د. نصار عبدالله يكتب: رسالة من جامعة طنطا
حمل البريد الإلكترونى فى هذا الأسبوع رسالة متألمة من الأستاذ الدكتور مجدى الجزيرى، أستاذ الفلسفة المتفرغ بكلية الآداب بجامعة طنطا وصاحب الدراسات المتميزة فى مجال فلسفة الفن والتاريخ والحضارة، ولاشك أن من حق كل أستاذ كما يقول الدكتور الجزيرى أن يفخر بجامعته ويتباهى بها إذا وجد فيها ما يدعو إلى الفخر، ومن حقه أيضا أن يحزن ويكتئب إذا ما وجد نفسه فى ظل أوضاع لا تدعو إلى الفخر، بعيدة كل البعد عما كان يحلم به طه حسين فى مؤلفه الرائد «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى صدر عام 1928 وهو نفس العام الذى تأسست فيه فيما يلاحظ الدكتور الجزيرى جماعة الإخوان المسلمين التى خرجت من عباءتها فيما بعد سائر الجماعات الإرهابية!!. إن الجامعة كما ذكر عميد الأدب العربى: « لا يتكون فيها العالم وحده، وإنما يتكون الرجل المثقف المتحضر الذى لا يكفيه أن يكون مثقفا، بل يكون مصدراً للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرا بل يعنيه أن يكون منتجاً للحضارة، فإذا قصرت الجامعة عن تحقيق هاتين الخصلتين، فليست خليقة أن تكون جامعة، وإنما هى مدرسة من المدارس المتواضعة، وما أكثرها، وليست خليقة أن تكون مشرق النور للوطن الذى تقوم به» انتهى كلام الدكتور طه حسين.. لكن ما أبعد الكثير من جامعاتنا الراهنة عن أن تكون كذلك، وما جامعة طنطا إلا مثال واحد لذلك، مثال قد ابتعد ابتعادا كبيرا عن جوهر الرسالة التنويرية التى كان من المأمول أن تنهض بها، فبدلا من أن تكون الجامعة منبرا للنور والبحث والتقدم، إذا بكبار مسئوليها يحولونها إلى ساحة للتكالب على المناصب الإدارية والمكاتب المكيفة والسيارات الفارهة، وإذا بساحتها تتحول فى مجملها إلى سوق احتكارية لبيع الكتب والمذكرات، وإذا بالكثيرين من الأساتذة بها (ربما أغلبهم) لم يعد يعنيهم سوى الظفر بأكبر نصيب منها لتسويق مذكراتهم، ثم تلقين الطلاب وتحفيظهم ما ورد فيها !، وإذا كان البعض قد انتابهم قدرما من التفاؤل بمستقبل أفضل للجامعة فى أعقاب ثورتى يناير ويونيو، فإن الدكتور الجزيرى وهو واحد من الذين تفاءلوا كثيرا يرى أنه الآن مطالب بالاعتذار عن تفاؤله!، بعد أن تابع مسار الجامعة الذى كشف بوضوح أنها تنطوى على الكثير من الخلايا الإخوانية النائمة، بل الخلايا اليقظة التى لا ندرى من أين على وجه التحديد تستمد جرأتها فى الإعلان عن توجهاتها دون تهيب أو خجل، يكفى فى هذا المجال أن نذكر أن الجامعة بدلا من أن تكرم رموز الفن والفكر والثقافة والبحث العلمى قد قامت بتكريم عضو الجماعة الإرهابية «سعد الحسينى» عندما كان محافظا لكفر الشيخ!!، ويكفى أيضا والكلام مازال للدكتور الجزيرى أن أحد كبار المسئولين بالجامعة يتباهى طبقا لما نشر فى الصحف بأنه من تلامذة خيرت الشاطر!، فإذا كان ما نشر فى الصحف غير صحيح وجب على المسئول الكبير أن يكذب ما نشر وأن يقاضيها لتشويهها لصورته، وإن كان صحيحا وجب عليه أن يعتذر للكافة عن هذه السقطة (هى واقعة إن صحت فهى سقطة لاشك فيها لأنه لا يجوز لأستاذ جامعى أن يروج لرموز توجه سياسى معين أيا ما كان هذا التوجه، وسواء كانت رموزه فى مقاعد السلطة أو فى غياهب السجون، والكلام هنا لكاتب هذه السطور وليس للدكتور الجزيرى)، كذلك فإنه مما يدعو إلى الأسى طبقا لما ورد فى رسالة الدكتور مجدى هو التوسع الكبير الذى توسعت به جامعة طنطا فى قبول طلبة الأزهر بالدراسات العليا بكلية الآداب، ثم مبادرتها للرد على ما نشرته الصحافة المصرية فى هذا الصدد!!. صحيح أنه لا يخفى على أحد جهود الأزهر المشكورة فى تعديل مناهجه وتنقيتها وتخليصها من الأفكار التراثية المغلوطة بما تتضمنه من تطرف وعنف وتشدد، لكن هذه الجهود يصعب أن تأتى ثمارها بين يوم وليلة فيما يلاحظ الدكتور الجزيرى، وبالتالى فإن استكمال طلبة الأزهر لدراستهم العليا بكلية الآداب محملين ببعض الأفكار قد يشكل خطورة على فكر ووجدان طلاب كلية الآداب، خاصة أن الأزهر رغم وسطيته التى يسعى جاهدا إلى تأكيدها مازال إلى يومنا هذا مرتعا خصبا للسلفية المتشددة فى أكثر صورها تشددا.. . ذلك كله قليل من كثير مما حفلت به رسالة الدكتور الجزيرى مما سمح به الحيز المتاح، ولعلنا نعود مرة أخرى إلى التطرق إلى أوضاع الجامعات المصرية من خلال رسالة الدكتور الجزيرى التى وضعت أصابعنا على كثير من الجراح.