منال لاشين تكتب: سيناريو استيلاء السلفيين على مجلس النواب
■ اللجنة العليا للانتخابات تتجاهل طلبا بمنع الأحزاب الدينية منذ عام ■ الإسلامبولى يطالب اللجنة من 11 شهراً بمراجعة برامج أحزاب الإسلام السياسى للتأكد من عدم مخالفتها الدستور ■ هناك تيار فى الدولة يرى تغيير الإخوان بالسلفيين خاصة حزب النور وهو اتجاه يعيدنا إلى أسوأ من حكم الإخوان
التاريخ يعيد نفسه مرتين لأننا لا نستمع إليه فى المرة الأولى ولكن أحيانا يعيد التاريخ نفسه عشر مرات أو حتى مائة مرة، لأن البعض سمعه تقيل ويكاد يكون أطرش، ولذلك يكرر نفس السيناريو بنفس الخطوات ونفس النهايات التعسة وأحيانا الخطيرة والدموية.
فكل مهادنة لتيار الإسلام السياسى، كل صفقة بين نظام ما وقيادات أو فئات بهذا التيار انتهت نهاية عاصفة أو دموية على النظام الذى كرر التاريخ ولعب اللعبة مع فصيل من تيار الإسلام السياسى.
لعبها الرئيس السادات فكانت نهايته على يد نفس التيار الذى مكنه من لعبة السياسة.
وفى عصر مبارك قاد تيار من النظام فكرة التوبة أو المراجعات وكأن سفك الدم مثل شرب البيبسى، وبعد أكثر من ربع قرن يتمرد وينقلب معظم قيادات المراجعات أو التوبة عن العنف على التوبة الشهيرة. خلال هذه الفترة خرجت القيادات من السجن وسافر من سافر وخطط من خطط واستعد الكثير منهم ليوم العودة للعنف والقتل باسم الدين.
فى الغالب تنسى بعض أجنحة النظام فى كل عصر أن أجنحة تيارالإسلام السياسى لا عهد لها مع أى نظام. لأن هذا التيار يرى المجتمع والنظام كافرين، ولذلك يستحل الكذب وإخفاء نواياه والانقلاب على العهود والوعود. المهم الاستفادة لأقصى درجة ممكنة من أى نظام أو أى تغيير.
ولذلك عندما وجد الإخوان فى تصعيد جمال مبارك فرصة للتواجد الشرعى على الساحة السياسية سارعت قيادات الجماعة بمباركة توريث جمال مبارك الحكم مقابل صفقة سياسية بالاعتراف المتبادل. الجماعة تبارك لدى قواعدها توريث جمال، ونظام الحرس الجديد بالوطنى يعترف بالإخوان.
فى ذلك الوقت كان الإخوان يستبعدون ولا يحلمون حتى بثورة شعبية، ولكن ما أن ثار الشعب المصرى على مبارك وولده ومشروع التوريث حتى غير الإخوان وجههم. ركبوا موجة الثورة وادعوا رفضهم للتوريث.
وعندما وصلوا للحكم خاضوا انقلاباً آخر بالسيطرة على اللعبة السياسية وتغيير هوية المجتمع.
أما السلفيون فكانوا يقفون فى منطقة بعيدة عن السياسة قبل ثورة 25 يناير. تركتهم الدولة وبرعاية من أمن الدولة للتوغل فى المناطق الشعبية والعشوائية.
مرة أخرى خدع أمن الدولة وجناح بنظام مبارك. مرة أخرى لعب النظام مع جبهة أو فريق من تيار الإسلام السياسى، وفى ذلك الوقت بدا السلفيون أكثر أمانا من الإخوان. فهم لا يطمعون فى الحكم ويؤمنون بأن الخروج على الحاكم كفر.
وحتى بعد ثورة 25 يناير ظلت بعض قيادات السلفيين تردد هذه المقولات، لكنها تورطت فى السياسة لآخر نفس. فهناك أحزاب سلفية وقوى تلعب فى النور والظلام، على المسرح السياسى وخلف الكواليس.
1- لا للأحزاب الدينية
وعلى الرغم من موافقة المجتمع من خلال الاستفتاء على الدستور على حظر الأحزاب الدينية، وعلى الرغم من الغضب من خلط الدين بالسياسة بعد تجربة الإخوان. وعلى الرغم من هذا وذاك فإن الأحزاب ذات المرجعية الدينية لا تزال تعمل وتجهز للانتخابات. بعضهم يزعم كونه حزباً غير دينى، وبعض الأحزاب الأخرى «مطنش» لأنه لا يجرؤ على التبرؤ ولو بالكذب من هويته ومرجعيته الدينية.
وحسما لحالتى الإنكار والتطنيش فقد حاول بعض النشطاء والوطنيين إيجاد حل حاسم وقانونى لتنفيذ حظر الأحزاب الدينية. البعض لجأ للقضاء من خلال لجنة الأحزاب والقضاء الإدارى.
وآخرون دشنوا حملة شعبية تحت عنوان «لا للأحزاب الدينية».
ولكن من المثير أن تتجاهل لجنة شئون الأحزاب طلبا بشأن هذه القضية منذ ستة أشهر. أو بالأحرى تتجاهل القيام بواجبها فى حظر الأحزاب القائمة على مرجعية دينية أو الأحزاب القائمة على أساس عسكرى.
الطلب مقدم من المحامى الكبير والفقيه الدستورى عصام الإسلامبولى، وقد قدمه لرئيس لجنة الأحزاب السياسية منذ أحد عشر شهراً، وتحديدا فى 14 اكتوبر 2014، وقد تسلمت اللجنة الطلب.
يقول الأستاذ الإسلامبولى إن كلاً من الدستور والقانون قد خول لرئيس لجنة الأحزاب الحق فى أن يتقدم بطلب لحل أى حزب من الأحزاب السياسية وتصفية أمواله وتحديد الجهة التى تؤول لها هذه الأموال، وذلك متى ثبت لدى اللجنة أن الحزب فقد شرطاً من الشروط الواجب توافرها لتأسيس الحزب أو استمرار قيامه.
ومن بين هذه الشروط عدم قيام الحزب على أساس دينى ولا بناء على تفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية أو نشاط ذى طابع عسكرى أو حتى شبه عسكرى.
وفى قانون الأحزاب السياسية فإن لرئيس اللجنة أن يطلب من المحكمة الإدارية العليا حل الحزب، وذلك بناء على تقرير يجريه النائب العام.
فالأصل أن لجنة الأحزاب هى المسئولة قانونيا ودستوريا عن مراجعة برامج وأنشطة الأحزاب القائمة لضمان استيفاء الشروط الدستورية والقانونية للأحزاب، ولضمان عدم خروج الأحزاب عن القيود الدستورية أو بالأحرى القواعد الدستورية، والأصل أو الأولى أن تقوم لجنة شئون الأحزاب بهذه المهمة الدستورية من تلقاء نفسها ودون انتظار لتحريك المواطنين دعاوى قضائية.
ولذلك كان طلب الأستاذ الإسلامبولى محددا من لجنة الأحزاب، وهذا الطلب الدستورى والقانونى والواقعى جدا هو مراجعة برامج الأحزاب التى تنتمى لما يعرف بتيار الإسلام السياسى، وبعد مراجعة البرامج يمكن الحكم على الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وحظرها، والسماح للأحزاب الأخرى بممارسة العمل الحزبى واستمرار الأحزاب.
على سبيل الاسترشاد قدم المحامى الكبير قائمة بالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وهى أحزاب الحرية والعدالة «تم حله» والنور والوسط والأصالة والفضيلة والوطن والبناء والتنمية والإصلاح والحضارة والعمل الجديد.
2- تنظيم دعم الشرعية
ومن ناحية أخرى يضيف الأستاذ الإسلامبولى فى مذكرته بعدا آخر أو مبررا دستوريا جديدا لحظر بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. فبعض هذه الأحزاب قامت بنشاط معاد للديمقراطية وشاركت فى تحالف غير قانونى وجرى تكوين تشكيلات شبه عسكرية من خلال ما عرف بتحالف دعم الشرعية وهو التحالف الذى جرى إطلاقه لمواجهة ثورة 30 يونيو، وبحسب المذكرة فإن 30 يونيو ثورة قام بها الشعب وساندته فيها القوات المسلحة، ولذلك فإن اشتراك أحزاب فى تحالف دعم الشرعية يجعل حل هذه الأحزاب وحظر نشاطها واجباً دستورياً.
ولهذا المعيار أو بالأحرى السبب يدخل فى زمرة هذه الأحزاب حزبان مهمان وهما حزب الوسط وحزب مصر القوية.
ويعد الحزبان الآخران من أكثر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ليبرالية، وذلك إذا جاز استخدام تعبير ليبرالية مع جيتو تيار الإسلام السياسى.
وبعيدا عن المذكرة فإن بعض هذه الأحزاب لم تعترف بثورة 30 يونيو من الأساس وهو الإنكار أو الرفض للثورة الشعبية يتقاطع مع الدستور. لأن تعديلات الدستور قامت على أهداف ثورة 30 يونيو، وقد تضمن الدستور نصا صريحا بالاعتراف بشرعية ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ولذلك فإن الحزب الذى يرفض الاعتراف بثورة 30 يونيو يناهض الدستور. فالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التى رفضت الاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو يجب حظرها لسببين وليس سبباً أو مخالفة واحدة.
3- برلمان بذقن
الخلط بين الدين والسياسة هو الخطيئة الكبرى التى أدت لضياع ثورة 25 يناير وذهاب ثمرة الحرية إلى كل أشكال أصحاب الذقون الإسلامية على اختلاف أطوالها وأحجامها. ففى مجتمع تنتشر فيه الأمية ويعانى من ضعف فى فكرة المشاركة السياسية فان طريق الأحزاب الدينية يكون مفروشاً بالزهور. ليس هناك أسهل من صورة الرجل المتدين بالذقن والسبحة. هذه الصورة تسهل جمع التبرعات وشراء الأصوات إما بالزيت والسكر أو باسم الدين، وقد شاهدنا تجربة عملية فى انتخابات مجلس شعب 2012 بعد ثورة 25 يناير. استطاع أصحاب نظرية الخلط الفوز بأصوات معظم الشعب المتدين، وكانت المنافسة بين هذه التيارات والتيار المدنى أشبه فى كثير من الدوائر بالجدل بين الكفر والإيمان، وقد ظهر هذا التوجه جليا فى بعض محافظات الصعيد.
وكشف برلمان الإسلاميين عن ضحالة خرافية فى مستوى النواب العلمى والسياسى، وفرضت هذه التيارات أجندة متخلفة على المجتمع، ولولا ثورة 30 يونيو لتغيرت مصر إلى الأبد.
وفى غمار الشعور الوطنى بعد ثورة 30 يونيو ارتضى الشعب بإنهاء هذا الخلط بين الدين والسياسة، وجاءت نتيجة الاستفتاء على الدستور لتؤكد بشكل ديمقراطى هذا التوجه.
ولذلك فإن الأمر يبدو مثيرا للدهشة والغضب معا. فلجنة شئون الأحزاب تتجاهل منذ ما يقرب من عام بحث وحسم هذه القضية المحورية لبناء أى نظام ديمقراطى، والآن تدور عجلة الانتخابات دون حسم لهذه القصية، ودون بحث أو دراسة لبرامج الأحزاب، واستبعاد الأحزاب ذات المرجعية الدينية.
وبعيدا عن لجنة شئون الأحزاب فإن ثمة تناقضاً فى المجتمع. فالنشطاء والمثقفون يطالبون بتطبيق الدستور وحظر الأحزاب الدينية.
ولكن ثمة تياراً فى الدولة المصرية يبدو غير متحمس أو على الأقل يبدو غير قلق من وجود هذه الأحزاب، وهذا الجناح أو التيار لا يظهر انزعاجا وأحيانا لا يظهر اهتماما بخطورة هذه القضية.
هذا التيار يرى أن استبدال النور بالإخوان ممكن، وأن مزاج المجتمع لايزال يتقبل خلطا بين الدين والسياسة. هذا التيار لا يريد أن يدخل فى مواجهة مع كل أجنحة تيار الإسلام السياسى، ويعتقد أن استبعاد هذا التيار كله من السياسة مخاطرة سياسية كبرى، وأن هذا الاستبعاد سواء بالدستور أو بالقانون يرسم صورة عدائية للإسلام. فهذا التيار يرى أن النظام السياسى فى حاجة إلى مجموعة من الإسلاميين، وذلك حتى لا تبدو ثورة 30 يونيو وكأنها موجة ضد الإسلام وليس الإخوان، ولذلك يبدو وجود حزب النور أو بالأحرى استمراره مهما فى هذا التيار أو أصحاب التوجه، وفى هذا السياق تلعب على السطح شخصيات من النوع الإسلامى المعتدل، وتلك الشخصيات والأسماء مستعدة أن تلعب دور الكفيل الإسلامى لثورة 30 يونيو، وأو بالأحرى نفى ادعاء أن ثورة 30 يونيو ضد الإسلام.
وأعتقد أن القضية ليست الاختيار بين النور أو الوسط أو المعتدلين الإسلاميين. الاختيار يجب أن يكون بين احترام الدستور أو مخالفة الدستور. الاختيار يجب أن يكون بين فصل العمل الدينى عن العمل السياسى أو الخلط بينهما فى خلاط الانتخابات. الاختيار على طريقة شكسبير هو نكون أو لا نكون. نكون نظاماً ديمقراطياً حقيقياً. أو لا نكون سوى منافقين باسم الدين. نكون على طريق مستقبل مستقر أو لا نكون إلا تكراراً لتجربة الإخوان الخطيرة والمريرة فى نفس الوقت.
أرجو أن يكون اختيارنا لصالح الدستور والمستقبل وبناء ديمقراطية حقيقية. أرجو أن يكون خيارنا وانحيازنا لصالح فصل العمل الدينى أو الدعوى عن العمل السياسى. أرجو أن يكون خيارنا ضد الأحزاب الدينية حماية للدين والدنيا معا، ولذلك أرجو أن تستجيب لجنة شئون الأحزاب لما جاء فى المذكرة القانونية للأستاذ عصام الإسلامبولى. مرة ثانية وعاشرة التاريخ يكرر نفسه مرتين لأننا لا نستمع إليه فى المرة الأولى.