"المربع العربي" سيسقط الرهان "الأمريكي–الإيراني" بشرطان!!

عربي ودولي

بوابة الفجر


كتب الصحفي السعودي، أحمد عدنان، في مقال له بصحيفة "العرب اللندنية"، تحت عنوان "إيران والإخوان وبندر بن سلطان"، حيث علق على حكم الإخوان المسلمين لمصر والنهج الذي كانوا يسيرون عليه.

فجاء في نص المقال "حين نعود إلى ثورة 30 يونيو التي أعلن من خلالها الشعب المصري رفضه لحكم الإخوان المسلمين وفكرهم، كأي حدث معقد، لم تكن منابعه المحلية بمعزل عن تفاعلات الخارج ولمساته، من دون أن يشكّك ذلك في أصالة الإرادة الداخلية.

المحركات الداخلية لثورة يونيو معروفة، أبرزها الفشل الذريع والأداء "الأرعن" لجماعة الإخوان بإدارة الدولة، سواء في الملفات السيادية أو في الهموم المعيشية، النهج الاحتكاري الذي سارت عليه الجماعة في أخونة الدولة، وهو يشبه سعي الحزب الوطني لاحتكار السلطة قبل ثورة يناير، ويشبه اليوم محاولات عسكرة القرار، إضافة إلى ملاحظة الشعب المصري بأن فكر الإخوان سيبدل هوية مصر وتوازناتها الاجتماعية والثقافية، ما ينذر بنسخة جديدة من نموذج حركة حماس في السلطة وبالتالي صراعات داخلية لا يعلم نهايتها وثمنها إلا الله.

خسرت الجماعة إذن، نبض الشارع وأرباب ثورة يناير وأركان الدولة المصرية العميقة وأقطاب الاقتصاد الخاص، بسبب استهدافها للجميع وخصومتها معهم وتخبطها السياسي والإداري، ليكون استمرارها مستحيلا، ويتضافر مع ذلك سقوط أقنعة الجماعة المبشّرة بالديمقراطية وبالاعتدال.

على صعيد الخارج، لم يكن أداء الإخوان أفضل حالا، باستثناء التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية. فقد استطاع الإخوان، كونهم الجماعة الأم للإسلام السياسي، صد الإرهاب عن المصالح الأمريكية، وبدا الحديث عن اتفاق سلام شامل ونهائي، تاريخي بالطبع من وجهة نظر إسرائيل، بحيث تتحمل الجماعة رعايته وتسويقه وضمانته بحكم شعبيتها في شوارع العرب والمسلمين، وكان دور الرئيس محمد مرسي خلال حرب غزة مثالا مبشرا وواعدا، لتعود حركة حماس إلى مشاغباتها بعد عزله.

لكن الثغرة التي افتقدتها أمريكا هي التأمين النهائي للمصالح النفطية، ولم يكن بريئا اكتشاف الإمارات لخلايا إخوانية تستهدف الحكم الإماراتي، وطمعت الجماعة في الواحة الإماراتية لتضرب مثالا يتعلق بالتأمين النفطي يؤهلها عند الأمريكيين لمساحات أهم وأكبر على رأسها السعودية، ولتكتسب نقطة تماس قريبة من إيران التي تشكل اهتماما أمريكيا خاصا في هذه المرحلة.

وقعت الجماعة إذن في خطيئة تصدير الثورة، وكان تكشّف علاقاتها وتأثيرها على جماعات الإرهاب مريبا، وكانت الأصداء التي تصل العواصم العربية عن الآمال الإسرائيلية خطيرة جدا، يضاف إلى ذلك تخبط النظام الإخواني في إدارة العلاقات الخارجية المباشرة مع المحيط العربي، وضبابية التوجهات الإقليمية ناحية إيران تحديدا، ورصد تذمر الشعب المصري داخليا، جعل مباركة النظام الإقليمي العربي ممثلا في السعودية والإمارات والأردن لاستمرار الجماعة في السلطة من سابع المستحيلات أو أولها.

في ذلك الوقت، كان على رأس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان، وفي مصر، رغم عزل الإخوان لوزير الدفاع التاريخي المشير محمد حسين طنطاوي، إلا أنه لم يفقد قيمته كأب روحي للجيش المصري، خصوصا أن وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي من تلامذته المخلصين، وتشاء الصدف أن السيرة المهنية للسيسي تتضمن عمله ملحقا عسكريا في الرياض ذات زمن، كما أنه كان مديرا للمخابرات الحربية، مما يجعل معرفته بالأمير بندر وبغيره من الشخصيات السعودية المؤثرة أمرا بديهيا، وبإمكان المهتم مراجعة قمة الملك عبدالله والرئيس السيسي في الطائرة، كيف كان سلام السيسي على الأمير بندر بن سلطان متميزا ولافتا.

من حسن الحظ، لم تكن علاقة الجيش المصري بالإخوان جيدة، فقد حاول الإخوان بجدية أخونة الجيش وفشلوا، وكان الجيش ينظر بامتعاض لإدارة الإخوان للملفات السيادية والإقليمية، ومع ذلك وجه الجيش نصحه للجماعة مرة تلو مرة بلا جدوى. وفي ظل انهيار علاقات النظام الإخواني بالدول العربية والخليجية، كانت وشائج الجيش تتعمق وتقوى. وعزز الأداء الإخواني الرديء داخليا، سمعة الجيش كمنقذ، وأي ضليع بالشأن المصري كان يدرك أن الغضب الإعلامي ثم قيام حملة تمرد وانتشارها ونجاحها، لم يتم لولا غض الطرف، على الأقل، من المؤسسة العسكرية المصرية، ولم يكن الإنذار الذي وجهه الجيش للرئيس محمد مرسي بعد تظاهرات 30 يونيو مستغربا، فالجيش أمّن التظاهرات ووجه لها التحية وأدارها مع وزارة الداخلية بتعاطف ملحوظ.
ارتياب من الإخوان

الحقيقة، لم تكن الدول العربية وحدها مرتابة من حكم الإخوان، فالأصدقاء القدامى في الاتحاد الأوروبي غير مرتاحين البتة، هذا ما كشفه لنا والد الثورات المصرية د. محمد البرادعي، حين قال مؤخرا ما نصه "في يوليو 2013 كان عليّ أن أكون جزءا من المعارضة على أساس تصور مستقبلي يعتمد نهجا توافقيا شاملا يضم كافة القوى والأطياف السياسية، وما حدث بعد ذلك كان معاكسا للخطة التي وضعها المبعوث الأوروبي برناردينو ليون ووقعت عليها، وتضمنت الخطة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وخروجا مشرفا للرئيس مرسي لنضمن مستقبلا توافقيا تكون جماعة الإخوان والقوى الإسلامية فيه ومنه، لكن كل ذلك تم إلقاؤه من النافذة وبدأ العنف، وفي مجتمع يغيب عنه المجال السياسي والمفهوم الواضح للعدالة وللتوافق لا يمكن أن يكون لمثلي تأثير أو مكان". بدا واضحا أن الاتحاد الأوروبي كان الشريك الدولي للنظام الإقليمي العربي في تغطية وتشريع ثورة 30 يونيو. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي أراد مراعاة "مشاعر" الولايات المتحدة بالحديث عن مستقبل يحتوي الإخوان والإسلامويين، لكن ما لم يدركه الاتحاد الأوروبي والبرادعي والإخوان، أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الأولى على مستوى العالم، لكن على مستوى الإقليم حصرا، تتراجع هذه القوة أمام القوى المحلية المتجذرة بحكم الأمر الواقع والمصالح منذ عقود.

ليست صدفة أن تقوم السعودية والإمارات والكويت والأردن بالتأييد الفوري والصريح لثورة 30 يونيو مع إعلان الدعم اللا محدود للنظام المصري الجديد. كانت العواصم العربية والدولية الرئيسة، تعرف أن يوم 30 يونيو، قبل وصوله بشهرين على الأقل، هو ساعة الصفر لإنهاء حكم الإخوان في مصر. والعواصم الخليجية تحديدا، كانت تعرف أن ذلك اليوم هو الضربة القاضية للرهان الأميركي – الإخواني. والرئيس السيسي نفسه خلال حملته الانتخابية صرح في لقاء بأنه “أدرك” نهاية حكم الإخوان قبلها بأشهر وأسر بذلك لبعض السفراء والمبعوثين، وهذا لا يشكك في أصالة ثورة 30 يونيو، فمحطات التحول المحلية والإقليمية لا يكتب لها النجاح لولا تغطيتها محليا وإقليميا ودوليا بالحد الأدنى على الأقل، ولنا في الثورة السورية المثال الناصع في الأثر الفادح لغياب الحد الأدنى من التغطية وتداعياته في إطالة أمد الصراع وتعطيل النجاح، رغم المسببات الداخلية الصرفة للثورة السورية وتقديم الشعب السوري للملايين من اللاجئين والشهداء والجرحى لإزاحة طاغيته.


المربع العربي
استحضار زاوية جديدة لثورة 30 يونيو المصرية في هذا التوقيت تكمن أهميته في حاجة العرب إلى إحياء المربع العربي (السعودية، الإمارات، مصر، الأردن) مجددا لإسقاط الرهان الأميركي – الإيراني، وليس خافيا أن التصدي لهذا المشروع أصعب بكثير من تجربة إسقاط الرهان الأميركي – الإخواني، فليس كافيا هذه المرة، وجود عقول ألمعية وشخصيات استثنائية كالأمير بندر بن سلطان والمشير طنطاوي.

أولا، نحن أمام مسرح عمليات أوسع، كانت المعركة السابقة محددة بمصر، لكن المسرح هذه المرة تمدد إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها بسبب الجيوب التي زرعتها إيران في غير دولة بالتشييع السياسي أو بالتشييع الديني انتهازا لضعف قيمة المواطنة عربيا. ومن تلك الجيوب ما هو مسلح أو متجرئ على العنف المجاني كحزب الله والحوثيين. ثانيا، على صعيد الرسوخ، كان عمر الإخوان في السلطة سنة واحدة في حين أن عمر المشروع الإيراني للتغلغل العربي يتجاوز العقود الثلاثة.

ثالثا، أن نجاح التسلل الإيراني عربيا اعتمد تسويقيا على انكسارات القضية الفلسطينية التي أضعفت هيبة الدولة العربية، وبالتالي تحتاج الأنظمة العربية لتقديم بصيص أمل في هذا الملف إن استحال تحقيق التقدم الملموس. رابعا، نجح التسلل الإيراني أيضا بفضل نتائج خيار المحافظة الذي ساهم في تردي الأوضاع القائمة وفقدان الأمل بالإصلاح أو بالتغيير، وحينها ستتعاطف بعض المكونات الداخلية بسهولة مع خيار الثورة وهو يرى أن لا أمل في معالجة الفساد والبطالة والاستبداد والتمييز، وليس غريبا أن ترتمي يائسة في أحضان التطرف والإرهاب.

خامسا، وهو ما كشفته لنا التطورات الإقليمية، تباين وجهات النظر بين بعض أركان المربع العربي بحكم الجغرافيا السياسية والظروف المحلية، فبعض الدول تقدّم خطر الإسلاموية السلفية على خطر الإسلاموية الإيرانية عكس بقية أركان المربع العربي، التي ترى إيران خطرا رئيسا في ذاتها عبر مشروعها التوسعي ثم في كونها حاضنا ومحفزا للإرهاب السلفي بشكل مباشر أو غير مباشر عبر دعم الإرهاب والسياسات الطائفية.

وتتضح هذه النقطة جليا في النظرة للأزمة السورية، فالسعودية مثلا أعلنت موقفها الرافض لنظام بشار الأسد ولكل قوى الإرهاب السلفي والشيعي، في حين أن مصر مثلا، تتخوف من أن يؤدي سقوط بشار الأسد إلى حكم إسلاموي للتو تخلصت من شبيهه ونجت من تداعيات آثاره المستقبلية، رغم تجاهلها المطلق لدور الأسد في صناعة الإرهاب ودعمه وممارسته وتاريخه الأسود الذي استهدف المصالح المصرية زمن الرئيس مبارك، وغضها الطرف عن رفض الشعب السوري لحكمه.

سيتمكن المربع العربي من إسقاط الرهان الأمريكي – الإيراني إذا تحقق شرطان، الأول هو مواءمة المصالح بين أركان المربع من خلال موازاة خطر التوسع الإيراني وخطر التمدد الإرهابي، وما يصعب الأمر، المشقة في إقناع العرب بتحالفات مؤسسية معقدة وطويلة الأمد، كما أن الاتحاد الأوروبي لن يشارك العرب في كل مشروعهم بحكم شراكته في الخطوة الأميركية باتجاه إيران، كما أن الظروف الاقتصادية في بعض الدول العربية ستطمع في فتات الأموال الإيرانية المجمّدة أو المدخرة خلال عقود خلت في ظل اهتزاز أسعار النفط، والجهد الأمني لاستئصال (حزب الله) أكثر تعقيدا من الجهد المبذول لإسقاط الإخوان كما بيّنت عاصفة الحزم السعودية والعربية ضد الحوثيين.

أما الشرط الثاني، فهو تبني أركان المربع العربي محليا لمشروع إصلاح شامل وجذري يقطع أسباب الانجذاب للشعارات الإيرانية الزائفة، وصعوبة هذا الخيار تكمن في اعتماد الدول الأربع لمبدأ المحافظة داخليا وخارجيا “الإبقاء على الوضع القائم”، في حين أن كلفة المحافظة ترتفع كلما مر الوقت وتعاظمت الأزمات وهي تفقد جاذبيتها مع وطأة انعدام المشاركة وارتياح إسرائيل وتضخم الفساد والاستبداد والتطرف، وتميل بعض هذه الدول إلى عزل نفسها محليا عن متغيرات العالم بصورة تتجاوز قوانين المنطق والاجتماع والتاريخ، ممّا يقوي إقليميا إيران والإرهاب."

واختتم الصحفي مقاله بـالتساؤل: "هل هناك خيارات أخرى؟ بالتأكيد، سقوط الجمهورية الإسلاموية الإيرانية أو تحالف عربي – إسرائيلي يعضده غضب نتنياهو من الاتفاق الأميركي – الإيراني الذي جعل خطابه في الكونغرس قبل التوقيع النهائي أو تصريحاته الإعلامية بعد التوقيع، أشبه بخطبة نارية يستحق أن يكون صاحبها أمين جامعة الدول العربية. المشكلة أن خيار المربع العربي أو خيار إسقاط نظام الملالي أو التحالف مع إسرائيل كلها، من حيث الكلفة والجهد، أشبه بالمهمة المستحيلة، لكن سابقة إسقاط الرهان الأميركي – الإخواني ثم عملية عاصفة الحزم في اليمن، تدفعنا إلى تفاؤل أخشى ألا يكون منطقيا."