أحمد فايق يكتب: جنرالات شرطة مستبعدون ينتقمون من وزير الداخلية بتحريض الأمناء على الإضراب المسلح
مجدى عبد الغفار يعيد للشرطة شبابها بالهيكلة والتطهير من الفساد
مجموعة من أمناء الشرطة يحتجون فى مديرية أمن الشرقية، يحتجزون مفتش الداخلية قبلها بيوم، يقفون فى إضراب مسلح فى محافظات مختلفة، حالة من الغضب الشعبى تجاه تصرفات أمناء الشرطة، فيديوهات يتم تداولها لأمناء شرطة يتقاضون رشاوى، مطالب بتطبيق قانون التظاهر عليهم، معلومات كاذبة عن اشتباكات مسلحة بين المضربين وقوات الأمن المركزى، أحاديث عن إصابات، مطالب غير منطقية لأمناء الشرطة، مقارنات بين رواتب الجيش والشرطة تهدف للوقيعة بين الطرفين، لقد كادت أن تنفجر مصر فى ليلة واحدة، ولا يمكن أن نقرأ المشهد الذى حدث إلا فى سياق أكثر شمولا.
هناك أطراف تريد إفشال مشروع وزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار، الرجل الذى نجح فى تحقيق مطالب ثورتين فى ثلاثة أشهر وفى هدوء ودون ضجيج، هناك أطراف تريد لداخلية حبيب العادلى أن تستمر من خلال تفجير ملف أمناء الشرطة فى وجه الوزير القوى، اللواء مجدى عبد الغفار طوال هذه الأزمة بدا ثابتا قويا لا يخضع لابتزاز أحد، أرسل 12 سيارة أمن مركزى مدرعة و4 فرق فض شغب، كان لديه استعداد أن يكمل السيناريو للنهاية، بشرط ألا تهتز صورة الدولة على يد أى مطلب فئوى حتى لو كان أمين شرطة.
من السهل عليك أن تطالب بحبس أمناء الشرطة المضربين والاشتباك معهم، لكنك لو جلست مكان مجدى عبد الغفار فى هذه الأزمة لن تفعل هذا، فتطبيق هذه القاعدة هو تفجير لمصر، وإيجاد ثقب يدخل منه الثعابين إلى المنزل ولدغ من فيه، لقد تعامل مجدى عبد الغفار على الارض بقوة وأرسل لأمناء الشرطة رسائل عديدة أهمها أنه لن يقبل بضغط من أحد، لكنه فى نفس الوقت تعامل مع الأمر إعلاميا بهدوء ولم ينقل لهجته الحادة إلى وسائل الإعلام وإلا انفجرت مصر.
تشير المعلومات إلى أن هناك جنرالات سابقين بالداخلية قاموا بتحريض الأمناء على هذا الإضراب، يريدون اللعب بهذا الملف حتى يقولوا إن الدولة ستضيع دونهم، لقد تعودوا على أن مناصبهم فى السلطة مخلدة، إن بقاء حبيب العادلى وزيرا للداخلية تسبب فى إصابة الشرطة بالشيخوخة، مجموعة من الموظفين يحملون رتبة جنرال، لا طموح لهم فقد تعودوا أن يجلسوا فى مكاتبهم، يمارسون السلطة ولا يستخدمونها فى صالح المصريين، تربوا على أن رضاء حبيب العادلى أهم لديهم من رضاء المواطن عن أدائهم، كانت استراتيجيتهم الأمنية تعتمد على خوف المواطن وليس المهنية فى الأداء، فى عهد حبيب العادلى كان ضابط المباحث يستطيع الدخول إلى حوارى إمبابة وحده والقبض على المجرمين، الآن لا يستطيع أن يدخل إلا وسط حراسة من جنود وأسلحة وقميص واقٍ من الرصاص، فقد تغير الزمن، والشارع لم يعد يخاف، ويحتاج إلى مهنية فى التعامل، والمهنية والتجديد لا يأتيان إلا من خلال جيل الشباب.
وهو الحل الذى ينفذه الآن اللواء مجدى عبدالغفار بدقة، فقد أجرى الرجل ثلاث حركات كبرى فى 4 أشهر فقط، فهو على قناعة بأن بقاء الضابط فى مكانه مدة كبيرة قد يغريه بالفساد أو الكسل، لقد قام مجدى عبد الغفار بتجديد الدماء فى الداخلية فى الحركة الأخيرة والتى شملت ألفى ضابط، هناك قيادات الآن برتب مقدم وعقيد، والجيل الأول لم يعد له وجود كبير، فالزمن لا يرحم أحداً، والإرهاب يستخدم أكثر وسائل التكنولوجيا تقدما، ولن يستطيع مواجهتها قيادة لا تعرف الفرق بين الفيس بوك وتويتر، أو لا تتقن لغة الواتس آب.
لقد شملت الحركات الثلاث الأخيرة استبعاداً لبعض الأسماء بسبب اشتباه فى فساد أو استغلال نفوذ، وهناك بعض القيادات استغلت نفوذها لإعطاء مزايا إضافية لأبنائهم الضباط، وهناك أسماء أخرى قدمت للوطن الكثير وآن لها أن تستريح لترى أجيالاً أخرى تكمل المسيرة.
لقد استبعد وزير الداخلية عشرات من اللواءات ممن كانوا يعتقدون أنهم وزراء، وكون بعضهم مراكز قوى ونفوذاً أضرت بالوطن، إن مايحدث الآن بوزارة الداخلية كان حلم كل ضابط صغير قبل أى مواطن، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك صراع أجيال فى مصر، هذا الصراع موجود فى كل القطاعات، وهناك جيل من الشباب فى وزارة الداخلية قادر على إصلاح كل أخطاء الماضى، وصناعة شرطة مهنية قوية تحترم حقوق الإنسان والحريات.
مجدى عبد الغفار هو «سيسى» آخر فى وزارة الداخلية، يتخذ القرار ويتحمله، ولا ينظر خلفه مثل القطار، فمن لديه حل لأزمات الوطن يتقدم الصفوف، والمرتعش يعود إلى الوراء، لقد قام الوزير بعمل أكبر حركة هيكلة لوزارة الداخلية فى تاريخها خلال أربعة شهور فقط، كان طبيعيا أن نرى رد فعل سلبياً، فالفساد مثل الورم السرطانى احتل جسد الوطن، والفاسدون لن يتركوا لأحد فرصة التطهير، لقد أعاد الرجل هيكلة الوزارة من خلال إعطاء فرصة أكبر للشباب.
لقد أصبح من الطبيعى الآن أن نرى رئيس مباحث المحافظة برتبة عقيد أو عميد وربما مقدم، هذه المناصب قديما كانت حكرا على اللواءات، ما أكتبه ليس فيه إهانة لأحد أو تقليلاً من قيمته، أو دعوة للتخلص من اللواءات، بل هو متطلبات وظيفة، مستحيل أن نرى لواء فى الصاعقة يسير على «عكاز» أو ذو «كرش» ضخم، هيئته تغرى أعداء الوطن للانقضاض عليه، الداخلية كانت تحتاج إلى تجديد دمائها، وهى الآن تدفع الثمن.
مصر كانت تحتاج إلى قرار شجاع فى دعم البنزين، قرار لم يجرؤ مبارك على اتخاذه طوال 30 عاما، واتخذه السيسى ودفع ثمنه، لكن القرار تم تمريره بعد أيام صعبة، الآن مجدى عبد الغفار يتخذ القرار الصعب بإعادة هيكلة الداخلية والتخلص من الفاسدين، سيواجه حربا بشعة، سيحقرون مايفعله فى وسائل الإعلام، فالمستبعدون لديهم لوبى فى الإعلام أيضا، لوبى يستطيع أن يغير الصورة، ويهيج الرأى العام، إن مايفعله مجدى عبد الغفار الآن فى وزارة الداخلية هو ما تمنيناه طوال السنوات الأخيرة.