد ذلك تولي كمال الجنزوري لرئاسة الحكومة مرتين في فترات زمنية مختلفة، الأولي خلال عهد مبارك في 4 يناير 1996، والثانية في عهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة في 25 نوفمبر 2011، وبالتالي فليس عجباً أن تري وجوه محروقة ضمن صفوف الحكومة الجديدة.
وبالتالي، لا دلالة للتعديل الوزاري الأخير، أو ما سبقه من تعديلات سوي أن الدولة لا تؤمن بفكرة التمكين السياسي للشباب من باب مساعدتهم علي تقلد المناصب السياسية.
ويكفيك عزيزي القارئ، أن تعلم أن مصر تعاقب عليها ما يزيد عن 96 حكومة، لم يمثل خلالها الشباب تمثيلاً عادلاً، والسؤال هنا، لماذا لا يتولي شاب في العشرينات أو الثلاثينات حقبة وزارية .. ربما تثير الفكرة استهزاء كثيرين من قبل نظرة عواجيز السياسة للشباب علي أنهم " شوية عيال صغيرة" ليس لديهم رؤية لحل مشكلات مزمنة في المجتمع المصري.. وأرد علي هذه الرواية المزعومة بأنه إذا كانت هذه النظرة سليمة .. فماذا فعل أهل الخبرة من عواجيز السياسة في مناصبهم لمواجهة هذه المشكلات؟ .. ويكفيك عزيزي القارئ أن تنظر فيما حولك لتري أن المشكلات تتفاقم ولا تحل .. وبالتالي فهم لا يساعدون سوي علي تفاقم المشكلات وتعقدها.
بعيداً عن ثقافة التعالي والاستهزاء التي ينظر بها عواجيز السياسة للشباب، فما المانع من تولي الشباب للحقائب الوزارية، علي أن يكون هناك مجلس استشاري من أهل الخبرة لتقديم يد العون للوزير الشاب، لكن شريطة أن يتقبل أعضائه الفكرة.
ما المانع من أن يكون تقلد منصب الوزير بفتح باب الترشح، أمام الشباب، علي أن يتقدم لكل وزارة المتخصصين من الشباب في مجالها، وعلي أن يتم الاختيار بناءً علي الكفاءة وليس أهل الثقة الذين يسبحون بحمد النظام صباحاً ومساءً.
فمثلاً، في وزارة الاتصالات يتم فتح باب الترشح أمام خريجي كليات الهندسة أقسام الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وخريجي الحاسبات والمعلومات، ويتم الاختيار من بين هؤلاء علي أساس كفاءتهم، من بين هؤلاء قد تجد من سجل براءة اختراع في مجاله، لكن من نظرة عواجيز السياسة " فاشل بدرجة امتياز"
من وجهة نظري، المنصب لا يتطلب سوي ركزتين، الأولي تتعلق بمؤهلات الشاب المتقدم للوزارة في مجال تخصصه، والثانية بقدرته وامتلاكه لمهارات الإدارة.
ما طرحته قد يثير استهجان كثيرين من عواجيز السياسة، لكن أدركوا جيداً أن الشباب الذين دائماً ما تسخرون منهم، هم من صنعوا ثورة يناير المجيدة، هم من شاركوا في 30 يونيه، هم من يحلمون بمستقبل وغد أفضل لبلادهم.
قد تقول داخل نفسك، ماذا فعل الشباب بثورتهم .. ياسادة عواجيز السياسة هم من أهدروا قيم الثورة وأهدافها، لأنهم حينما كانوا يجلسون يفكرون ويخططون لمستقبل مصر السياسي، كانوا ينظرون لمصالحهم الشخصية علي حساب مصلحة الوطن ..هم من اضاعوا أهداف الثورة، فلنعطي فرصة للشباب .. فلنعطي فرصة لـ" دولة العيال الصغيرة".