أحمد فايق يكتب: ضابط الرقابة يصطاد طيار رئاسة الجمهورية
■ رئيس مصر للطيران تجاهل تعليمات السيسى بتنظيف المطار من الخردة وسافر إلى أمريكا
■ طلال صدقى مسئول مجموعة الطيران فى الرقابة أزال المخالفات بمساعدة 20 ضابطا فى 24 ساعة
يفضل دائما الاختفاء، لا يحب أن يظهر إعلاميا أو يتحدث عنه أحد، ربما سينزعج من هذا الكلام، لأنه ليس من النوعية التى تبحث عن صورة لها فى الصحف أو ممن يبحثون عن بطولات، لأنه صنع بطولاته بنفسه، ومن حوله يدركون أنه لا يخشى أحدًا، لقد كان العقيد طلال صدقى مسئول مجموعة الطيران بالرقابة الإدارية هو أول من تجرأ وفتح قضايا فساد فى ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامى فى أوج قوة نظام مبارك، النظام الذى كان يعتبر أن ماسبيرو والمدينة عزبة خاصة لا يجوز الاقتراب منها، لقد كنت شاهدا على لحظات الانتصار والاحباط فى حياة هذا الضابط المحترم، شاهدته سعيدا منتصرا حينما كشف قضية عبدالرحمن حافظ فى مدينة الإنتاج الإعلامى، شاهدته حزينا حينما حاول فساد نظام مبارك إفشال قضايا كبيرة له، وثغرات قانونية وتلاعب بالاوراق تسببوا فى إفساد بعض القضايا التى قدمها للنيابة، لقد عاش طلال صدقى طوال فترة مبارك لا يتوقف عن محاربة الفساد، يكتب تقارير ويرسلها للجهات المختصة ولا يستمع له أحد، لكن نشاطه لم يتوقف وحماسه لم يتأثر، وظل وحده يحارب طواحين الهواء.
حكاية العقيد طلال صدقى تلخص حكاية كل ضابط فى الرقابة الإدارية ممن يرون الفساد أمام أعينهم ويفعلون ما يمليه ضميرهم عليهم أمام الله ليجدوا نظاما فاسدا لا يهتم بالقضاء على السرقة والرشوة والنهب، بعد ثورة 25 يناير استردت الرقابة الإدارية مهامها، وساهمت فى عمل ترشيحات الوزراء، الآن هناك رئيس جمهورية يقرأ تقارير الرقابة الإدارية بنفسه ويتخذ قرارات فورية، وأصبح هذا الجهاز هو أمل مصر فى مكافحة الفساد.
الحكاية بدأت حينما كان يسافر الرئيس إلى الخارج، طلب من المسئولين فى المطار تنظيف ارضية المطار من عشرات السيارات والطائرات القديمة التى تشغل المكان ومؤثرة بشكل سلبى على المظهر الحضارى للمطار، وطوال ستة أشهر لم يستجب أحد لطلب رئيس الجمهورية، وتبادلت شركات وزارة الطيران الاتهامات بين بعضها البعض، وعلى الرغم من وجود مخازن تابعة لشركة مصر للطيران إلا أن الطيار سامح حفنى رئيس مجلس ادارة الشركة صّور الموضوع على أنه صعب ومعقد، رغم أن الحل بسيط ولا يستغرق أكثر من 24 ساعة، الامر لم يتوقف على هذا فقد كان يسافر إلى الخارج ولا يترك أحدا مكانه، رئيس شركة مصر للطيران أصدر قرارا بإيقاف عشرة خطوط جوية لتوفير النفقات - رغم أن هذا ضد سياسة الدولة التوسعية فى التواصل مع معظم دول العالم، - إن سياسة الأمن القومى المصرى الآن تتطلب تشغيل خطوط طيران مع معظم الدول الافريقية على الاقل.
رئيس مصر للطيران قام بتأجير أربع طائرات حتى يوفر مكاسب للشركة، فى أزمة الطيارين الاخيرة أرسل سامح حفنى كشوفًا إلى رئاسة الجمهورية براتبه ورواتب الطيارين، والكشوف كانت فيها أرقام غير دقيقة وأقل مما يحصلون عليه شهريا، كان يفعل هذا حتى يقنع الرئاسة برفع أجور الطيارين وتجاوزها سقف الحد الاقصى للأجور، الجميع يعلم أن رئيس مصر للطيران المقال قريب من الرئاسة بطبيعة عمله، لأنه عمل سائقا لطائرات الرئيس منذ عهد مبارك وحتى السيسى، لذا كانوا يخشون الاقتراب منه أو إثارة مشاكل معه، معظم العاملين فى مجال الطيران يقولون إن سامح حفنى ليس فاسدا، لكنه بيروقراطى ولا يستطيع إدارة شركة كبيرة بهذا الحجم.
طلبت الرقابة الإدارية تنفيذ تعليمات الرئيس بتنظيف ارضية المطار من المخالفات، تعلل رئيس الشركة المقال بأنه خارج مصر، فنزل طلال صدقى بصحبة 20 ضابطا من الرقابة الإدارية وأزالوا كل المخلفات فى 24 ساعة، رفعوا عشرات من السيارات والطائرات وأرسلوها إلى مخازن مصر للطيران وأصبحت أرضية المطار نظيفة.
حدث هذا قبل سفر الرئيس إلى الخارج بأيام معدودة، لم يخش الضابط المحترم أن رئيس مصر للطيران سيقود طائرة الرئيس بعدها، وربما يشكوه لرئاسة الجمهورية، فهو يعلم أنه يفعل ما هو مقتنع به، والرئاسة لن تنحاز لتصرف خاطئ.
وبعدها قدمت الرقابة الإدارية تقريرا للرئاسة شرحت فيه كل التفاصيل، قال التقرير: إن ضباط الرقابة الإدارية نفذوا تعليمات الرئيس فى 24 ساعة فقط، رغم أن الرجل طلب هذا 3 مرات منذ ستة أشهر.
فطلبت الرئاسة أن يقال رئيس الشركة، يقال وليس استقالة، والفارق كبير، فهناك موظفون كبار فى الدولة مازالوا لم يستوعبوا رسالة السيسى، وهى إن كنت قادرًا على خدمة الوطن والإنجاز فى وقت قياسى أهلا وسهلا بك وإذا لم تكن فمن الأكرم لك أن تترك منصبك لغيرك يحقق أحلام الوطن.
الاقالة لها ألف معنى، منها أن جهاز الرقابة الإدارية لم يعد يكتب تقارير لا يقرؤها أحد مثلما حدث فى عهد مبارك، وأنه لا عزيز لدى السيسى سوى من يعمل للوطن، وأنه إذا ثبت تقصير أو إهمال من أى شخص حتى لو كان مقربا له لن يتركه.
الآن تقريبا الرقابة الإدارية تقدم تقرير أداء عن المسئولين كل 3 شهور، هذه التقارير يعتد بها، وتقرؤها مؤسسات الدولة.
ليس هذا فحسب فقد اقتربت الرقابة من الانتهاء من مشروع بنك القيادات، المشروع بدأ منذ ما يقارب عام حينما كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى الجهاز بعمل بنك للقيادات، وجاء هذا أثناء زيارة الرئيس للجهاز، وتم تخصيص وحدة خاصة ظلت طوال الشهور الماضية تعمل على توفير بيانات ومعلومات عن شخصيات تصلح للقيادة سواء فى الصف الثانى بالوزارات على درجات وكلاء وزارة أو الصف الثالث على درجة مديرى العموم، عملية البحث كانت مرهقة وشاقة جدا على العاملين بالجهاز لصعوبة توافر صف ثان من القيادات، كما أن رئاسة الجمهورية أضافت شروطا جديدة للشخصيات المرشحة أهمها أن تكون لديها استراتيجية ورؤية واضحة لمستقبل الوزارة خلال السنوات القادمة، بالاضافة للشروط الاخرى الطبيعية مثل النزاهة والقدرة على مواجهة الفساد.
مشروع بنك القيادات لن يشمل فقط قيادات الصف الثانى والثالث من الوزارات بل سيمتد إلى جميع قطاعات الدولة والشخصيات المرشحة من القطاعين العام والخاص، والهدف منه توفير 3 بدائل لكل قيادة فى كل مكان بمصر.
الآن هناك معيار مهم فى الاطاحة بالمسئولين وهو الكفاءة، بعدما مررنا بفترة من الفوضى كان المعيار الوحيد لاختيار القيادات أو الاطاحة بها كونه إخوانيًا أم لا.
لذا لا ترتبك كثيرا حينما تقرأ عن الإطاحة بمسئول وتجد أخبارا كاذبة تؤكد أن سبب الاستبعاد أنه إخوان مسلمين لكن الحقيقة عليك أن تبحث جيدا وراء تقارير الرقابة الإدارية.
إن هذا الجهاز الآن هو أمل مصر فى مكافحة الفساد والقضاء على البيروقراطية، والإطاحة بالمسئولين غير الأكفاء، خلال الاسابيع المقبلة ستسمع اسم هذا الجهاز كثيرا فى كل مكان فى مصر، وعلينا أن نقف بجواره فى مكافحة الفساد، فأخيرا مصر أصبح فيها رئيس يتأثر بالتقارير الرقابية.