حسين معوض يكتب: لماذا يخاف الوزراء من مستشارى الرئيس؟
القرار الجمهورى رقم 60 لسنة 2015 منح المجالس التخصصية حق الرقابة السابقة على الجهاز التنفيذى
■ إجمالى رواتب 70 مستشاراً أقل من راتب رئيس بنك أو مدير صندوق استثمار
■ المستشارون «الكبار» ممنوعون من الظهور الإعلامى إلا بقرار مباشر من الرئيس
1- معركة وهمية بين الرقابيين والتنفيذيين
حاول البعض تصدير مشهد وجود معركة وهمية بين حكومة المهندس إبراهيم محلب المستقيلة والأجهزة الرقابية، ومن تلك الأجهزة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة والنيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات.. البعض ادعى أننا أمام حكومة نصفها فاسد على الأقل.. مقابل فريق آخر يدعى أن الوزراء ضحية أو كبش فداء.
المشهد المستهدف نشره يترك فى الذاكرة تصوراً واحداً يقول إن الأجهزة الرقابية طرف فى صراع، وهو تصور خاطئ بالطبع.. الأجهزة الرقابية سلطانها على الفاسدين فقط، وتوصياتها توضع تحت تصرف السلطة التنفيذية ولها أن تأخذ بها أو تتجاهلها.
السؤال الذى قد يبرر تصورات «صراع الرقابيين والتنفيذيين» هو: كيف أسقطت الرقابة الإدارية وزيرا فى السلطة؟ واجابة هذا السؤال فى الاجابة عن سؤال آخر: هل كان وزير الزراعة صلاح هلال هو اول وزير يفسد وهو فى السلطة حتى يقبض عليه وهو فى منصبه؟ بالطبع صلاح هلال ليس أول الوزراء الفاسدين.. ولكنه يمثل أول حالة فساد لا تتستر عليها السلطة السياسية العليا ممثلة فى رئاسة الجمهورية.. وبالطبع يتخذ الرئيس قراراته بعد الرجوع لمستشاريه، وكان رأى مستشار الرئيس لمكافحة الفساد اللواء محمد عمر هيبة هو ضرورة تخلى وزير الزراعة عن منصبه، وهو ما توافق مع إرادة الرئيس بعدم التستر على فاسد مهما كان منصبه.. كما كان للمستشار مصطفى حنفى المستشار القانونى للرئيس دور فى تأييد فكرة صدور بيان من النيابة العام لتهدئة الرأى العام تجاه قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة.. وهو بيان أوقف حرب تشويه السمعة التى طالت مسئولين ورجال أعمال وإعلاميين.
2- مطبخ مؤسسة الرئاسة
الأهم هنا هو دور المستشار.. أو «عين الرئيس» التى يتابع بها الملفات المختلفة، والمستشارون فى الرئاسة يمثلون اهم مطبخ سياسى بالطبع.
وخريطة المستشارين التى يحكم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لا تتجاوز حسب معلوماتى 70 مستشارا، منهم 5 مستشارين كبار، بالاضافة لـ 4 قيادات على قمة التنظيم الإدارى لمؤسسة الرئاسة.
شعر وزراء حكومة المهندس إبراهيم محلب المستقيلة بالدور الكبير لمستشارى الرئيس.. فقد تواصلت مؤسسة الرئاسة بشكل مباشر مع الأجهزة الرقابية، وتعددت لقاءات الرئيس برؤساء تلك الهيئات، وتلقت المؤسسة تقارير دورية عن «حالة الفساد فى دواوين الحكومة.. الارقام والوقائع دفعت الرئاسة الى تبنى سياسة الرقابة السابقة على قرارات الوزراء، خاصة فى ما يتعلق بالمشروعات القومية أو الجماهيرية..
كانت وسيلة مؤسسة الرئاسة هى تلقى تقارير المكاتب الفنية بمكاتب الوزراء، ثم عرض تلك التقارير على المستشارين، لترفع التوصية للرئيس قبل أن يصدر القرار الوزارى.
ربما تكون تلك الآلية هى سبب تحجم الفساد، وصيد الفاسدين بشكل اسهل، حتى وإن كان الفاسد وزيرا.. الأهم أن قواعد عمل المستشارين أو المجالس التخصصية التى يشرفون عليها لم تستسلم للبيروقراطية القاتلة والمعطلة والتى تأتى دائما بالقرارات بعد فوات الآوان وبعد أن يفقد القرار أهميته.
المستشار أو عضو المجالس التخصصية يستمد قوته من المؤسسة التى يتبعها، ويستخدم قراراً يفتح أمامه أبواب المعلومات، وهو القرار الجمهورى رقم 60 لسنة 2015، والخاص بانشاء المجالس المتخصصة أو التى يصطلح عليها شعبيا «الاستشارية».. وينص القرار الجمهورى على الاتى: «للمجالس التخصصية فى سبيل أداء مهامها أن تستعين بالمسئولين والخبراء والفنيين من كافة أجهزة الدولة، وعلى جميع الجهات المعنية تزويد المجالس التخصصية بما تطلبه منها من مستندات ومعلومات وبيانات تتصل باختصاصاتها. ويرفع كل مجلس تخصصى اقتراحاته وتوصياته للسيد رئيس الجمهورية، وتبلغ تلك المقترحات والتوصيات للوزارات والأجهزة المعنية لمعاونتها فى رسم سياساتها وممارسة أنشطتها.
صياغة القرار الجمهورى تجعل المستشار قادراً على الحصول على المعلومة من الوزارة التى يراقبها أو يهتم بها، وتجعله يصل لاستنتاجات من المعلومات التى تتوافر له بسهولة، ويرفع توصياته للرئاسة، وليس بينه وبين الرئيس وسيط، ثم ينقل توصياته ومقترحاته الى الوزارة أو الجهة المختصة لـ«معاونتها فى رسم سياستها وممارسة انشطتها».
3- الخمسة الكبار
وتختلف مستويات المستشارين داخل مؤسسة الرئاسة، فالهيئة الاستشارية أو «مطبخ الرئيس» حسب تعبير «غرف النميمة السياسة تضم 5 مستشارين رئيسيين، أو الخمسة الكبار وهم الدكتور طارق شوقى مستشار رئيس الجمهورية للتعليم ورئيس المجلس التخصصى للتعليم، والمشرف على المجالس المتخصصة التابعة لمؤسسة الرئاسة.
والمستشار مصطفى حنفى مستشار الرئيس للشئون القانونية.
واللواء أحمد جمال الدين، مستشار الرئيس للشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب.
والدكتورة فايزة أبو النجا مستشارة الرئيس لشئون الأمن القومى.
واللواء محمد عمر هيبة مستشار الرئيس لمكافحة الفساد.
ووظيفة المستشارين هى مراجعة القوانين والقرارات التى يصدرها رئيس الجمهورية أو يطلب منه إعداد مشروع قانون، ودور هؤلاء المستشارين ينتهى عند تقديم الاستشارة فقط، والملاحظ هو اختفاء المستشارين إعلاميا بشكل تام، ولديهم تعليمات بعدم الظهور إعلامياً الا بأمر شخصى من الرئيس، ومن أهم معايير اختيارهم عدم انتمائهم لحزب أو توجه سياسى.
ولعب المستشارون دورا بارزاً خلال الفترة الماضية، مثلا كان للواء أحمد جمال الدين دور كبير فى وضع خطة متكاملة لتأمين احتفالية قناة السويس الجديدة وهو ما أدى إلى خروجها بهذا الشكل.. كما كان للواء محمد عمر هيبة الذى كان يشغل منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية سابقا دور استشارى للرئيس وتوصيته كما قلت بضرورة تخلى وزير الزراعة عن منصبه، وهو ما يمثل نقلة نوعية فى تعامل السلطة مع فساد كبار رجال الدولة.
كما كان المستشار مصطفى حنفى من أيد فكرة صدور بيان من النيابة العام لتهدئة الرأى العام تجاه قضية الفساد الكبرى بوزارة الزراعة.. أما الدكتورة فايزة أبوالنجا على الرغم من اختصاصها كمستشارة فى الأمن القومى إلا أنها قدمت رؤية استشارية فى زيارات الرئيس خاصة للصين ورسيا ودول النمور الآسيوية.
المستشارون الأساسيون لهم مكاتب فى رئاسة الجمهورية خاصة الخمسة الكبار، ودائما ما يرافقون الرئيس حتى فى زياراته الخارجية، ولهم الحق فى اختيار عدد من المساعدين لتسهيل ممارسة مهامهم المطلوبة.. وتكلف لهم الحراسات والسيارات الخاصة.
واجتماع الرئيس بالمستشارين ليس له وقت محدد فهو مرتبط بالاوضاع داخل البلاد والقضايا الطارئة أو باستدعاء من الرئيس.. ولكن اللجان المتخصصة يكون الاجتماع شهرياً وقد يؤجل وترسل التقارير للرئيس بدون اجتماع.
وقد يكلف المستشار بصورة غير رسمية بزيارات لبعض الدول أو السفارات لايصال رسالة معينة، أو التمهيد لقدوم الرئيس أو مسئول لجس نبض الحكومة ومعرفة موقفها تجاه أى أمر من الأمور.
4- المجالس التخصصية
غالبا يعمل المستشارون من خلال اللجان التخصصية التابعة للرئاسة والتى صدر بها القرار الجمهورى رقم 60 لسنة 2015، ونفس القرار أجاز أن تنشأ مجالس اخرى.. والمجالس القائمة منها المجلس الاستشارى لعلماء وخبراء مصر، وعدد اعضائه 15 عضواً منهم الدكتور احمد زويل والدكتور فاروق الباز.. والمجلس التخصصى لتنمية المجتمع وفيه 15 عضوا، والمجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى وفيه 15 عضوا.. والمجلس التخصصى للتنمية الاقتصادية وفيه 15 عضوا.. والمجلس التخصصى للسياسة الخارجية والأمن القومى وفيه 15 عضوا.. ويشرف على تلك المجالس تنظيميا الدكتور طارق شوقى الأمين العام للمجالس التخصصية برئاسة الجمهورية.
ورغم التأكيد أن العمل فى تلك المجالس تطوعى الا أن البعض حاول أن يشغلنا بقضية رواتب المستشارين، وان عضو المجلس التخصصى يحصل على 6 آلاف جنيه شهريا، ومع افتراض عضوية 70 مستشاراً فى تلك المجالس يكون اجمالى ما يتقاضونه شهريا لا يتجاوز 420 الف جنيه، أو 5 ملايين جنيه سنويا، وهو رقم يوازى راتب موظف واحد كبير فى هيئات تابعة للدولة، أو نصف راتب رئيس بنك قطاع خاص.
بالطبع لا يمثل المستشارون قمة الهرم داخل مؤسسة الرئاسة، هناك هيكل إدارى داخل المؤسسة يضم شخصيات لها وزنها وكلمتها مؤثرة وقوية.