مى سمير تكتب: الأصول الإخوانية لـ«داعش»

مقالات الرأي



الجماعة تهدف منذ تأسيسها إلى الاستيلاء

على الدولة.. وسيد قطب مصدر الإلهام الرئيسى

إذا لم تقدم الجماعات السلفية الدعم المالى واللوجستى المباشر لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الارهابية، فهى على الأقل تمهد الطريق لانتشار الفكر الداعشى وتخلق بيئة خصبة لتجنيد أعضاء جدد للتنظيم.

هكذا أكد الباحث الأمريكى كولن بونزل فى بحث نشره معهد بروكينجز الأمريكى والمتخصص فى علاقة الولايات الأمريكية بالعالم الإسلامى، وذلك بعنوان «من دولة على ورق إلى الخلافة: أيديولوجية الدولة الإسلامية»، الذى يرى أنه يجب النظر إلى أيديولوجية التنظيم على مستويين، الأول هو الجهادية السلفية التى تعد بمثابة المدرسة الرئيسية التى ينبع منها تنظيم داعش، والثانى توجهات داعش كتنظيم متشدد داخل المدرسة السلفية.

1- خطاب للبغدادى يضع البذرة الأولى للتنظيم الإرهابى

تتضح العلاقة بين داعش والحركة السلفية فى خطاب أبوعمر البغدادى، زعيم تنظيم الدولة الاسلامية فى العراق، فى 2007، عندما دعا المجاهدين السنة والسلفيين والسلفية الجهادية على وجه الخصوص فى مختلف أنحاء العالم للانضمام إليه.

ويرى الباحث أن أيديولوجية التنظيم كما تنبع من الحركة السلفية بشكل عام، تنبثق أيضاً من جماعة الإخوان، التى تهدف منذ تأسيسها على يد حسن البنا فى عام 1928 إلى الاستيلاء على الدولة، مع ملاحظة أن الجماعة لم تتمتع على مدار تاريخها بنفس الدقة المذهبية التى يتسم بها التكفيريون الحاليون.

أما الرافد الثانى لأيديولوجية داعش، فيتمثل فى التيار السلفى، حيث تلجأ الجماعات السلفية العنيفة لاستخدام الاستقطاب كأساس لخلق حالة من التطرف الدينى السنى الذى يتصدى لأى نظام غير مسلم وبالأحرى أى نظام غير سلفى، بالنسبة للسلفيين فإن الاسلام هو صانع الهوية الطائفية وأداة للتعبئة الفعالة ومصدر للراحة الروحية فى زمن الحرب.

لجأ الدعاة السلفيون فى مختلف أنحاء العالم العربى إلى الضغط على فكرة الطائفية السنية والدفاع عنها من أجل مواجهة الشيعة، وانطلاقا من نفس أرضية الأيديولوجية السلفية انطلق تنظيم داعش سواء فى العراق حيث مواجهة الحكومة الشيعية أو فى سوريا لمواجهة نظام بشار الأسد العلوى.

2- سيد قطب مصدر إلهام المدرسة الإرهابية

فى العقود الأخيرة من القرن العشرين شهد الشرق الأوسط العربى صعود الجماعات الإسلامية العنيفة المتأثرة بالإخوان والسلفيين، مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية فى مصر، والجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال فى الجزائر.

أيديولوجيا، كانت أفكار سيد قطب هى مصدر الإلهام الرئيسى لهذه الجماعات، حيث استهدفت الإطاحة بالحكومات القائمة واستبدالها بدولة إسلامية، وتبنى تنظيم القاعدة نفس الأيديولوجية ولكن مع استراتيجية مختلفة، حيث اعتبر أن استهداف الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة الخطوة الأولى لإنشاء دولة إسلامية فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتزامن مع تصاعد هذه التنظيمات الارهابية والمتطرفة ظهرت شبكة من العلماء المستقلين الذين قدموا المادة العقائدية للحركة التكفيرية الناشئة.

من هؤلاء الداعية الأردنى ذو الأصول الفلسطينية، أبومحمد المقدسى، أحد أشهر دعاة السلفية فى الأردن الذى يعد أستاذ ومعلم أبومصعب الزرقاوى مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق، هو فرع القاعدة فى العراق الذى تحول فيما بعد إلى تنظيم داعش. وساهم الداعية السورى أبوبصير الطرطوسى، بقوة فى تأسيس داعش وتحديد توجهاتها وسياستها.

وتؤكد الدراسة أن هؤلاء الدعاة السلفيين تأثروا فى بداياتهم بأفكار سيد قطب، لكنهم بمرور الوقت نجحوا فى صناعة فكر وتوجه خاص بهم، واستطاعوا تأسيس الجهادية السلفية التى تظهر بوضوح فى تنظيم داعش الذى يتبنى واحداً من أكثر التوجهات عنفاً ودموية فى تاريخ التنظيمات الإرهابية.

3- داعش أكثر التزاماً بتطبيق أفكار السلفيين

لا يؤمن تنظيم داعش بالهوادة فى تطبيق العقيدة السلفية، ويعزز مبدأ عدم الرحمة الذى يقوم عليه الفكر السلفى، وقد يرجع الالتزام الداعشى المطلق بالسلفية إلى حقيقة أن مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق، أبومصعب الزرقاوى كان تلميذاً نجيباً فى مدرسة المقدسى، أما أبوعمر البغدادى ونائبه أبوأيوب المصرى القائدان الأولان لتنظيم الدولة فى العراق واللذان توليا إدارة التنظيم بعد الزرقاوى وقبل أبوبكر البغدادى، فهما من البداية ينتميان للتيار السلفى، وكانت خطابات البغدادى والمصرى تدعو لتأسيس السلطة السلفية.

وتشير تقارير إلى حرص المتحدث الرسمى الحالى باسم داعش، أبومحمد العدنانى، على تدريس التعاليم السلفية لبقية أعضاء التنظيم، وبمراجعة خطب قادة داعش وبيانات التنظيم، سيتم العثور على كثير من العبارات المستوحاة من الفكر السلفى.

وعلى المستوى التقليدى، تطبق التنظيمات الإرهابية، بما فيها القاعدة ما يعرف باسم الجهاد الدفاعى، حيث تعتقد أنها تدافع عن الدول الاسلامية ضد الهجوم العلمانى الملحد، ويؤمن داعش بتلك الفكرة التى ظهرت فى خطاب لأبوعمر البغدادى فى عام 2007 الذى قال فيه إن «حكام بلاد المسلمين خونة، غير مؤمنين، كاذبون، مخادعون، ومجرمون، وقتالهم أكثر أهمية من قتال الصليبيين المحتلين».

وإلى جانب عقيدة الجهاد الدفاعى، يتبنى داعش ما يمكن وصفه بالجهادية الهجومية، ووفقاً للتيار السلفى تهدف هذه العقيدة للقضاء على الكفر أينما وجد.

ويتم توجيه الجهاد الهجومى للتنظيم الإهابى ضد غير المسلمين بشكل عام والشيعة فى المنطقة العربية بشكل خاص، وينظر داعش للشيعة باعتبار أن لديهم خططا توسيعية فى منطقة الشرق الأوسط، يجب التصدى لها من أجل منع المشروع الشيعى الذى يستهدف لتأسيس هلال الشيعة من طهران إلى بيروت، حيث تعد إيران، ونظام بشار الأسد فى سوريا، وحزب الله فى لبنان جزءاً من هذا الهلال.

4- الدم هو الفارق بين داعش والقاعدة

ومع اتساع الفجوة بين تنظيم داعش والقاعدة، يميل العديد من دعاة السلفيين إلى الانحياز للقاعدة رغم الصرامة السلفية التى يتسم بها تنظيم داعش، ويرجع ذلك إلى شعور قادة التيار السلفى فى العالم العربى بالولاء إلى قادة تنظيم القاعدة، وأدى ميل داعش للاستخدام المفرط والتعسفى للعنف- بما فى ذلك تقليد قطع الرؤوس البشع- إلى تفضيل قادة التيار إبعاد أنفسهم عن داعش.

فى المقابل حرص تنظيم داعش على تأسيس قاعدة من الدعاة السلفيين لخدمته، أغلبهم شباب، فى مقدمتهم البحرينى تركى بن على، 30 سنة، والذى كان تلميذاً للمقدسى، ويشاع أن بن على أصبح الإمام السلفى الأهم داخل داعش ويتمتع بنفوذ كبير وسلطات غير محدودة.

وأبعد بن على، نفسه عن أستاذه المقدسى بعد خلاف بينهما بشأن عداء داعش لتنظيم القاعدة، وكما يريد أبوبكر البغدادى وراثة أيمن الظواهرى كقائد للتنظيمات الإرهابية دفع البغدادى بالبحرينى بن على المعروف باسم أبوسفيان ليحل محل المقدسى وأبوقتادة وغيرهما من قادة التيار السلفى الذين فضلوا القاعدة عن داعش.

يدرك البغدادى أن بقاء داعش غير مرتبط فقط بقدرة التنظيم على تحقيق مكاسب عسكرية، لأن المعركة العقائدية أكثر أهمية وصعوبة، وبقاء التنظيم مرتبط بصلابة خلفيته الفكرية.

5- سر خضوع التنظيمات الإرهابية لداعش

يشرح الباحث الأمريكى كيف ساهمت العقيدة السلفية التى يعتمد عليها داعش فى تمهيد الطريق له لضمان ولاء التنظيمات والجماعات الارهابية المختلفة، والحصول على شرعية غير محدودة، فمنذ لحظة إعلان التنظيم لتأسيس دولة الخلافة، طالب المسلمين فى مختلف أنحاء العالم بإعلان البيعة للبغدادى، وصرح المتحدث الرسمى باسم داعش، محمد العدنانى، بأن التنظيم يبلغ جميع المسلمين أنه مع إعلان دولة الخلافة أصبح جميع المسلمين مجبورين لإعلان البيعة والدعم للخليفة.

وتنعكس خطورة مثل هذه العقيدة فى إجبار التنظيمات الإرهابية والحركات الجهادية على التسليم بخضوعهم لداعش.

وامتد الأمر إلى مطالبة داعش المسلمين بالانتقال إلى الأراضى التى تخضع لسيطرته وأن الهجرة واجب شرعى مفروض على كل مسلم قادر، واعتبر أن وجود تنظيم مثل القاعدة لم يعد ضرورياً أو مهماً من أجل تأسيس دولة الخلافة، ولهذا طلب من التنظيمات التابعة للقاعدة الانضمام لداعش، وهو ما يفسر أسباب إعلان العديد من التنظيمات مثل بوكو حرام فى نيجيريا وجبهة النصرة فى الأردن وجماعة أنصار بيت المقدس فى مصر الولاء لداعش.

6- تحديات داخلية أمام التنظيم الدموى

فى المقابل فإن شرعية داعش كدولة الخلافة تواجه تحديات فى ظل تحدى بعض التنظيمات التابعة للقاعدة سلطته، وفى مقدمتها تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى ومقره الجزائر والذى سارع بإعلان رفض خلافة داعش وأصدر بياناً وبخ فيه داعش لعدم استشارة قيادة تنظيم القاعدة، وجدد التنظيم إعلان الولاء للظواهرى زعيم القاعدة، وطالب البيان بعقد مصالحة بين داعش وجبهة النصرة (فرع القاعدة فى سوريا)، لكن على الناحية الأخرى أعلن إرهابيون فى التنظيمات التابعة للقاعدة انضمامهم لداعش حيث أسسوا تنظيما أطلقوا عليه اسم (جنود الخلافة فى أرض الجزائر).

وشهد تنظيم القاعدة فى اليمن انقساماً بسبب داعش، ووفقا لأحد المصادر المطلعة يوجد ما يقرب من 194 مقاتلا من القاعدة يشعرون بالانحياز لتنظيم داعش من ضمنهم الداعية عبدالماجد الحترى، ومأمون حاتم.