عادل حمودة يكتب: حديقة الديناصورات تحت قبة مجلس النواب القادم

مقالات الرأي



الرئيس يحل البرلمان لو لم يتعاون معه.. والبرلمان يسحب الثقــة من الرئيس لو تجاهل نوابه

مجلس النواب القادم.. «موعد مع مجهول».. ربما.. كان « حدوتة مصرية ».. أو «رصاصة فى القلب ».. أو نوعا مبتكرا من «الخطايا».. يفرض على الحياة السياسية والحزبية «قليلا من الحب كثيرا من العنف».

لو نفذت الخطة الانتخابية المعلنة فى موعدها سيخرج إلى النور مجلس النواب فى الخريف المقبل بعد شهور طالت من الحمل الراكد.. دون التنبؤ بما سيكون عليه المولود.. طيبا أم شريرا؟.. مسالماً أم مدمرًا؟.. متعاونا أم متمردا؟.

ولن يحتاج اختبار المجلس وقتا طويلا.. سيكشف عن نفسه فى أيام قليلة لن تزيد على أسبوعين.

حسب الدستور «مادة 159» يجب على مجلس النواب مراجعة القوانين التى أصدرها الرئيس بقرار خلال 15 يوما من انعقاده وإلا بطلت القوانين.. أو ألغيت.. أو كأنها لم تكن.. وفى تقديرات مركز الاستشارات البرلمانية فإن العدد يصل إلى 360 قانوناً بقرار.. بما يزيد على ما يقره عادة مجلس من المجالس المنتخبة لمدة خمس سنوات.

إذا لم يوافق مجلس النواب عليها جملة على أن تراجع أو تعدل فيما بعد فإن انهيارا دستوريا مدويا سيحدث دون أن نملك قدرة على مواجهة آثاره.. فما صدر من قوانين فى غياب المجلس يمتد إلى غالبية شئون الحياة.. الخدمة المدنية.. الاستثمار.. الضرائب.. الحبس الاحتياطى.. التظاهر.. الجمعيات الأهلية.. ومواجهة الإرهاب.. وغيرها.

ويصعب على أكثر المنجمين السياسيين براعة توقع ما سيفعل البرلمان القادم فى هذه المشكلة.. أو فى غيرها.. لسبب بسيط.. أن لا أحد يعرف كيف ستكون توليفته ونوعية أعضائه؟.. انتماءاتهم؟.. خبراتهم؟.. من يرأسهم؟.. من يسيطر عليهم؟.. من يوجه تصويتهم ؟.

سيتواجد السلفيون تحت القبة بالقطع.. عددهم فى المجتمع لا يستهان به.. وربما صوت إليهم أنصار التيارات والتنظيمات الدينية الأخرى بمن فيهم الإخوان.. ليس من باب إنعاش الحياة السياسية وإنما من باب إفسادها.. بإشعال الصراع بينهم وبين من يضعون أنفسهم فى خانة الليبراليين.. فلا أحد من الفريقين يطيق الآخر.. أو يقبل به ولو على مضض.

وربما.. صوت الإخوان للسلفيين إثباتا لوجود تيار إسلامى مؤثر.. وربما.. نكاية فى النظام القائم.

ومنذ أن شارك السلفيون فى اجتماع «3يوليو » الذى أطاح بحكم الإخوان وهم يلتحفون بمبدأ التقية.. يظهرون ما لا يبطنون.. خشية أن يلقوا مصير الإخوان.. أو فى انتظار حصولهم على نسبة من المقاعد تقوى شوكتهم وتفرض إرادتهم.. ليتحدثوا من جديد عن زواج القاصرات وإرضاع الكبير ووضع وردة مكان صورة المرأة.

واللافت.. أن حزبهم مهدد بالطعن فى عدم دستوريته.. المادة 74 من الدستور تحرم قيام أحزاب سياسية على أسس دينية.. ولكن.. وجودهم مكافأة على موقفهم من الإخوان.. وربما.. سد وجودهم فراغ غياب المعارضة الإسلامية.. خاصة أنهم يتمتعون بمرونة تمنحهم قدرا مناسبا على التكيف أبقاهم على السطح دون ضرر بالغ.. ولن يكون من الصعب عليهم لعب دور المعارضة المستأنسة المشغولة بإرضاع الكبير وزواج القاصرات والحمل الراكد.

وهم يدركون نقطة ضعفهم التى ستجهز عليهم لو خرجوا عما رسم لهم.. سيطعن على وجودهم دستوريا.. ليخرجوا من اللعبة مرغمين بعد أن قبلوا قواعدها طيعين.. لا سبيل أمامهم للتمرد.. أو تغيير أقنعتهم.. وإلا طردوا من الملعب طردا شرعيا.

فى كل الأحوال لن يملك السلفيون حرية حركة كبيرة فى البرلمان.. وهم لا يريدون فى هذه الدورة أكثر من التواجد وإثبات الذات.. فى انتظار فرصة أكبر للانقضاض والسيطرة.. فيما بعد.. فما لا يدرك كله لا يترك كله.

ويكفى السلفيون أن غالبية القوى المدنية تخشاهم.. وتتجمع معا رغم تناقضاتها وأنانيتها وقصر نظرها فى قائمة رسمية واحدة «فى حب مصر» ضدهم للفوز بمائة وعشرين مقعدا.

لكن.. المشكلة الصعبة ليست فى السلفيين وإنما فى الذين يطلق عليهم «الليبراليين».. فلا أحد منهم يطيق الآخر.. ونقاط الخلاف بينهم أكثر من نقاط الاتفاق.. والأحزاب التى ينتمون إليها ليس فيها من الكوادر البشرية أو الإمكانيات المالية ما يساند مرشحيها فى الانتخابات.. وجنون النرجسية فيها يتجاوز إيمانها بالواقعية.

لقد ضغطت شخصيات ليبرالية شهيرة لدخول قائمة مضمونة الفوز لفشلها وغياب شعبيتها لو خاضت الانتخابات فرديا.. بل.. انسحب بعضها من قيادة أحزاب أسسها حتى لا يلحق به عار خلو البرلمان من أعضاء حزبه.

وربما.. لضعف تلك الأحزاب.. وهشاشتها.. ونقص الخبرات البرلمانية فيها.. وغياب تأثير أعضائها فى دوائرهم.. لجأت إلى نواب سابقين فى الحزب الوطنى.. بمن فيهم نواب القبائل والعائلات التى ترث المقاعد أبا عن جد.. وغالبا ما سيصل هؤلاء إلى مجلس النواب بأعداد ستشكل كتلة لا يستهان بها.. ولو جلسوا بجانب السلفيين فإننا سنرصد بسهولة برلمانا جاء بعد ثورتى يناير ويونيو بأعضاء ينتمون إلى عصور ما قبلهما.

وغالبا ما يصوت نائب الوطنى ولو ارتدى ثوبا حزبيا آخر لصالح السلطة القائمة حسب ما تعود.. لكنه.. هذه المرة لن يكون ملك نفسه.. وإنما ملك من اشتراه.. ودفع تكاليف ترشحه ودعايته وفوزه.. مثل نجيب ساويرس «حزب المصريين الأحرار» أو السيد البدوى «حزب الوفد» أو أحمد عز «أمين التنظيم السابق فى الحزب الوطنى قبل حله».. ويقدر العدد الذى يراهن عليه الثلاثة «بجانب المترشحين من الحزب الوطنى منفردين» بنحو ثلثى المقاعد على الأقل.. وربما.. أكثر.. فهؤلاء هم محترفو الانتخابات.. يجيدونها.. ويعرفون مفاتيحها.. وأسهل وسائل الفوز فيها.

هنا.. نجد أنفسنا أمام ظاهرة جديدة فى الانتخابات البرلمانية.. التركيز على المرشحين لا على الناخبين.. فالمال السياسى «المحلى والخارجى» سيشترى النائب بدائرته وأصواتها.. كأنه يشترى محلا بالجدك.. أو شقة مفروشة بأثاثها.. وقد وصل السعر إلى خمسة ملايين جنيه أحيانا.. وسيزيد كلما اشتدت المعركة واقتربت من نهايتها.

وأخشى القول بأن هناك جهات ما فى الدولة ترحب بالأثرياء وتقبل بتحولاتهم وانتقالاتهم من خدمة النظام السابق إلى نفاق النظام القائم.. وكأن الولاء يكتب على دفاتر الشيكات.. أو فى لوحات الإعلانات.. أو فى برامج الفضائيات.

لكن.. الظاهرة الأشد خطورة.. أن النظام القائم ليس له حزب أو تيار يعبر عنه فى الانتخابات التى على حكومته إدارتها والإشراف عليها بنزاهة وبشفافية ولو جاءت بمن لا يحبهم.. ولا يحبونه.

وقد سمعت من رئيس الحكومة السابق المهندس إبراهيم محلب مباشرة: أنه سيثبت التاريخ عدم تدخله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فى الانتخابات.

لكن.. السؤال الذى لا نجد أحدا من النظام القائم يجيب عنه: كيف يضمن أن يأتى برلمان صديق ليعبر عن تيار 30 يونيو ويدعم ما يفعل الرئيس ولا يرفضه أو يعارضه أو يواجهه أو يغير من مساره أو يفتح ثغرة تتسلل منها القوى المتآمرة على مصر لتنفذ مخططاتها بشخصيات ليبرالية بعد فشل القيادات الإسلامية؟.

لا أحد من أصحاب المقامات والهامات يستطيع رسم خريطة مجلس النواب القادم.. من سيدعم النظام؟.. من سيخالفه؟.. من سيستجيب لمطالبه؟.. ومن سيساومه مطالبا باقتسام السلطة معه؟.. شيلنى وأشيلك.. خاصة أننا نجد من يحلم بتشكيل الحكومة مثل نجيب ساويرس.. بإنفاق ما يجعل 200 نائب تحت طوعه.. بجانب دعمهم إعلاميا بما يملك من احتكار لصحف وفضائيات.. يضاف إلى ذلك تصور البعض أنه يضمن أصوات الأقباط.. بما يهدد الانتخابات خاصة فى تصويت الإعادة الذى سيشمل 90 % على الأقل من الدوائر بالطائفية.

ويسمح الدستور لساويرس ولغيره بتحقيق حلم تشكيل حكومة ما بعد البرلمان على مزاجه ولمصلحته معبرا عن رأسمالية كسبت الثروة وتسعى للسلطة دون مراعاة بحكم الانتماءات الطبقية ومصالح السواد الأعظم من الفقراء فى مصر.

حسب المادة « 146» من الدستور يكلف الرئيس شخصا ما بتشكيل الحكومة ورئاستها على أن تعرض على مجلس النواب خلال ثلاثين يوما فإن لم يوافق عليها يرشح الرئيس الحزب أو الائتلاف الحائز على الأكثرية فى البرلمان لتشكيلها فإن لم تحصل على الثقة خلال ثلاثين يوما اعتبر المجلس منحلا.. وتجدد الدعوة لانتخابات جديدة خلال شهرين.

ويستحيل تصور وجود حزب يحظى بأغلبية برلمانية لضعف الأحزاب كلها بلا استثناء.. وسوف يكون التوافق على الحكومة صعبا ولعل مراجعة ما جرى عند وضع القوائم يعطينا مؤشرا ودليلا على ذلك.

وربما فرضت الظروف تحالفا بين أحمد عز ونجيب ساويرس وياسر برهامى للتوافق على تشكيل الحكومة.. فليس فى السياسة خصومة وإنما منفعة.

وحسب تجارب دول أخرى فإن النسب الصغيرة فى الائتلاف قد تحصد من المقاعد الوزارية بأكثر مما تستحق إذا كان وجودها ينقذ الائتلاف من التفكك.. كما أن انسحابها فى أى وقت يسقط الحكومة بنفس سهولة سقوط أوراق الشجر فى الخريف.

وفى كثير من النظم البرلمانية العريقة «مثل اليونان وإيطاليا وبلجيكا» يتأخر إعلان الحكومة شهورا طويلا لصعوبة التوافق بين المتحالفين معا على تشكيلها.. ولعل تركيا آخر مثال على ذلك.

وخوفا من طول الوقت فرض الدستور المصرى على المتحالفين شهرا لإعلان حكومتهم ونيل ثقة البرلمان فيها.. وإلا حل البرلمان نفسه.

هنا.. ستكون العجلة فى تشكيل الحكومة سببا مباشرا فى ضعفها.. وعجزها عن تنفيذ ما نحلم به.

وما يزيد المأساة أن هذه الحكومة لها فى الدستور من الصلاحيات والسلطات ما لم يتوافر لحكومة قبلها.

منها أن رئيس الحكومة يشارك رئيس الجمهورية فى وضع السياسة العامة للدولة ويشتركان معا فى تنفيذها «مادة 150».

ويختار رئيس الجمهورية وزراء الخارجية والداخلية والعدل والدفاع ولكن بالتشاور مع رئيس الحكومة «مادة 146».

ومنها أن الرئيس يأخذ رأى مجلس الوزراء فى العفو عن العقوبة أو تخفيفها، أما العفو الشامل فيكون بقانون يوافق عليه مجلس النواب «مادة 155».

ولا يحق للرئيس إعفاء الحكومة إلا بموافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب.. ولا يحق له تعديلها إلا بالتشاور مع رئيس الوزراء.. وبموافقة ثلث المجلس على الأقل «مادة 147».. وإلا بقيت الحكومة على حالها.

ولاشك أن الدستور سحب كثيرا من سلطات الرئيس وقيدها ومنحها للبرلمان.. فالمعاهدات التى يوقعها يجب أن يصدق عليها البرلمان أما معاهدات الصلح والتحالف فلا تقر إلا باستفتاء شعبى «مادة 151».

ولا يحق للرئيس فرض حالة الطوارئ إلا بموافقة أغلبية البرلمان ولمدة محدودة ثلاثة شهور ولا تمدد إلا مدة واحدة وبموافقة ثلثى النواب «مادة 154».

ويملك البرلمان سحب الثقة من الرئيس بطلب موقع من ثلثى الأعضاء ولو وافق عليه طرح الأمر فى استفتاء عام فإذا كانت النتيجة بالرفض أصبح البرلمان منحلا حسب «مادة 161».

لكن.. فى المقابل يجوز للرئيس حل مجلس النواب عند الضرورة «مادة 137» دون تحديد معنى الضرورة.. وإن أجبر على ذكر سبب الحل.. قبل عرض الأمر على الشعب فى استفتاء عام خلال عشرين يوما.

وغالبا ما سيلجأ الرئيس إلى السلاح الممنوح له فى هذه المادة إذا لم يتعاون المجلس معه أو لو أساء استعمال الصلاحيات الدستورية غير المسبوقة الممنوحة له.

ويصعب على مجلس نواب غير متجانس «سمك لبن تمر هندى» أن يجيد استخدام ما منح من صلاحيات خاصة فى غياب الخبرة البرلمانية.. وستحدث الفوضى منذ اللحظة الأولى عند انتخاب رئيس المجلس ونائبيه.. وعند اختيار رؤساء اللجان.. وغيرها من الترتيبات الداخلية.

نحن فعلا على موعد مع المجهول.