د. أحمد يونس يكتب: أنا أفجر إذن أنا موجود

مقالات الرأي



■ هوكايو ماتايا، عبارةٌ باللغــة اليابانية، يعتقد الناس هناك أنه ما إن ينطق بها الإنسان حتى تختفى هـمومه بالكامل. الموضوع لا يختلف كثيراً فى الواقــع عن باسوورد لإزالة الهموم. المصيبة أن الهموم المــصرية مـا بتعرفش يـابانى.

■ ■ ■

■ فيما يتعلق بالضرورة القصوى لإعلان الحرب على الفساد، مافيش أجمل من المــثل الشعبى الرائع: الســلم يتكنس من فـــوق.

■ ■ ■

■ أقدم لكم نفسي: إنسان فاشل بكل معنى الكلمة. هذا باختصار هو أنا. لا بد أن أعترف بذلك. إنسان خيب آمال أحبائه، عندما لم يستطع أن يكـــون صـاحب شركات أو صـاحب أطيان أو صـاحب فرقة استعراضية أو صاحب حــزب محندق على قــده، أو حتى صاحب حـد من الكــبار. لكننى، من باب التعويض، قـررت أن أكون صاحب نظرية. ولم أشعر بعقدة الخواجة تجاه الزميل ديكارت الذى قال: أنا أفكر إذن أنا موجود. جــانـبك التوفيق هذه المرة يا أخ ديكارت! التفكير فى حـــد ذاته ليس- بالضرورة- شرطاً لإثبات الوجود. وتحت يدى الآن، أيها الزميل، ما يضرب هذه النظرية بالجزمة على دماغ اللى خـلفـوها! فهى قد تنطبق على كـــل مـن ينتمون إلى الجنس البشرى. إلا الإخوان، أو مستخرجات الإخوان، على وزن مستخــرجات الألبان. إنهم، يا أخ ديكارت، لا يفكرون. ومع ذلك، فلا أحد ينكر وجودهم. بدليل كـــل هذا القرف الذى نتجرعه ليل نهار. النظرية التى تنطبق عليهم هـي: أنا أفجر إذن أنا موجود. معلش! إحنا برضه بتوع الفلسفة يا زُمُل.

■ ■ ■

■ طلعت زكريا، أثناء ثـورة 25 يناير، ارتكب غلطة عــمره، عندما قرر الوقوف ضد إرادة الشعب فى التغــيير الشامل، لمجرد أنه لعب دور طباخ الرئيس. راح يقسم بغــرابة شديدة، على جميع قنوات أنس الفقى، بأن ثـوار التحرير يمارسون الجنس الجماعى ويتعاطون المخدرات علناً، وهو يعلم جيداً أنه لا أساس من الصحة لهذا الادعاء. البعض يؤكدون أن السبب هو العرفان بالجميل لأن المخـلوع كلمه يوماً بالتليفون. الآن يردد طلعت زكريا كلاماً مشابهاً على الفضائيات التى يتحرق أصحابها شوقاً إلى إعــادة عقارب الساعة إلى ما قبل الثورتين. على طلعت زكريا أن يقتنع بأنه لم يكن أبداً طـباخ الرئيـس فى الواقــع حتى يـديـن له بكل هذا الولاء. كان طباخه كـده وكـده. يعنى تمـــثيل فى تمـــثيل! التقمص على هذه الصورة يتحول إلى شــيء آخر. أتمنى أن يراجع نفـسه قبل أن يفوت الأوان، وأن يتأكد من أنه إذا أصر على هذا الخطأ التراجيدى، فلن يلعـب فى الحــياة من الآن فصاعداً إلا دور طــباخ الســم، اللى دايماً برضه لازم يدوقه.

■ ■ ■

■ مساء الخميس الماضى، بينما أنا أحلق ذقنى على مضض كما اعـتدت دائماً، انقطع النت لعدم السداد. أو هكذا، على الأقل، فهمـت من الفتاة الكــهرمانية الصــوت فى الشركــة التى تزودنى بالخدمة. شعـرت كما لو أن سجاناً بملامح إرهابى، أغلق على باب الزنزانة. ثم بدأت خطاه الثقيلة تبتعد حتى اختفت عبر الدهليز الذى بلا نهاية. ولم أكمل الحلاقة. لا أدرى على ماذا بالضبط كنت أحتج. لكننى، على عكس ما هو منطقى، أغرقـت وجهى بالأفتر شيف. أخـذت أتنقل بالريموت كونترول ما بين الفضائيات. لا جديد تحت أو فوق أو بجوار الشمس. لا جديد بالمرة. عندما يسيطر على الإنسان الشعور بالضجر، فإن كـل الأشــياء لا بد أن تبـدو له مـمـلة. بما فى ذلك الفتاة الكــهرمانية الصــوت. لم يعد أمامى إذن سوى الاستغــراق فى النوم، على أمـــل أن أتمكن فى الحلم من كــتابة شــيء يحمل نـبـض الوطن.