عادل حمودة يكتب: الثلاثة الكبار فى قضية رشوة الزراعة
الراشى.. أيمن الجميل
■ إمبراطور القمح والذرة وشاحنات النقل بالمقطورات ■ والده تقاعد عميد طيار ليستورد الغلال عبر شركته
فى دمياط.. وتقرب من السلطة بالترشح لمجلس الشعب أيام مبارك
■ النظام ينفذ وعده: لا تستر على فاسد ولو كان وزيرا
■ عائلته تمتلك 3 طائرات خاصة وثروتها تنافس ثروة أحمد عز ونجيب ساويرس
■ يعيش فى قصر خرافى فى التجمع الخامس ويصيف فى قصر آخر فى هاسيندا ■ خُدع فى شلة الإعلاميين الذين معه فى الفورسيزونز..
■ يعيش فى قصر خرافى فى التجمع الخامس ويصيف فى قصر آخر فى هاسيندا ■ خُدع فى شلة الإعلاميين الذين معه فى الفورسيزونز..
وتخيل أن قربهم من الرئاسة يحميه من الوقوع فى الفخ
■ الأجهزة الرقابية تسترد عافيتها بعد أن كانت أداة سياسية للبطش بمعارضى النظام!
■ السادات ألغى الرقابة الإدارية بنصيحة من صهره عثمان أحمد عثمان ومبارك أعادها بشرط ألا تتابع المسئولين الكبار إلا بأمره
الوسيط.. محمد فودة
■ ذئب إفساد الوزراء والمحافظين ورجال الأعمال ■ سجن فى قضية سابقة 3 سنوات ودفع هو وزوجته غرامة 3 ملايين جنيه
■ ظهر بعد ثورة يناير مدعيا أن نظام مبارك فبرك قضيته واندمج فى تمثيل دور البرىء بغسل الكعبة بدموعه
■ عاش حياة الأثرياء عامين فى الفورسيزونز وطلق غادة عبدالرازق 3 مرات ■ أكثر من هاجم الفساد فى مقالات يومية.. واستعد لترشح نفسه فى الانتخابات
يبدو أن بحر الثروة بلا شواطئ تحدده وتحجمه وتروضه وتشل تمدده وتوسعه.
بحر الثروة لا يرفض الزيادة.
قضية رجل الأعمال أيمن محمد رفعت عبده الجميل تثبت ذلك.
ولد وسط منجم من الماس.. والده رفعت الجميل تقاعد من القوات الجوية برتبة عميد ليبدأ مشوار استيراد الحبوب.. خاصة القمح والذرة.. وفى سنوات قليلة أصبح ملكا فى دمياط.. منفضا نفسه من سلطة غربت كان فيها عضوا فى مجلس الشعب عن الحزب الوطنى.. متربصا بسلطة جديدة ربما يدخل إليها من بوابة المركز اللوجستى للغلال الذى ينفذه فى محافظته دمياط وزير التموين الدكتور خالد حنفى فى تأسيس المركز اللوجستى.
وتمتلك العائلة أكبر أسطول لشاحنات النقل بالمقطورات.. وكانت وراء اللوبى الذى وقف ضد منع المقطورات تجنبا لخطرها بعد أن طالب مجلس شعب سابق بذلك.
ونجح ولده أيمن فى أن يوسع تجارة الحبوب لتمتد إلى دول عربية ثرية فى الخليج.. ضاعفت من حجم الثروة الموروثة.. وبعد سنوات نجح فى نقلها إلى خانة المليارات الثقيلة.. منافسا شخصيات مثل نجيب ساويرس وأحمد عز وإن فضل أن يكون بعيدا عن الضوء.. مكتفيا بأعمال خيرية فى مسقط رأسه.. بناء مدرسة.. دورة رياضية.. تكريم أسر شهداء الثورة.. مثلا.
ولا يعرف أحد أنه يمتلك أكبر طائرة خاصة فى مصر.. بجانب طائرتين تحت أمر العائلة للإقلاع فى اللحظة التى تحددها.. ليل نهار.
ويمتلك أيضا قصرا شتويا يصعب وصفه فى القاهرة الجديدة.. وقصرا صيفيا يصعب تقديره فى هاسيندا.. قرية حما جمال مبارك فى الساحل الشمالى.
إن أمواله لو وضعت فى صوامع غلال لنافست ما يستورد من حبوب.. فما الذى يدفعه إلى دفع رشوة للحصول على 2500 فدان فى طريق وادى النطرون.. ليس فى حاجة ملحة إليها؟
سؤال تصعب جدا الإجابة عنه.. هل السبب المزيد من الطمع؟.. هل سهولة الحصول على ما يريد؟ هل هو البحر الذى يحلم بأن يصبح محيطا.. والشجرة التى تسعى إلى أن تكون غابة.. والفيل الذى يتمنى أن يتجاوز الديناصور ولو انقرض مثله؟
ربما.. كان السبب غواية المرتشى أو سمسرة الوسيط.. تورطان الراشى فى جريمة تفقده سمعته قبل أن تضيف إلى مكاسبه.
وغالبا ما يلعب الوسيط دور الشيطان.. يسهل الخطيئة.. ويوسوس لكل الأطراف.. ويدفعهم إلى جهنم.. وهم يتخيلون أنفسهم فى الجنة.
وأنا لا أعرف أيمن الجميل شخصيا.. ربما رأيته مرة عابرا.. لكننى.. لم أتذكره حتى عندما عدت إلى صوره على شبكة الإنترنت.. على أن ما جمعت عنه من معلومات قدمها مقربون منه تؤكد أنه شخص فطن.. ليس ساذجا.. يصعب توريطه.. فهل تجاوزت شخصية محمد فودة دفاعاته؟
محمد فودة.. هو وسيط الرشوة بين أيمن الجميل وبين المتهمين بتلقى الرشوة (وزير الزراعة صلاح الدين هلال ومدير مكتبه محمد سعيد قدح).. هو شخصية ليست فوق مستوى الشبهات.. سبق الحكم عليه فى قضية فساد سابقة.. أخذ معه فيها مستشارا ومحافظا سابقا للغربية والجيزة هو ماهر الجندى.. مقابل.. قطع قماش.. ووجبات من الكباب والكفتة.
حكم على فودة عام 1997 بالسجن ثلاث سنوات وغرامة ثلاثة ملايين و167 ألف جنيه سددها هو وزوجته رانيا طلعت السيد.
وبعد الإفراج عنه وجد أن الاختفاء فى ظلام بلدته زفتى الحل المثالى.. لكنه.. عاد إلى الظهور بعد ثورة يناير 2011 معتمدا على أن النظام الذى أدانه سقط.. والرأى العام الذى تابع قضيته يعانى من ضعف الذاكرة.
وقد فوجئت بزواجه من الفنانة غادة عبدالرازق.. ورغم أنها طلقت منه فإنها شعرت بانقباض فى قلبها عندما سمعت بخبر القبض عليه وهى تقضى إجازة فى إسبانيا.. بجانب شعورها بالقلق.. فالعيار الذى لا يصيب يدوش.. ونصف الطلب على أعمال النجم صورته فى عيون مشاهديه.
نجح فودة -الحاصل على دبلوم صنايع- فى غزو قلب نجمة من نجمات الصف الأول.. كما نجح فى أن يكون مستشارا إعلاميا لفضائيات وجرائد.. بل.. ونجح فى كتابة مقال يومى أجرأ ما فيه هجومه على الفساد.. وتقييمه للمحافظين والوزراء.. ولنقرأ عينات منها:
«القمامة تهز عرش المحافظ وتفضح فساد المحليات».. «غادة والى وزيرة المساعدات والتصريحات الوردية».. «مصطفى مدبولى يد تبنى.. ويد تعيد الاعتبار للمرافق معا».. «حسام كمال الطيار الذى أقلع بمصر للطيران نحو التفوق».. «وزير السياحة قليل الكلام قليل العمل».. «شبح الفساد يطارد مشروعات رجال الأعمال».. «الفساد الإدارى حجر عثرة أمام التنمية».. «محافظو الشو الإعلامى يغتالون حقوق المواطن البسيط».. فعلا.. إذا لم تستحى فأكتب ما شئت.
وقد صدم بعض من صاحبوه فى القبض عليه.. لا أحد منهم صدق أن «الرجل الذى غسل الكعبة بدموعه أكثر من مرة يمكن أن يفعل ما فعل».. وعندما ذكرته بقضيته السابقة التى سجن بسببها كانت شماعة تلفيق نظام مبارك القضايا شماعة جاهزة.
وبما جمع فودة من ثروة فى سنوات ما بعد الثورة وجد من المناسب الإقامة فى واحد من أفخم فنادق القاهرة (فورسيزونز جاردن سيتى) لمدة تزيد على السنتين ليوحى بأنه واحد من كبار القوم.. جاذبا شخصيات سياسية وإعلامية ــ بجانب رجال أعمال ــ إلى مجلسه اليومى.. كان من بينهم أيمن الجميل.
ولا أعرف كيف أقيم موقف الصحفيين المحترفين الذين اعترفوا بأنه خدعهم؟ هل خدرت غدة البحث عن الحقيقة فتوقفت عن الإفراز؟ ما الذى خدرها؟ ولو كان غيرهم تورط فى مثل هذه العلاقة هل كانوا سيتسامحون معه؟ هل كانوا سيقبلون بعذر الغش والبلف والسذاجة والخديعة ببساطة وسهولة؟
لكن.. السؤال الأهم: ألا ينكوى بنار الحداد من يقترب منه ويتعامل معه؟
إننى لا أدين أحدا.. ولا أحاسب أحدا.. لكن.. التربص المزمن بأهل الكلمة والصورة ووضعهم جميعا فى سلة واحدة يفرض علينا جميعا الحذر.
ولا شك أن أيمن الجميل شعر بالاطمئنان لوجوده وسط شخصيات شهيرة تدعوها الرئاسة لحضور مناسباتها الرسمية.. فهل يشك فى أنهم تحت المراقبة.. أو يتوقع أن يصاب بسوء وهم حوله؟
إن هذه النقطة بالذات أهم ما فى القضية التى لا تزال قيد التحقيق.. لا أحد فوق المحاسبة.. صحفى.. رجل أعمال.. بل ووزير أيضا.. الفاسد يقضى الشتاء فى سجن طرة أو أبوزعبل بعد أن كان يصيف فى مارينا أو هاسيندا.
وقد تصور الجميل أن تبرع عائلته لصندوق «تحيا مصر» بمائة وخمسين مليون جنيه يحمى تصرفاته غير القانونية.. ويضعه فى قائمة الشخصيات التى لا تمس.. وتصوره ولا شك قديم.. فقد صلاحيته.. فلا أحد ضربه على يده ليتبرع.. ولا ما تبرع به وضع فى جيب أحد فى الدولة.
لو كان التبرع حصانة فإنه يصبح فى هذه الحالة رشوة.. وورطة.. لا مساهمة ومساندة للدولة.
سمعت من محامى رجل أعمال موهوب فى التنقل من نظام إلى نظام أنه قال بعد أن سمع عن القضية: «يا نهار اسود يعنى كل ما أنفقت من ملايين فى هذا الاتجاه.. لن يحمينى! النظام فعلا تغير».
وحسب ما سمعت من نفس المحامى: إن الجميل يمكن أن يخرج من القضية ــ كالشعرة من العجين ــ ولو ثبتت التهمة عليه.. سيلجأ دفاعه إلى المادة (107 مكرر من قانون العقوبات) التى تعفى الراشى والوسيط من العقوبة إذا ما أخبر السلطات عن الجريمة أو اعترف بها.
ولا شك أن هذه المادة تفتح بوابات عريضة أمام الفاسدين بتقديم الرشوة للفرار من العقوبة بينما يدفع من تلقاها الثمن كاملا.
إن الراشى والمرتشى كلاهما فى النار.. حسب الشريعة.. لكن.. القانون يفرق بينهما فى مادة يجب أن تلغى لو كنا نريد توسيع دائرة الحرب على الفساد إلى كل الجهات.
وأتصور أن الحالة الوحيدة التى يمكن فيها قبول هذه المادة أن يبلغ الراشى أو الوسيط عن الجريمة قبل وقوعها لضبط الراشى وليس بعد القبض على الجميع.
إن الفساد سرطان يزيد من تكاليف الإنتاج.. ويحرم البلاد من الاستثمار.. ويلطخ سمعة البلاد.. ويشوه صورة الحكم.
لقد تزايد الفساد فى مصر سنة بعد أخرى.. حسب منظمة الشفافية الدولية كان ترتيب مصر فى النزاهة عام 2006 رقم (70) فى قائمة تضم (180) دولة.. قفز بعد سنة إلى رقم (105) وأصيب بالجنون عام 2008 ليصل إلى رقم (115).. وواصل صعوده حتى توقف قليلا بعد ثورة يناير.. لكنه.. عاد على ما يبدو إلى سيرته القديمة وإن استشرى أكثر فى الطبقات المتوسطة والصغيرة.. فالنيابة الإدارية وحدها تقر بوجود 70 ألف قضية عام 2014.
والضربة القاضية فى القضية القبض على وزير الزراعة وحبسه على ذمة التحقيقات التى تجريها النيابة العامة.
لقد سألت رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب يوم الثلاثاء قبل الماضى عن القضية فأكد أنه لا يعرف عنها شيئا.. مضيفا: «إنه لا يسأل الجهات المختصة عما تفعل».. لكنه.. استرد قائلا «لن نتستر على فاسد مهما كان».. وعندما قاطعته متسائلا: «ولو كان المتهم وزيرا؟».. أجاب بنفس الحماس: «حتى لو كان وزيرا».
بعد أقل من أسبوع صدق رئيس الحكومة ووقع وزير الزراعة فى شر أعماله.. فى سابقة لم تحدث من قبل.. أن يقبض على وزير بعد عشر دقائق من إقالته.. وربما سنشهد محاكمته.. ليثق الجميع أن النظام تغير.. وأصبح ينفذ ما يعلن.. دون تردد.
والحقيقة أننى لم أتخيل أننا سنشهد يوما لا يفرق فيه النظام بين فاسد كبير وفاسد صغير.. بين فاسد فى السلطة وفاسد خارجها.. بين فاسد مرضى عنه وفاسد مغضوب عليه.
كنا فيما قبل.. نتحدث عن قانون يحاكم الوزراء فيسخرون منا.. «المياه لا تجرى فى العالى».. «النظام يؤمن بقاعدة إذا بليتم فاستتروا».. وربما «يقبل الإقالة ولكن لا يقبل الزنزانة».
بل.. أكثر من ذلك.. كنا إذا ما كشفنا قضية فساد ــ لوزير أو كبير ــ يخرج المذنب لنا لسانه.. ويذهب بنا إلى النيابات والجنايات.. وأكبر دليل على ذلك معاركنا الطويلة والصعبة ضد وزير الإسكان والتعمير والمرافق إبراهيم سليمان.. قدمنا مستندات دامغة تدينه وهو فى السلطة فأقسم برأس أبيه أن يسجنا.. وقدم ضدنا بلاغات فى النيابة العامة.. عرضتنا إلى ساعات طويلة من التحقيقات.. انتهت بمذكرة طلب فيها المحقق تحويل الوزير إلى الجنايات بعد أن ثبت صحة ما أدعينا.. ولكن.. الملف وضع فى الدرج حتى خرج الوزير من منصبه.. فحفظت القضية ضدنا.
وعندما فتحنا ــ لأول مرة- ملف البياضية التى استولى عليها حسين سالم فى الأقصر بتوقيع وزير الزراعة الأسبق يوسف والى ورئيس الحكومة وقتها عاطف عبيد وجدنا جهات شديدة الأهمية وشديدة الحساسية تطلب منا الاعتذار للرجل الذى أوصل غاز مصر إلى إسرائيل.. وعندما رفضنا.. وجدنا قضية جاهزة فى انتظارنا.
ولم يخل الأمر من حملات تشهير لتحطيم الشخصية واستخدمت الإعلانات ثمنا لدخول صحف حزبية وخاصة ضدنا.. وكانت القاعدة الشهيرة للضرب تحت الحزام: «العاهرة تلهيك وما فيها يصبح فيك».
إن كثيرا من ملفات الفساد فى الأجهزة فتحت بتحقيقات صحفية نشرناها.. لكن.. لا أحد أعطى تلك الأجهزة الضوء الأخضر للتحرى والتقصى والتحقيق والمحاكمة.. كان الضوء الأحمر الضوء الوحيد الموجه إليها.. وربما.. لذلك السبب فسد بعض الرجال فى تلك الأجهزة.. فما دام الحصول على التفاحة «الحرام» لا يطرد أحدا من الجنة.. فلما لا يقتنص منها قطعة؟
لقد كان محرما على الرقابة الإدارية مثلا أن ترصد فساد وزير قبل أن تستئذن الرئيس.. ولو مارست وظيفتها وسجلت لوزير مكالمات فساده فإن المسئول عنها يعاقب بترك منصبه.. كما حدث مع اللواء أحمد عبدالرحمن.. ومن سخرية الأقدار أن الذى أبلغه بإقالته وزير لم يكن فوق مستوى الشبهات.
بل.. حدث فيما قبل.. أن نصح عثمان أحمد عثمان صهره أنور السادات بإلغاء الرقابة الإدارية.. فاستجاب للنصيحة.
وحدث فى شهور حكم الإخوان أن استخدمت أجهزة ما مثل «الكسب غير المشروع» فى تصفية الحسابات مع المعارضين أو لابتزاز رجال الأعمال لا يستجيبون لمطالبهم.
كل ذلك.. جمد هذه الأجهزة.. وأصابها بالشلل.. لتصبح فى النهاية «ثلاجة» عملاقة تحفظ كل ملفات الفساد التى تعبت فيها.. وتنتظر إذنا لا يأتى بالتطهير.
والحالة الوحيدة التى تفتح فيها ملفا ما.. أن يخرج الوزير عن طوع النظام.. ساعتها يكون الهدف التشهير.
والنموذج المثالى هنا قضية وزير المالية الأسبق محيى الدين الغريب الذى ثبتت براءته بعد أن حوكم وسجن وتمزقت سمعته فى الصحف والمقاهى والمجالس.
وأغلب الظن.. أن وزير الزراعة الذى يحقق معه الآن هو أول وزير نصدق أن ما يتعرض له ليس عقابا أو انتقاما لتجاوز حدوده مع النظام.. وإنما هو متهم فى قضية حقيقية تكمل النيابة العامة أركانها قبل إحالتها.
والحقيقة.. أن وزارة الزراعة متخمة بعشرات الملفات العفنة.. فأغلب المنتجعات السكانية على الطرق الصحراوية شيدت على أراض بيعت برخص التراب لزراعتها قمحا وعدسا وليس أسمنتا.
وحدث أن نشرت مستندات تسجيل قصور أحمد نظيف فى منتجع النخيل وتساءلت: كيف رضى وهو رئيس حكومة أن تتحول أراضى مستصلحة إلى مشروعات إسكانية وفرق السعر يصل إلى مليارات بين الاستخدامين، فكان رده: «نحن فى النخيل نزرع بلحا لمن يريد أن يأكل».. دون أن يشرح بخفة ظله التى انقلبت عليه فيما بعد ما الذى يفعله بالنوى.
وللفساد السرطانى فى وزارة الزراعة طالت الشائعات التى تناثرت حول القضية الأخيرة أكثر من السابق للزراعة بجانب الوزير الحالى الذى نشرت الصحف صورا له وهو يقرأ القرآن فى مسجد.. ربما التقطت فى شهر رمضان بعد صلاة التراويح.
وليس فى نشر الصورة ما يثير الدهشة.. فأحيانا.. نجد الفساد متسترا بالدين.. بل.. فى نفس القضية.. وحسب بيان النيابة العامة نجد أن الرشاوى التى قدمت للمتهمين فيها ما يدعم ذلك.. دفع فاتورة إفطار فى رمضان تكلف أكثر من 14 ألف جنيه.. ودعوات حج لنحو 16 فردا لأداء فريضة الحج بتكلفة 70 ألف ريال لكل فرد.. بجانب رشاوى رياضية وعقارية ومالية وتليفونى محمول وملابس على الموضة وعضوية النادى الأهلى فيما يمكن وصفه بتنوع مصادر الرشوة.. وللخلط المتعمد بينها وبين الهدايا.
ولا شك.. أن حظر النشر فى القضية فتح الباب أمام اجتهادات وشائعات طالت غالبية الوزراء وبعض الإعلاميين.. وساعدت على مضاعفة الخيال شبكات التواصل الاجتماعى التى تنشر بلا تحفظ.. دون أن تحاسب.. خاصة التى تبث من الخارج.
وربما.. لهذا السبب ناشدت جهات التحقيق أن تصدر بيانات تفرز الغث من السمين على أن نلتزم بنشرها دون التحرر من حظر النشر.. وتفضل النائب العام واستجاب للطلب بالبيان الذى صدر عصر يوم الاثنين الماضى.
وفى نفس اليوم نشرت مواقع صحفية أن رئيس الحكومة يجرى تعديلا وزاريا ويقابل المرشحين فى مكان لم يحدد.. وعندما سألته تليفونيا لم ينكر التعديل الوزارى وإن أنكر التعجل فى إجرائه. مضيفا إنه سيؤجله إلى ما بعد عودته من تونس لحضور اجتماعات اللجنة العليا المشتركة مع مصر.
ووافقنى رئيس الحكومة على أن يأتى التعديل الوزارى بعد بيان النيابة حتى لا يتهم الوزراء الذين سيشملهم التعديل بالتورط فى القضية كما يشاع.
لقد طهرت السلطة السياسية نفسها من فساد سعت بنفسها للتخلص منه.. لتفوز بتأييد شعبى طال انتظاره.. والأهم.. أن غالبية أصحاب المنتجعات السكنية سيتعلمون الدرس ويذهبون بأقدامهم لتوفيق أوضاعهم.. فمن لا يرضى بالخوخ يرضى بشرابه.