منال لاشين تكتب: حكومة شريف إسماعيل فى بورصة الرئاسة
■ تزامن هبوط أسهم خالد حنفى مع صعود أسهم شريف إسماعيل فأول ما لفت نظر السيسى إليه موقفه من مشروع تحويل زيت الطعام إلى سولار ■ حاكموا وزير الاستثمار على تصريح تخفيض الجنيه فالدولار اشتعل والبعض يراهن على كسره حاجز الـ 9 جنيهات
لم نعد نحلم برئيس حكومة سياسى، وربما ما أصاب السياسة والأحزاب من عقم أبعد فكرة رئيس الحكومة السياسى عن المنصب إلى حين.
ولأن فى مصر كل عقدة ولها حلال، وكل نقص وله بديل أو بالأحرى اخترع، فقد اخترع بديلاً لرئيس الحكومة السياسى، وكان البديل الوزير الشعبى، من بين كل وزراء حكومة الدكتور حازم الببلاوى اختير وزير الاسكان فى ذلك الوقت المهندس إبراهيم محلب بوصفه رجل الجولات الشعبية لرئاسة الحكومة، وسرعان ما سرى هذا الموديل إلى وزراء كثيرين فى حكومته.
وكان لافتا أن الترحيب والترويج لحكومة محلب اقترن بحملة شعواء على الببلاوى، لا أقصد بالطبع الأشخاص، ولكن الحملة كانت موجهة ضد المفكرين الاقتصاديين أو السياسيين فى الحكومة، وجرت مقارنات قبيحة ما بين الفكر والشعبية، وكأننا فى حرب شرسة ضد الفكر والمفكريين.
ووسط التورط المبالغ فيه لصالح نظرية الحكومة الشعبية فاجأ الرئيس السيسى حكومته قبل شعبه بالانحياز لنمط مختلف تماما، فرئيس الحكومة الجديد يختلف كليا عن محلب وطريقته الشعبية، فضلا عن ابتعاد الرجل الذى شغل منصب وزير البترول عن التداخلات السياسية أو شللية الحكومة أو حتى التبرع بآراء أو أفكار خارج ملفه، مالم يطلب منه ذلك، فضلا عن تصريحاته القليلة خلال جولاته المحدودة (كلمتين ورد غطاهم).
لذلك لا يجب أن نقلل من قيمة وحجم الصدمة أو بالأحرى التغيير، ونطالب السياسيين والشباب والمواطنين باستقبال رئيس الحكومة بحماس، لأننا غيرنا النظام دون أن نشرح للناس أسباب التغيير الذى يكاد أن يكون انقلابا على نظرية الحكومة الشعبية.
1- هبوط أسهم الكبار
تغيير محلب كان متوقعا ولكن البعض توقع أن يظل حتى انتخابات مجلس النواب، ومنذ عدة أشهر ظهرت شائعات وأنباء عن رحيل محلب، وكان أقوى المرشحين للمنصب وزير التموين خالد حنفى، كان حنفى قد أنجز بطاقة توزيع الخبز ثم التموين، وقد نجحت نجاحا كبيرا، وعدت من إنجازات الحكومة وكانت فى وقت من الأوقات الإنجاز الوحيد، وخلال هذه الفترة كان حنفى مقربا من مؤسسة الرئاسة وسافر مع الرئيس فى أكثر من زيارة خارجية، وبدا للجميع أنه أقرب وزير لخلافة محلب، وكان بعض الوزراء يؤكدون فى جلساتهم الخاصة جدا أن التفاهم بين الرئيس وخالد حنفى وصل إلى درجة الهارمونى، وأن وزير التموين كان يفهم الرئيس بمجرد نظرة عين.
ولكن نجاح الوزير الشاب وأنباء القرب وتكرار السفر مع الرئيس أصاب غدة نشاط الوزير بعطب ما، كثرت مشروعات الرجل دون دراسة كافية أو تحديد جدول زمنى، وأصبح كلامه أكثر من عمله.
بعد ذلك لمع نجم وزير آخر من الشباب هو وزير الاستثمار أشرف سالمان ، وقد بهر سالمان وهو رجل أتى من القطاع الخاص بالنظام الميرى الذى راعاه السيسى، وكان يشعر بالفعل أنه جندى فى ميدان حرب، وبذل مجهوداً خرافياً فى الشهور الأولى من توليه الوزارة، واقترب من مؤسسة الرئاسة وانتشر عنه أن أحد الوزراء الذين يحظون بإعجاب الرئيس لنشاطهم.
وأعتقد أن الخلل الذى أصاب وزير الاستثمار فاق الحد، تصريحاته كانت مصدر خسارة فادحة وآخرها تصريح تخفيض الجنيه المصرى فى مؤتمر اليورومنى، وهو التصريح الذى أشعل سعر الدولار فى السوق السوداء ورفع سعره إلى رقم قياسى، وأدخل المواطنين العاديين فى حمى تخزين الدولار، فتصريح سالمان المباشر والحاسم عن تخفيض سعر الجنيه جعل الجميع يتوقع أن يصل الدولار إلى تسعة جنيهات، ولم يعلم الكثيرون أن التصريح مجرد رأى شخصى لوزير الاستثمار، وأن محافظ البنك المركزى رافض لهذا الاقتراح، وهذه هى المرة الأولى قبل وبعد ثورة 25 يناير الذى يتجرأ وزير على التدخل فى سياسة العملة، وحتى لو خسر سالمان منصبه فخسارة مصر لا تعوض من جراء تصريحه، ولو كانت التصريحات تذهب بأصحابها للمحاكمة، لطالبت بمحاكمة وزير الاستثمار على تصريحه الذى أشعل الدولار. وكان آخر الكبار المنجزين هو وزير الكهرباء والذى تقاطعت إنجازاته مع رئيس الحكومة الجديد، ولكن يبدو أن كثرة أحاديث الوزير عن إنجازاته وخططه قللت من فرصه، لأن عنصراً حاسماً فى توفير الكهرباء هو قدرة وزير البترول على توفير البترول والغاز.
2- صعود أسهم إسماعيل
فى مقابل هبوط أسهم البعض كانت أسهم إسماعيل السياسية فى صعود، لفت أداء الرجل السيسى فى لقاء لعرض بعض المشروعات، ومنها مشروع وزير التموين خالد حنفى لتحويل زيت الطعام المستعمل لسولار، لم يعلق وزير البترول إسماعيل فى ذلك الوقت، وذلك على الرغم من أن الملف من اختصاصه، فيما علق وزراء آخرون حضروا الاجتماع بالإعجاب، ولم يتناول إسماعيل الموضوع إلا عندما طلب الرئيس سماع رأيه، وتوالت أسباب صعود الرجل، فى لقاءاته مع الرئيس لا يذم فى أحد ولا يتناول سوى ملفاته، ومعه دوما حلا للمشكلة من جذورها، وفض التشابك بين البترول والكهرباء بهدوء ودون سعى لنجومية أو نسب الفضل لوزارته، وفى تقرير للرئيس حول مشروعات المؤتمر الاقتصادى ظهرت المفاجأة، الرجل الأقل كلاما وظهورا هو الأكثر تنفيذا للاتفاقات التى تم توقيعها فى شرم.
بحسب معلوماتى فإن الرئيس قد التقى شريف إسماعيل مرات متعددة غير معلنة وأنه أحد القلائل فى الحكومة الذى لعب دورا فى قناة السويس الجديدة وهو أيضا دور غير معلن، وبحسب المعلومات فإن اختيار السيسى لشريف لم يكن مرتبطا بالإعلان عن كشف شروق للغاز، ولكنه سابق على ذلك، وبحسب المعلومات فإن شريف إسماعيل علم باختياره قبل الإعلان الرسمى بأيام، وأن الرجل كان مستعدا بالملفات، ولكنه تكتم الأمر فهو رجل كتوم بطبعه، كما أن بعده عن الأضواء جعل الكثيرين لا يتوقعون مجيئه رئيسا للحكومة، ففى عز شائعات تورط عدد كبير من الوزراء فى قضية الزراعة أو بالأحرى تورطهم مع الوسيط محمد فودة لم يرد اسم وزير البترول، بل إن أحد الوزراء قال لزميله مندهشا إنه لم يكن الوحيد الذى قابل فودة، وأن وزير البترول قابله أكثر من مرة ومتصور معاه، وأضاف الوزير: «ما حدش جاب سيرة وزير البترول» فرد الوزير الآخر: ما حدش بيتوقف عند وزير البترول، الكلام والشائعات على الوزراء الكبار والمشهورين، ولكن السيسى توقف عند وزير البترول الرجل الهادئ والصامت، ولكن هل يمكن أن يكون صوت أعماله أعلى من كل الزيارات الشعبية لمحلب؟ وهل سيكون الصمت وقلة الكلام سمة ملازمة لرئيس الحكومة الجديدة ؟وهل تنتقل هذه السمة إلى وزرائه؟ هل ندحل عصر حكومة الصمت، وهل للعمل الجاد فى عالم السياسة صوتا يعلو عن صوت الشكاوى والإعلام وصخب الجولات؟
إجابة كل هذه التساؤلات تمثل بعض التحديات أمام رئيس الحكومة الجديد.