د. نصار عبدالله يكتب: شعراء من أسيوط ( 2ـ 2)
من هو مؤلف نشيد: بلادى.. بلادى.. الذى هو الآن السلام الوطنى لجمهورية مصرالعربية؟.. الكثيرون يتصورون أنه من كلمات بديع خيرى وألحان سيد درويش باعتبار أنهما كلاهما من أبناء الإسكندرية، وقد ولدكل منهما فيها قرب نهايات القرن التاسع عشر قبل أن ينتقل فى بدايات القرن العشرين إلى القاهرة عاصمة الفن والإبداع،.. الجزء الثانى من المعلومة صحيح بالفعل فالنشيد السلام الوطنى فيما بعد هو بالفعل من ألحان الفنان خالد الذكر سيد درويش الذى كثيرا ما ارتبط اسمه ببديع خيرى فى أعمال مشتركة، لكن الجزء الأول منها غير صحيح لأن مؤلف النشيد هو الشاعر يونس القاضى الذى كتبه وقام بتسجيله مع عشرة أناشيد أخرى فى المحكمة المختلطة فى عام 1923 قبل أن يعرف التسجيل فى الشهر العقارى. وقبل أن تنشأ جمعية المؤلفين والملحنين !، بل إن النشيد نفسه قد قامت بأدائه مطربة معروفة فى ذلك الوقت هى الست تودد، وقامت بتسجيله على أسطوانة من إنتاج شركة ميشيان!! يونس القاضى ليس من أبناء المدينة الكوزمو بوليتانية: «الإسكندرية» ولكنه من أبناء الصعيد، تحديدا من أبناء النخيلة مركز أبوتيج محافظة أسيوط (وهى نفس القرية التى أنجبت بعد ذلك الشاعر محمود حسن إسماعيل) طبقا لما ورد فى كتاب الدكتور رجائى الطحلاوى الذى ما زلنا نواصل عرضنا له (شعراء من أسيوط)، وقد كان الشاعر يونس القاضى من نفس الجيل الذى ينتمى إليه بديع خيرى فكلاهما من مواليد أواخر القرن التاسع عشر ومن أعلام كتابة الأغنية الفردية والمسرح الغنائى، وقد ارتبطا كلاهما بخالد الذكر سيد درويش وكتب له كل منهما كثيرا من أناشيده وأغنياته الخالدة، غير أن يونس القاضى قد ارتبط اسمه بملحنين آخرين منهم كامل الخلعى الذى لحن له أغنيات المسرحية الغنائية: «التالتة تابنة» التى غنتها منيرة المهدية، ومنهم أيضا محمد عبدالوهاب الذى لحن أغنيات مسرحية: «كيلوباترا ومارك أنطونيو» التى شارك فى تلحينها خالد الذكرسيد درويش نفسه، ومنهم كذلك رياض السنباطى الذى لحن أغنيات مسرحية: «حاجب الظرف».. ومن الطريف أن يونس القاضى الذى كتب «بلادى بلادى»، و»حب الوطن فرض عليه»، و»احنا الجنود زى الأسود»، قد كتب بعض الأغنيات الخارجة نذكرمنها: «الخلاعة والدلاعة مذهبى» التى غنتها أم كلثوم من ألحان صبرى النجريدى فكانت فى تاريخها الفنى كالوصمة!، ومنها «بعد العشا يحلا الهزار والفرفشة» التى غنتها منيرة المهدية من ألحان محمد القصبجى، و»ارخى الستارة اللى فى ريحنا» من ألحان زكريا أحمد، و»أنا مالى هى اللى قالتلى» التى لحنها وغناها سيد درويش.. الأشد طرافة هو أن يونس القاضى نفسه قد تم تكليفه بتولى منصب الرقابة على المصنفات الفنية عام 1928 فكان أول ما قام به هو مصادرة أغانيه الهابطة باعتبار أنها تخدش الذوق العام !!!، وأظن أن هذه هى المرة الأولى فى التاريخ التى يقوم فيها مبدع بمصادرة أعماله هو كجزء من مهام عمله الرسمى، وربما تكون الأخيرة أيضا!.. على أية حال فقد استغرقنا الكلام عن يونس القاضى نظرا لما تنطوى عليه إبداعاته من المفارقات مع أن كتاب الدكتور رجائى الطحلاوى حافل بأسماء أخرى.. ربما كان بعضها لا يقل قيمة إن لم يكن ذا قيمة أكبربكثير.. على سبيل المثال صلاح عبدالصبور الذى تشربت أعماقه بروح تراث الجذور الصعيدية من خلال ما كان يرويه له أبوه الذى ترك الحواتكة واستوطن الزقازيق، لكنها ظلت حية فى أعماقه، وصلاح عبدالصبور يعد واحدا من أهم رواد التجديد فى الشعر العربى وواحدا من أهم كتاب المسرح الشعرى إن لم يكن أهمهم على الإطلاق وهو فى نفس الوقت واحدا من أهم النقاد والمفكرين والمنظرين للتجديد لا على مستوى الشعر بل على مستوى الثقافة بوجه عام، وبالإضافة إلى صلاح عبدالصبور هناك محمود حسن إسماعيل ابن النخيلة أيضا الذى يعد حلقة الوصل بين المدرسة الرومانسية ممثلة فى جماعة أبوللو وبين الشعر الحديث الذى حمل لواء ريادته فى مصر صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى، وهناك أيضا الشاعر ودارس الفولكلور فوزى العنتيل وفى الأجيال التالية هناك أسماء كثيرة جديرة بالذكر منها أحمد حسن الباقورى وأحمد محمد إبراهيم وإسماعيل كيلانى وسيد قطب وقداسة البابا شنودة وسعد عبدالرحمن وشوقى أبو ناجى وكيلانى حسن سند ومحمد عبدالرازق زهيرى وبطبيعة الحال الشاعر والمؤلف المسرحى الموهوب درويش الأسيوطى الذى يعتبر الأب الروحى للحركة الشعرية والثقافية فى أسيوط، فضلا عن الشاعر الاستثنائى الفذ أحمد بخيت، ولعل المناسبة تسمح ونعود مرة أخرى إلى هؤلاء وغير هؤلاء.