عادل حمودة يكتب: تسجيلات مكالمات محمد فودة مع وزراء ومحافظين وإعلاميين أطاحت بالحكومة

مقالات الرأي



■ فودة لم يتردد فى تسجيل مكالماته مع أفراد «الشلة» وعدد من الوزراء والمحافظين ووضعها على «هارد ديسك» لحين الحاجة إليها 
■ وجوده فى الفورسيزون كان فرصة لتلقى ما يطلبه والاحتفاظ بنسبة من أموال الرشوة 
■ محلب أخطأ اختيار صلاح هلال ولم يستجب لنصائح شخصيات وجهات مؤثرة للابتعاد عنه
■ ذهب إلى الرئيس ليطرح عليه الثقة فى حكومته.. فطالبه بالاستقالة

آخر شخص تخيل إبراهيم محلب أن يخلفه فى رئاسة الحكومة هو وزير البترول شريف إسماعيل.. فلم تكن العلاقة بينهما سمنا على عسل.. خاصة فى بداية عملهما معا.. عند تشكيل حكومة محلب الأولى فى فبراير 2014.. وإن اتجه التفاهم بينهما صعودا نحو الأفضل فيما بعد.. عند تشكيل حكومة محلب الثانية فى يونيو 2015.

وكان إسماعيل قد تولى وزارة البترول فى وزارة حازم الببلاوى (يوليو 2013) بعد أن رفضها فى حكومة هشام قنديل.. واستمر فى منصبه.. ولكن تحت رئاسة محلب الذى لم يكن يعرفه من قبل.. وفى فترة التعاون وضعت الاختلافات الشخصية حواجز الاختلاف بينهما.. إسماعيل غير اجتماعى.. قليل الكلام.. علاقاته محدودة خارج دائرته العائلية.. لا يتحدث غالبا إلا فى تخصصه.. إذا طلب منه رأى فنى فى مشكلة بعينها يدرسها بعناية.. ولا يميل كثيرا إلى الميديا.. ومحلب سريع التواصل مع الآخرين.. يبذل مجهودا إنسانيا مضنيا ليرضى كل من يسعى إليه. فى الوقت نفسه كان محلب على علاقة متينة بالمهندس هانى ضاحى بسبب تعاونهما معا فى قطاع المقاولات أكثر من عشر سنوات.. محلب فى شركة «المقاولون العرب» وضاحى فى شركة بتروجيت.. شركة المقاولات التابعة لوزارة البترول.. مما جعل محلب يفضله وزيرا للبترول.. خاصة أن ضاحى سبق أن تولى رئاسة هيئة البترول.. بما يعنى أنه ليس غريبا عن ذلك القطاع الحيوى.. بدليل.. أنه عندما سافر إسماعيل لمدة أسبوع إلى أوروبا ليجرى جراحة عاجلة لإزالة المرارة كلف ضاحى بتسيير أعمال البترول بجانب النقل.

فى الوقت نفسه كان اختيار إسماعيل لتشكيل الحكومة ورئاستها مفاجأة للجميع.. سياسيين وإعلاميين ورأياً عاماً.. فوزير البترول عادة شخص يميل إلى العزلة بحكم عمله الذى غالبا ما يقضى فترة منه فى الصحراء.. شديد التخصص.. تنقيباً.. أو اكتشافاً.. أو صيانة ميكانيكية. ولو دخلت مبنى البترول ستشعر أنك فى مبنى وكالة أمنية شديدة السرية.. يصعب على الزائر اكتشاف ما وراء الغرف المغلقة.. الصامتة.. ويندر أن تلتقى بغريب فى الطرقات أو المصاعد أو المكاتب.. فالمواعيد تنفذ بدقة.

والمؤكد أن إسماعيل أول رئيس حكومة يصعد إلى مكانه المميز فى السلطة التنفيذية من وزارة البترول.. وهو يتمتع بخصالها.. الصمت أفضل من الكلام.. الرجوع إلى المستشارين قبل اتخاذ قرار.. عدم الدعاية عن كشف بترول إلا إذا كان يقينا.. لا ضجيج بلا طحين.

لقد اختير إسماعيل بعد أقل من أسبوعين على اكتشاف حقل الغاز الطبيعى «شروق» الذى يسد باحتياطياته غير المسبوقة (30 تريليون قدم مكعبة) عجز الطاقة فى مصر.. وربما يسدد ديونها الداخلية والخارجية حسب تقديرات «ميريل لينش بنك أوف أمريكا».. وغيرها من بيوت المال والاستثمار العالمية المؤثرة.

يومها قال لى محلب: «إننا سنضغط على الشركة الإيطالية (إينى) ليبدأ الإنتاج قبل الثلاث سنوات المحددة.. «ربما جعلنا المدة 18 شهرا».. ليبدأ ضخ الغاز مع تشغيل محطات الكهرباء الثلاث التى تبنيها لنا شركة سيمنز الألمانية.. ولم نكن نعرف من أين نحصل على وقود تشغيلها. وعندما سألت إسماعيل عن رأيه قال بهدوئه المعتاد: «إن الحقل المكتشف بعيد عن الشاطئ وعلى عمق كبير تحت المياه ويحتاج استخراجه لمعدات خاصة ثقيلة تحتاج وقتا لتصنيعها لذلك فمدة الثلاث سنوات محسوبة بدقة متناهية ويصعب تخفيضها».

وبنفس الهدوء.. وقع إسماعيل نحو 50 اتفاقية.. منها اتفاقية مع «بريتش بتروليم» قبل المؤتمر الاقتصادى مباشرة لضخ استثمارات تزيد على 12 مليار دولار.. مستعيدا ثقة شركات البترول الأجنبية التى جمدت نشاطها فى مصر.. فقد حصلت على أكثر من نصف مديونياتها.. ولم يبق لها سوى ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار وعد إسماعيل بسدادها فى نهاية العام الجارى.. قبل ستة شهور من المدة المتفق عليها. والأهم.. أن إسماعيل نجح فى توفير الغاز الطبيعى لمحطات الكهرباء.. وساهم بطريقة غير مباشرة فى عدم قطع التيار أو تخفيف الأحمال.. مساندا لوزير الكهرباء محمد شاكر الذى لعب دورا مؤثرا فى علاج الأزمة.

بجانب.. التخفيف من حدة أزمات البوتاجاز وطوابير البنزين إلى حد كبير.. فقد فتح باب التعاقد مع مصادر مختلفة.. سعودية وجزائرية وروسية.. لضمان التدفق دون مخاوف قطعها بسبب مخاوف الخلافات السياسية.

وربما.. لا يعرف أحد أن إسماعيل كلف بمهام خارج وزارته.. منها.. شراء معدات حفر الأنفاق تحت القناة.

لكن.. يظل التحدى الصعب الذى عليه مواجهته.. دعم المنتجات البترولية الذى يستهلك ما يزيد على 150 مليار جنيه رغم انخفاض أسعار النفط.. وربما.. يكون نجاحه فى الكروت الذكية نوعا من الإنقاذ لحكومته القادمة.. بجانب الخروج من قضايا التحكيم المرفوعة على مصر وتهددها بدفع مليارات من الدولارات لا يحتمل احتياطها سدادها.

إن هذه الحيثيات قد تخفف من صدمة (أو مفاجأة) اختياره رئيسا للحكومة.

لكن.. الصدمة الأكبر كانت إقالة حكومة محلب.

قبل سفره إلى تونس سألته عن التعديل الوزارى فأجاب: «طبيعى أن يحدث تعديل لخروج وزير الزراعة.. ولكن.. التعديل يمكن أن يتمدد قليلا». لكنه.. لم يفصح عن عدد الوزراء الذين سيطيح بهم التمديد.. على أن التقديرات لم تزد وقتها عن أربعة وزراء.. الزراعة والسياحة والثقافة والآثار.

وربما.. كان محلب يفضل الاكتفاء بتغيير وزير الزراعة وحده بعد اتهامه فى قضية فساد أصبحت شهيرة.. متصورا أن حكومته ستجبر على الاستقالة بعد الانتخابات وتشكيل مجلس النواب.. وكان واثقا أن حكومته ستكون مستمرة وقت الانتخابات.. فقد سمعت منه: «إنه سيشهد له أن حكومته ستكون الأكثر نزاهة فى التعامل مع هذه الانتخابات «.. فما الذى حدث لتقع الفأس فى الرأس وتسقط حكومته فجأة دون تمهيد؟. لقد ذهب إلى الرئيس صباح السبت ليطرح عليه الثقة فى حكومته.. تبقى أم ترحل؟.. مرجحا أن تبقى مع تعديل وزارى.. لكن.. الرئيس أخرجها من حساباته.. طالبا منها الاستقالة.. وخشية تعطيل العمل فى الدولة كلف الرئيس إسماعيل بتشكيل الحكومة الجديدة خلال أسبوع واحد.

كان الخبر مفاجأة لكل من سمعه.. وجنحت التحليلات المتعجلة ناحية الدهشة من تشكيل حكومة جديدة لن تستمر أكثر من ثلاثة شهور.. فى تصور غير دقيق بأنه يمكن الإطاحة بها بعد تشكيل مجلس النواب فى ديسمبر القادم.. فليس هناك ما يمنع لو نجحت فى مهامها أن تكون نفس الحكومة التى سيعرضها الرئيس على البرلمان لتحظى بالقبول حسب الدستور.

تفسير الإطاحة بحكومة محلب ينحصر فى الأيام التالية على القبض على وزير الزراعة صلاح هلال بعد إجباره على تقديم استقالته.. فقد غضب غالبية الوزراء فى اجتماع مجلسهم الأخير يوم الخميس الماضى من الطريقة التى قبض بها على الوزير فى عرض الطريق بعد خروجه من مجلس الوزراء.. وتضاعف الغضب من شدة الاتهامات بفساد عدد منهم.. تتفجر بها المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعى.. وبدا محلب أمامهم فى نصف هدومه.. فاقدا السيطرة على مجلسه.. ليجبر فى النهاية على إصدار بيان يحصر الفساد فى وزارة الزراعة وفى وزيرها السابق.

وكان وراء البيان منير فخرى عبد النور الذى تطوع من تلقاء نفسه ليلعب دور المستشار السياسى والإعلامى لمحلب ناسيا مهمته الأولى تنمية الصادرات وجودة المنتجات والخطر أنه شجع رجال الأعمال على السفر إلى إيران مخالفا للسياسة التى تسير عليها الدولة.

كان بيانا هزيلا.. مثيرا للسخرية.. فشهادات البراءة لا يصدرها أحد لنفسه ولو كان مجلس الوزراء.. كما أن التحقيقات والتحريات سرية فمن أدراهم عدم وجود وزراء بينهم متورطين فى قضايا لم يعلن عنها من قبل.

لكن.. الخطأ الذى وقع فيه محلب أنه اختار وزير الزراعة بنفسه دون الاستجابة لنصائح من شخصيات وجهات مؤثرة بالابتعاد عنه.. خشية التورط فى قضية فساد من التى فاحت بها رائحة العفن فى الزراعة. وكان من الطبيعى أن يشعر النظام القائم بالحرج مما حدث.. فالوزير المتهم بالفساد ينتمى إلى حكومة حلفت اليمين أمام الرئيس.. حكومة تمثل النظام.. وتعبر عنه.. وتنفذ سياساته.. وليست حكومة فى نظام سابق.. ونفس الوزير سبق أن جلس أكثر من مرة مع الرئيس يتحدث عن مشروع المليون فدان.

ولم يكن يكفى أن يطاح بالوزير أو يقبض عليه فى الشارع أو يحبس على ذمة القضية فكلها لا تعفى رئيس الحكومة من الحرج الذى وضع فيه النظام.

وطبقا لقواعد التضامن فى المسئولية الجماعية كان خروج وزير يعنى خروج باقى الحكومة.. فكان قرار التغيير شاملا.

وربما.. تورط عدد آخر من الوزراء فى قضايا فساد أخرى تحرج الحكومة لو استمرت فى عملها.. وسيكون الهجوم عليها أخف لو كشفت هذه القضايا بعد رحيلها.. وكأن إقالتها ضربة استباقية.

والحقيقة.. أن قضية رشوة الزراعة لم تكشف عن عفن فى الحكومة فقط وإنما عن عفن فى شخصيات وتجمعات أخرى.. تضامنت مصالحه الخاصة والعامة معا.. ووجدت نفسها تلتقى كل ليلة تحت رعاية محمد فودة.. الوسيط فى قضية الرشوة الذى لم يتردد فى تسجيل مكالماته مع أفراد «الشلة» ومع عدد من الوزراء والمحافظين ويضعها على هارد ديسك.. ربما احتاجها.. وربما.. كانت سببا فيما جرى للحكومة.

وكان وجوده فى فندق فور سيزونز فرصة لتلقى دون قلق ما يرسل إليه أشياء يطلبها.. لا نعرف هل كانت هدية أم رشوة؟.. كما كان يحتفظ بنصيبه من الأموال التى يتلقاها لدفعها رشوة.. وأحيانا.. كان ما يحتفظ به ضعف ما يدفعه غالبا.

وهناك توقعات ليست ضعيفة أن يعرض محامى المتهم أيمن الجميل اعترافا منه على باقى المتهمين فيخرج من القضية طبقا للمادة ( 107 مكرر) من قانون العقوبات الجنائية. ولو كان وزير الزراعة وحده فى هذه القضية فإن هناك قضية أخرى لوزير الأوقاف.. خاصة بتأجير أراض لنفس رجل الأعمال أيمن الجميل.. نشرت الفجر تفاصيلها العدد الماضى. وما يثير العجب فيما نصفه بالمجتمع الراقى دفاعهم عن أيمن الجميل رغم الخطأ الذى ارتكبه ووقع فيه مهما كانت مبرراته.. وفى الوقت نفسه شن هجوماً على الفجر لأنها قامت بوظيفتها وقدمت ما خفى عن الراشى من معلومات.. وإن اتهمت معه البيروقراطية التى رفضت توفيق أوضاعه فى أرض اشتراها وزرعها وصدر محاصيلها ودفعت به إلى براثن فودة.

ولو كان الوزراء صاغوا بأيديهم شهادة نزاهتهم فإنهم لم يكتبوا شهادة صلاحيتهم.. إن التصدير انخفض بنسبة تقترب من 40 % دون أن ينزعج وزير الصناعة والتجارة منير فخرى عبد النور.. ولم يستطع وزير الثقافة عبد الواحد النبوى أن يرضى المثقفين ولا أن ينزل بنشاطه إلى جماهير الفلاحين والمهمشين.. وتحدث وزير الاستثمار أشرف سلمان عن تخفيض الجنيه بما أحرج محافظ البنك المركزى واشعل النار فى سعر الدولار.. كما أنه لم يصدر بعد اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار.. وواصل وزير التموين الحديث عن أحلامه مضيفا إليها مدينة للماركات العالمية فى العين السخنة.. واختار وزير النقل هانى ضاحى بداية موسم الصيف ليغلق طريق وادى النطرون- العلمين.. ونجح وزير الإسكان مصطفى مدبولى فى أن يسجل لنفسه الرقم القياسى فى الخوف من اتخاذ قرار.. وألغى قانونين لوزير المالية هانى قدرى تصور نجاحهما.. وهذه مجرد عينة.

لكن.. ذلك لا ينفى دورا مؤثرا ووجودا مميزا لمحلب.. فقد كشف بتحركاته اليومية التى لم تهدأ يوما عن كل مظاهر الخراب والخلل فى مؤسسات الدولة.. وقربه ذلك من الناس العاديين الذين شعروا أنه واحد منهم.. ولم تكن مشاكل مصر فى حلول نظرية وضعت فى دراسات وتقارير.. فمثل هذه الدراسات والتقارير موجودة دون تنفيذ قبل عشرات السنين.

وربما.. سجل خروجه أعلى درجة من الاحترام والتقدير لمسئول شارك فى الخدمة العامة.. ولو كانت متاعبه الصحية لم تمنعه من العمل عشرين ساعة فى اليوم فإن عليه الآن أن يستريح ويسترخى ويستمتع بسنوات قادمة فى حياته.. إن نجح فى علاج نفسه من إدمان العمل.

وليس من الصعب أن يشكل إسماعيل حكومته فى أسبوع فالأجهزة الرقابية مستعدة لأول مرة بقائمة طويلة من المرشحين.. ثلاثة لكل منصب وزارى.. ولكن.. المشكلة.. رفض عدد كبير من الشخصيات المحترمة والمحترفة دخول الوزارة خشية أن تنال فى غياب قانون حماية المسئولين ما يؤذيها.