د. رشا سمير تكتب : فسد يفسد فسادا..فهم فاسدون

مقالات الرأي



لو تغير لون الطعام ومذاقه فهو فاسد.. لو اختلت موازين الأمور وانحل البشر فقد فسد الحال.. ولو أصاب الخلل والعطب آلات المصنع فقد فسد الإنتاج.. ولكن ماذا لو؟!..

ماذا لو فسدت الضمائر وخربت الذمم وتهاوت الأخلاق وانتحرت القيم.. فماذا لو؟!..

ماذا لو استيقظنا على وطن، جنسيته المصلحة العامة وديانته المنفعة وعنوانه انحراف الأخلاق؟!.

الفساد تمتد جذوره إلى الحقبة التاريخية التى حكم فيها محمد على باشا والتى تميزت بالانتعاش الاقتصادى والثقافى، على الرغم من أنه تولى الحكم والفساد ينخر مثل السوس فى هيكل الدولة الإدارى، لكنه بحنكة الحاكم القوى استطاع أن يقضى عليه فى ثلاث خطوات: الرقابة، القانون، ثم العقوبة.

فلا شك أن إعادة بناء المؤسسات الإدارية والاقتصادية فى أى دولة تسعى نحو النمو الاقتصادى هو ضرورة مُلحة لا غناء عنها..

واليوم ونحن فى خضم بناء وطن تصدعت أركانه، كان همنا الأكبر هو دحر الإرهاب ومجابهته.. ولكن الحقيقة الأكيدة أن معركتنا الفاصلة هى معركتنا مع الفساد داخليا، قبل سحق الإرهاب خارجيا..

إن الفساد ليس مجرد وزير أقيل بسبب رشوة أو اختلاس أو تزوير.. الفساد نبت يبدأ من الأرض وينمو مثل اللبلاب ليصل إلى القمة..

ما استوقفنى حقا فى قضية وزير الزراعة دون الدخول فى تفاصيلها هو أن هناك شخصا استباح لنفسه أن يحج إلى بيت الله برشوة صريحة.. وقرر أن يطوف بيته الحرام بأموال حرام ولكن بنفس مطمئنة!.

ما أذهلنى حقا هو رده الواثق على الإعلامية لميس الحديدى قائلا: أنا لن أتستر على فساد يا أستاذة وسوف أقوم بالإبلاغ عن كل فاسد فى الوزارة!..

تٌرى هل يصنف نفسه فاسدا أم قديسا؟!

تحت أى بند يقوم رئيس لجنة مكافحة الفساد بطلب رشوة بابتزاز ممن يقوم بالدفاع عنهم ثم يتوضأ ويتقدم لعضوية مجلس النواب!.

لن أذكر أسماء ولا وقائع حتى لا يكون ما أكتبه تشهيرا بسمعة أحد، فترويج الشائعات أيضا هو فساد أخلاقى.. ولكننى أقف أمام الفكرة العامة.. وأتساءل:

هل استيقظت الدولة؟ وماذا عن الباقين؟ هل يعرف الفاسد أنه فاسد أم أنه يتحدث عن الفضيلة من واقع إيمانه الباطل بموقفه الخاطئ، أو لأنه حق أريد به باطل؟

الفساد فى مصر لم يعد فساداً ماديا فقط ولكنه تطور ليصبح فساداً أخلاقيا وعقائديا..

أمين الشرطة الذى يلاحقك بجملة: ماتشربنا شاى يا باشا.. فاسد.

وموظف الأحوال المدنية الذى يفتح درج مكتبه وإلا عطل مصالحك.. فاسد

وضابط الشرطة الذى يستغل منصبه من أجل مصلحة شخصية.. فاسد

والبرلمانى الذى يقوم بشراء أصوات الناخبين بخمسين جنيها.. فاسد والسياسى الذى يتحدث عن حب مصر ومصلحتها وهو لا يسعى سوى للسلطة.. فاسد.

والفنان الذى يتعامل مع رسالة الفن على أنها سلعة للتربح.. فاسد وموظف الجمارك الذى يستحل إتاوة من أجل الإفراج عن بضاعة فاسدة.. فاسد

والمعلم الذى يجبر التلاميذ على الدروس الخصوصية.. فاسد.

والإعلامى المأجور الذى يدافع بقلمه عن الباطل من أجل حفنة نقود.. فاسد.

والمدير الذى يتعامل بطريقة المنع والمنح مع موظفيه حسب المزاج.. فاسد

والطبيب الذى يتعامل مع المريض على أنه سبوبة بلا رحمة ولا إنسانية.. فاسد.

يا عزيزى.. كلهم فاسدون..

من تآمر ومن استنفع ومن طرمخ ومن تدنى ومن ارتشى.. كلهم فاسدون.

تحية لرئيس الجمهورية الذى كانت لديه الشجاعة والقوة ليطيح بوزير ألقى اليمين بين يديه.. وتحية لرئيس الوزراء الذى لم يتغاض عن إعلاء الحق واتخاذ اللازم.. وتحية لرئيس هيئة الرقابة الإدارية الذى قرر أن يستعدل الصورة المهزوزة فى جهاز رقابى فقد المواطنون الثقة به طويلا..

لم يعد أمامنا فى مصر إلا الصُراخ.. فالهمس لم يعد مسموعا..

لم يعد أمامنا إلا الصراحة.. فالمجاملات لم تعد مطلوبة.

لم يعد أمامنا إلا البتر.. فالاستئصال لم يعد مجديا..

إلى كل مواطنى جمهورية مصر العربية.. أرجوكم.. من يرى منكم منكرا فليغيره.. بيده أو بلسانه وليس بقلبه.. لأن مرحلة التغيير بالقلب انتهت..

تُرى متى نتجاوز مرحلة أضعف الإيمان؟!.