عبدالحفيظ سعد يكنب: «المديوكر».. المتهم الخفى فى قضية الفساد الكبرى فى وزارة الزراعة وتوابعها

مقالات الرأي



الإيقاع بالمسئولين والوزراء بوهم النفوذ وليس بالرشاوى الجنسية والمالية فقط

تطور جديد فى الربط بين وقائع قضايا الفساد الآن، بعد أن تحول «المديوكر» إلى البطل الجديد لقصص الفساد الكبرى.. واختفت الشخصيات التقليدية التى تلعب الدور البارز فى نوعية هذه القضايا، فلم يعد الوسيط أو المخلصاتى فى قضايا الفساد المالى، هو صاحب الشخصية التقليدية التى حكت عنها الوقائع السابقة، أو حتى سمعنا عنها فى الروايات والقصص، وتتلخص فى مجرد شخص مخلصاتى يعرض خدماته، من مال ونساء، ليتحول الآن إلى شخصية مختلفة تلعب على وتر مختلف، بعد أن يصنع لنفسه هالة أنه شخصية عامة مؤثرة صاحب علاقات ممتدة فى أوساط المال والإعلام وحتى السياسة، شخص يصنع لنفسه مكانة مصطنعة، تحوله لأسطورة فى العلاقات والجمع بين النقائض، بداية من صديق الفنانين والفنانات، المرافق لـ «قعدات» الكبار فى الفنادق الفخمة، وصولاً إلى صاحب نفوذ عند كبار السياسيين والوزراء.

شخصية «المديوكر»، لفظ يتردد فى الأوساط الفنية والثقافية، واستخدم للإشارة للشخصيات المصطنعة عديمة الموهبة، لكن بإمكانياتها المحدودة ونتيجة شبكة العلاقات التى يملكها، استطاع «المديوكر»، أن يوجد لنفسه مكانة، باستغلال شبكة علاقاته ومصالحه، ليضع نفسه فى صورة تفوق عشرات المرات إمكانياته الحقيقية، ويصبح فى مقدمة الصفوف، كمخرج أو ممثل أو حتى ناقد وكاتب، لدرجة يصير معها شخصية عامة.. وهكذا انتقل المفهوم وبنفس التشخيص من الفن والثقافة إلى السياسة وكواليس المال والإعمال، صار «المديوكر» ذو الإمكانيات المحدودة، مرشحا للبرلمان أو سياسيًا بارزًا، أو إعلامياً نافذًا، يسلك أى طريق حتى يتحول لمركز قوى، بعد أن يروج عن نفسه، أنه من أصحاب المقامات الرفيعة فى المال أو الفكر والثقافة، فبعض هؤلاء صعدوا مستشارين بجانب أكبر الشخصيات فى الدولة، دون أن يقدم، نجاحًا حقيقياً فى عمله المهنى أو العام، سواء الصورة التى استطاع أن يحشدها حولها نفسه بأنه خبير أو مثقف رفيع.. !

فى قضية الفساد الكبرى التى تتولاها جهات التحقيق الآن، والتى يظهر من الاتهام فيها حتى الآن.. وزير الزراعة صلاح هلال وأحد رجل الأعمال، ومحمد فودة، ظهرت شخصية «المديوكر» كبطل حقيقى فيها، رغم أن الأسماء المتهمة حتى الآن فى القضية كبيرة سواء من الوزراء أو مسئولين كبار، ورغم ذلك كانت شخصية «المديوكر» البطل الحقيقى، فى تلك القضية، طبقا للروايات التى تروجها الشائعات نتيجة حظر النشر المفروض من جهات التحقيق عليها.

لا يقتصر لفظ «المديوكر» فى تلك القضية على محمد فودة باعتباره الوسيط فى العملية، لكنه يتعداه لأسماء أخرى بدأت يتردد عن دورها فى وقائع الفساد فى تلك القضية أو قضايا أخرى، أو كشخصيات برزت على الساحة فى الفترة الأخيرة وتحولت لمراكز قوى فى السياسة والبيزنس والإعلام.

أصحاب الإمكانيات المحدودة الذين تجمعهم شلة ولهم مكان مميز يجتمعون فيه، كان الرابط بينهم فى هذه القضية محمد فودة، نموذج فريد لـ«المديوكر»، استطاع فى وقت قصيرة أن يعيد نفسه للحياة، رغم أنه اتهم فى قضية فساد سابقة بتقديم رشوة لمحافظ الجيزة السابق ماهر الجندى وحكم عليه فيها بالسجن 5 سنوات، كانت كفيلة بأن تقضى على أى ظهور آخر له، خاصة بما أحيط بها من فساد مالى وجنسى، فى ترويض مسئول سابق عمل فى السلك القضائى، ثم مسئول تنفيذى كبير، مثل ماهر الجندى.

اختار فودة شكلا جديداً يظهر به بعد قضية الفساد الأولى التى أطاحت به قبل سنوات، ليختلف عن ظهوره فى المرة الأولى فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، عندما عمل كمستشار لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، رغم أن مؤهله الدراسى دبلوم صنايع، لكنه استطاع أن يلتصق بفاروق حسنى وزير المثقفين، مما يضع عدة علامات استفهام!! ومن هنا بدأ يلعب على حاجة ناقصة لمحافظ كماهر الجندى، يريد أن يرى عالمًا مختلفًا من الفرفشة،! ليعوض بها سنوات عمله المتحفظة فى أروقة المحاكم.

فى الظهور الجديد لفودة، والذى ارتبط زمنيا بثورة 25 يناير، صنع فودة لنفسه «نيولوك» جديد، كشخصية إعلامية جديدة استطاعت بدائرة علاقاته وأمواله أن يحصل على لقب إعلامى، يفرض نفسه كنموذج رجل أعمال خيرى، تمهيداً أن يصعد لمقعد البرلمان، كما كان يخطط لنفسه أن يترشح عن دائرة زفتى مسقط رأسه.

ومن هنا بدأ فودة يجمع أوراق لعبة مختلفة، فى العالم الخفى لكواليس الأعمال والسياسة، مهدت لذلك أحداث كبرى حدثت مثل ثورة 25 يناير، كانت كفيلة أن تنسى الناس حقيقة أمره، لذلك اجتمع حوله مجموعة أخرى من «المديوكرات» من أوساط مختلفة رجال أعمال يتحسسون الخطى، رجال أمن سابقين، بالإضافة لشخصيات إعلامية وصحفية، تمتلك شبكة تواصل مع المسئولين والوزراء.

حالة التوافق بين أقطاب «الشلة»، كانت نتيجة طبيعية، لأنهم من ذات أصحاب منهج تخليص المصالح، أو أنهم من ذات المدرسة القائمة على رسم صورة مصطنعة لهم، نتيجة علاقاتهم، فلا عجب أنه فى نفس «قعدة» الفندق الفخم، تضم رجل الأعمال الشاب الذى ظهر قبل عدة سنوات فى عالم الشهرة والمال، بعد أن تزوج شرعياً، من المغنية الشهيرة، صاحبة «الواوا».

الزواج بين رجل الأعمال والمغنية المثيرة، لم يكن قائمًا على فكرة الانجذاب لفنانة أو نجمة، شغفت الجميع بأنوثتها، لكن رجل الأعمال الشاب، الذى لم يكشف حتى الآن عن سر أمواله، كان يريد أن يظهر على السطح كنجم، فاختار صناعة نجومية عن طريق الارتباط بالنجمة المشهورة، بعد أن أغدق عليها الأموال فى فرح أسطورى، كان كفيلا أن يبعد أى استفهامات عن طبيعة أمواله، أو المكانة التى احتلها فيما بعد، فمن يتزوج من مهيجة المشاعر من المحيط للخليج.

لذلك عندما انتهى عقد الزواج بين رجل الأعمال الشاب والمطربة المثيرة، كان أشبه بطرفة سياسة كان أحد أبطالها، خيرت الشاطر النائب الأول لمرشد الإخوان، والذى توثقت صلته برجل الأعمال الشاب الذى صار مالكا لوسائل إعلام، ومهندس صفقات سياسية واقتصادية، مع بداية حكم الإخوان نتيجة علاقاته بعراب البيزنس الإخوانى الجديد، المتمثل فى مجلس الأعمال القطرى، فكانت هناك عملية لصناعة رجل حديد جديد، بعد أن انتهت أسطورة رجل الحديد الخاص بلجنة السياسات مع ثورة 25 يناير.

طلب خيرت الشاطر من رجل الأعمال أن يتخلص من الفنانة صاحبة الكليبات العارية، فلا يليق به، وهو رجل أعمال شريك للإخوان أن يقترن اسمه بمطربة «كليبات» لذلك جاء الطلاق، بعد أن حصل رجل الأعمال على نصيبه من الشهرة التى أرادها، خاصة أنه اقترن بعهد حكم جديد مع الإخوان، والغريب أن الشاطر صاحب الكلمة الأولى فى الإخوان لم يسأل أول يستفسر عن سر أموال رجل الأعمال الشاب، كان المهم له الشكل بعدم اقتران أحد رجاله بفنانة مثيرة.. !

وحتى بعد أن تفجرت ثورة 30 يونيو، ضد حكم الإخوان لم يعانى رجل الأعمال الشاب، من أزمة أن يستمر مع تقليص جزء من أعماله، مستغلا بذلك علاقاته من خلال المؤسسات الإعلامية التى يملك نصيب منها، فى أن يحول نفسه مع الموجة الجديدة، ويتحول بها إلى عداء للإخوان، بعد أن يجمع حوله مجموعة من الشباب الذين ارتبطوا بتحركات 30 يونيو، وتمرد.

وانتقلت بعدها فكرة «قعدة» الشلة أو «المديوكراتس»، لمكان آخر فى أجنحة الفندق الفخيم، لتضم رجال أعمال وأصحاب نفوذ أمنى سابق، وإعلاميين، لتدير اللعبة بشكل مختلف، بوسائل غير تقليدية فى تخليص الأراضى، ورشوة المسئولين، لا تقتصر فقط على تقديم الرشاوى، بل تصنع للمسئولين وهماً أنهم سيبقون بعيداً عن المساءلة، لأن من يقف خلفهم أسماء لامعة من نخبة المجتمع، يعيشون ملاحقين للسلطة ملاصقة من، فلا عجب أن تجذب هذه «الشلة» لجلساتها أحد الوجوه الصاعدة بعد أن عمل متحدث رسميًا سابقًا فى مؤسسة سيادية، رغم أن وجوده معه كان كفيلا أن يطيح به خارج أسوار الحكم.

ورغم ذلك روجت «الشلة» أنه لا أحد يستطيع أن يقترب منها، وهى النظرية التى يستطيع «المديوكر» أن يوقع ضحاياه من المسئولين فيها، بعد أن يحيط نفسه بهالة من علاقته بالإعلام والنفوذ لدى السلطة، ليغير بذلك الأسلوب القديم، القائم على مجرد الرشاوى المالية والجنسية فقط، إلى الوهم بأنه محصن من قبل «المديوكر».