منال لاشين تكتب: لغز إغلاق «التحرير»
أعتقد أن إغلاق صحيفة التحرير يتعدى الصدمة أو الغضب أو الرفض، فإغلاق صحيفة بالطبع يستدعى الغضب والرفض، ولكن حالة إغلاق التحرير يتضمن بعدا آخر وهو بعد الغموض، فنحن أمام لغز، فمالك الصحيفة الأستاذ أكمل قرطام قرر فجأة أن يغلق الصحيفة، وفى الوقت نفسه قرر أن يطلق صحيفة جديدة، وقرار إطلاق صحيفة جديدة ينفى بالطبع أن يكون إغلاق صحيفة التحرير لأزمة مالية طاحنة وعجزه عن الإنفاق على الجريدة، أو بسبب أن المجتمع انصرف عن القراءة مثلما قال البيان الأول للمالك لتبرير إغلاق الجريدة.
وإذا كان المالك قد خسر 100 مليون جنيه وهو رقم يبدو للبعض مبالغا، ولكن أفرض أن السيد قرطام خسر 100 مليون جنيه، فلماذا لم يعرض المالك وهو رجل أعمال الصحيفة للبيع، وعلى الأقل سيعوض جانبًا من خسارته، وسيضمن للجريدة الحياة، فقد اشترى قرطام نفسه الجريدة من رجل أعمال آخر منذ عامين، فإذا كان من حق قرطام أن يتخلص من مشروع فاشل فلماذا يصر على عدم بيعه ، ثم لماذا يصر على إصدارجريدة أخرى؟!
هذا الغموض يوقع المالك فى دائرة الإصرار والترصد على إغلاق صحيفة وحرمان نحو 400 صحفى من حقهم فى ممارسة المهنة، وهو حق لا يقل أهمية عن الحقوق المادية للصحفى.
ولا يجب أن يتبجح البعض بالرد بأن المالك حر فى إغلاق المشروع، بحجة أن المال ماله والمشروع مشروعه، وأن يتغنى آخرون بأغنية مالى وأنا حر فيه.
فإغلاق صحيفة فى أى مجتمع هو إغلاق لنافذة من نوافذ الرأى والتعبير، وهو مساس بالتنوع المطلوب فى المجتمع فى الآراء والتوجهات، ولذلك فإن بعض الدول الديمقراطية تقدم الدعم للصحف والأحزاب ايمانا منها بأن هذ الدعم موجهه فى الأساس لحق المواطن فى التنوع السياسى والفكرى، وفى مصر يتعدى إغلاق صحيفة هذه المعانى والقيم على أهميتها لأن حق الصحافة فى الاستمرار والنمو هو حق محصن بالدستور.
ولذلك لايجب أن تمر جريمة إغلاق صحيفة التحرير وإصرار المالك على إغلاقها مرور الكرام، أو نكتفى ببيانات إدانة أو تعويض كام شهر عن كل سنة خدمة.
فنحن أمام سابقة تعنت وإصرار مالك للصحيفة على إغلاقها، واستبدالها بصحيفة أخرى بنفس البساطة والسهولة التى يستبدل بها المالك بدلته أو حذاءه.
نحن أمام سابقة تتطلب من الجميع العمل بسرعة وحسم وقوة مع هذه الأزمة أو هذه الحالة من التعنت.
وإذا كانت نقابة الصحفيين هى خط الدفاع الرئيسى عن حقوق الصحفيين المهنية والمادية فإن هناك جهات أخرى يجب أن تكون حاضرة بقوة فى هذه القضية.
النقابة مطالبة بخطوات تصعيدية قوية وأن تقود صحفيى التحرير فى عمل مهنى وقانونى منظم تحت مظلتها، وأن تقود النقابة تنظيم صفوف الجماعة الصحفية للمشاركة فى الموقف التصعيدى، وقد نجحت الجماعة الصحفية فى إحزار أهداف لصالح حرية الصحافة فى مواقف سابقة عديدة، وإغلاق صحيفة هو أحد أشكال تهديد مهنة الصحافة فضلاً عن حريتها.
والمجلس الأعلى للصحافة عليه دور مهم فى هذه القضية أو بالأحرى هذه السابقة، فإذا كان المالك قد عجز عن تبرير إغلاقه للجريدة فليس أقل من منعه من الحصول على أى ترخيص لصحيفة جديدة، ويجب أن يقوم المجلس الأعلى للصحافة بإعداد قائمة سوداء برجال الأعمال الذين يغلقون الصحف دون سبب حقيقى، وبتعنت كشف عن نفسه عندما اعلن قرطام أنه سيصدر صحيفة أخرى، وإذا كان المجلس الأعلى ثم المجلس الوطنى «فيما بعد» هو جهة تنظيم إصدار الصحف، فيجب أن تدفعنا هذه الواقعة لتنظيم حالات إغلاق الصحف، بحيث لا يتم العبث بالصحف والصحفيين، وإلا يتحول إغلاق الصحف لقرار سهل يتخذه البعض وهو يشرب فنجان قهوة الصباح، فإغلاق مصنع وليس جريدة ليس قرارًا شخصيا بعيدًا عن المجتمع وقواعده وقوانينه.
ومنذ شهور تدخل الرئيس الفرنسى أولاند وحكومته فى أزمة شركة بيجو الفرنسية مع العاملين بها، وكانت الشركة قد وضعت خطة تقشف اضرت بمصالح نحو 6 آلاف موظف، ولم يقل الرئيس الفرنسى أن الشركة حرة فى قراراتها الاقتصادية أو فى الهيكلة وذلك على الرغم من أن الحكومة الفرنسية لا تملك حصة أغلبية فى الشركة وليست صاحبة قرار للتدخل فى سياسة الشركة، ولكن الدولة الفرنسية ترى أن واجبها الحفاظ على حقوق المواطن الفرنسى.
بالطبع من العبث إجراء أى مقارنة بين الحكومة الفرنسية والحكومة المصرية، فرئيس الحكومة المهندس محلب وهو رجل يبذل مجهودًا خرافيًا ويقابل مئات المواطنين لحل مشاكلهم، لم يهتز ولم يـتأثر لأن مواطنًا شابًا بدرجة صحفى حاول إحراق نفسه أمام العدسات على سلالم نقابة الصحفيين، كما أن الحكومة تجاهلت الأزمة حتى من جانب حقوق العاملين فى حالات الإغلاق، فالبعض يعيد حكاية رئيس الوزراء البريطانى تشرشل، فقد كان تشرشل يكره الصحفيين، وذات يوم مات صحفى كبير ولكنه فقير، وقرر بعض الصحفيين أن يجمعوا تبرعات، وقال صحفى لرئيس الحكومة «نحن نجمع جنيهًا لإقامة جنازة للصحفى فرد تشرشل بسرعة خذوا 100 جنيه وادفنوا 100 صحفى».
ونحن كصحفيين ونشطاء وسياسيين وشخصيات عامة لا يجب أن نسمح بدفن صحيفة كاملة.