عادل حمودة يكتب: وثائق الأمن القومى بيعت فى لندن قبل الدوحة
الملفات السوداء لتهريب وثائق رئاسة الجمهورية
من هيكل وأشرف مروان إلى رجال محمد مرسى!
لم يكن تهريب وثائق الدولة عبر بوابة الرئاسة وبأمر الرئيس الجريمة الأولى من نوعها التى وقعت فى زمن محمد مرسى.. فقد سبق أن وقعت من قبل.. فى زمن أنور السادات.
لقد هرب أمين الصيرفى سكرتير مرسى وثائق المؤسسات العسكرية والسيادية والأمنية خارج قصر الاتحادية.. وحملتها ابنته كريمة إلى شخصيات إخوانية أخرى تخدم قناة الجزيرة.. واتفق على تهريبها إلى قطر.. مقابل مليون دولار.. لم يدفع منها سوى خمسين ألفا فقط.. وجرت العملية بتدبير من المخابرات القطرية.. وتحت إشراف رئيس الحكومة السابق حمد بن جاسم.. وقبض على المتهمين متلبسين يوم 17 ديسمبر 2014.. وأحيلوا إلى الجنايات (دائرة المستشار محمد شيرين) فى انتظار أحكام قد تصل إلى الإعدام.
لكن.. وقائع تهريب الوثائق الرئاسية التى جرت قبل 45 سنة بعلم الرئيس لم يتهم فيها أحد.. بل على العكس جرى تكريم مرتكبيها.. فقد كانت الجريمة على هوى النظام.. وبمباركته.
فى 13 مايو 1971 سجن سامى شرف سكرتير جمال عبدالناصر للمعلومات فى القضية التى تخلص فيها السادات من كل رموز حكم سلفه تمهيدا لتغيير سياسته.. تغييرا حادا.. وبعد أسبوع من الإفراج عن سامى شرف (فى يونيو 1980) جاء إليه رئيس السكرتارية الفنية للمعلومات طالبا منه بإصرار أن يحضر مصحفا حتى يصدقه قبل أن يكشف له «ما يوقف شعر رأسه».
قال الرجل: «فى اليوم التالى لاعتقالك يا فندم دخل سكرتارية المعلومات أشرف مروان ومحمد حسنين هيكل ومعهما مصور.. راح بأمرهم يصور كل ورقة تحت أيدينا.. وطبعا منها نسختين.. واحدة لكل منهما.
لقد استولى هيكل ومروان على الوثائق الرئاسية السرية والعلنية لمصر بكل ما فيها من تقارير تمس القوات المسلحة والمخابرات العامة والمباحث العامة ورسائل السفارات ومحاضر اجتماعات التنظيمات السياسية وتأشيرات الرئيس بكل ما فى هذه الوثائق من سرية وخطورة.
ولو كان هيكل قد استخدم نسخته من وثائق العصر الناصرى فى مؤلفاته محققا ثروة وشهرة فإن مروان هرب نسخته إلى لندن وخبأها فى مكان ما لتكون سلاحا فى يده يستخدمه حسب الظروف.. وضد من يشاء.
ويبدو.. أن الرجلين هيكل ومروان رسما لرجال مرسى ولو دون قصد طريق الاستفادة من الوثائق التى استولوا عليها.. فقد كان مقررا استخدامها إعلاميا على طريقة هيكل بنشرها على قناة الجزيرة.. وكانت هناك محاولة لتهريبها إلى الخارج على طريقة مروان.
فى عام 1995 اتصل مروان تليفونيا بسامى شرف طالبا منه السفر إلى لندن والبقاء فيها عدة شهور «لتتذكر سكرتارية المعلومات».. مضيفا: «أريدك أن تنظم ما لدى من وثائق هناك بنفسك».. ووافق شرف.. لكن.. بعد 5 أيام اعتذر مروان عند تنفيذ ما أراد بنصيحة من هيكل.. «بلاش سامى يا أشرف».
فى مكتب عبد الناصر كان هناك رجلان.. سامى شرف مسئول عن كل ما يتصل بالمعلومات.. ومحمد أحمد كان سكرتيرا شخصيا.. مختصًا بما يمكن وصفه بشئون العلاقات العامة.. وإن كان عبد الناصر قد جعل منه قناة جانبية لتوصيل معلومات الشخصيات التى لم تكن على وفاق مع سامى شرف.
وصف أرشيف الوثائق فى ذلك الوقت حسب تعبير هدى عبد الناصر بأرشيف سامى شرف.. فقد أسسه.. ونظمه.. وأحكم السيطرة عليه.. بسكرتارية فنية اختار كل فرد فيها بعناية.
قبل «أرشيف سامى شرف» تناثرت الوثائق الرئاسية فى أكثر من مكان.. منها مجلس الوزراء.. حيث حفظت فيه وثيقة الجلاء التى وقعت بين مصر وبريطانيا عام 1954 وإن لم تعثر عليها هدى عبدالناصر التى وجدت سهولة فى الحصول على نسخة منها فى أرشيف الحكومة البريطانية «10 دوينج ستريت».. ومنها مجلس قيادة الثورة.. حيث لا تزال هناك حتى الآن محاضر الاجتماعات التى عقدت.. وجلسات وأحكام المحاكم التى نصبت.. ونسخ من القرارات التى صدرت.
وليس صحيحا أن خزانة عبد الناصر كان بها وثائق رسمية تدين أنور السادات حسب رواية شائعات فيما بعد.. لم يكن فى الخزانة سوى مسدس «ميرى».. وخطابات شخصية من والد الرئيس.. وكشوف بأقدمية قادة القوات المسلحة.. وقبل وفاته بشهر سلم عبد الناصر 15 ألف جنيه إلى سامى شرف ليضعها فى الخزانة العامة تحت بند المصروفات السرية.
كان للخزانة مفتاحان أحدهما مع محمد أحمد والثانى مع السيدة تحية كاظم حرم الرئيس.. وعندما توفى عبدالناصر سلم مفتاحه إليها.
بعد انقلاب 15 مايو 1971 نقل الأرشيف إلى قصر عابدين وإن كان زكريا عزمى أنكر ذلك عندما ذهبت إليه هدى عبد الناصر لتطلع على بعض الوثائق التى تريدها فى توثيق تاريخ والدها.
على أن الدكتور جمال شقرة أحد أعضاء لجنة كتابة التاريخ التى شكلها السادات ولم تكمل مهمتها اعترف للدكتورة هدى عبدالناصر بأنه وجد فى أرشيف عابدين (42) نوتة بخط يد والدها.
وحسب القانون يجب نقل الوثائق من الرئاسة إلى دار الوثائق بعد مدة معينة من الزمن.. وقد نقلت وثائق أسرة محمد على من قصر عابدين إلى دار الوثائق بعد ثورة يوليو.. ومكنت الباحثين والمؤرخين من تحضير أعداد هائلة من أبحاث الماجستير والدكتوراه.
منذ عصر السادات وحتى نهاية عصر مرسى لم تعد الرئاسة تحتفظ بوثائقها أكثر من خمس سنوات.. لتنقلها بعد ذلك إلى حجرات خاصة مؤمنة فى قصور رئاسية أخرى تحت إشراف رئيس الديوان الذى يوجد مكتبه فى قصر عابدين.
وتصل بعض الوثائق للرئاسة داخل مظاريف محكمة الغلق.. يحملها مندوب خاص من الجهة الصادرة.. يسلمها على «سركى» لسكرتارية الرئيس.. وأحيانا.. كانت الوثائق ترسل بالفاكس إذا لم تكن تحظى بدرجة من درجات السرية العشر.. منها محظور.. سرى.. سرى جدا.. سرى للغاية.. مثلا.
وتتولى عملية تصنيف الوثائق الجهات المرسلة.. مثل القوات المسلحة.. والمخابرات الحربية.. والمخابرات العامة.. والأمن الوطنى.. مثلا.
وهناك وثائق أخرى يحدد درجة سريتها الرئيس نفسه.. أو مكتبه.. وربما كانت الوثيقة لا تحمل درجة سرية فى صورتها الأصلية.. لكن.. بعد وضع تأشيرة الرئيس عليها تصنف تصنيفا سريا.
وفور أن تصل وثيقة ما إلى مكتب الرئيس لا تفتح إلا أمامه.. ولو كان خارج الرئاسة يبلغ بوجودها تليفونيا دون فض المظروف.. وحسب قرار الرئيس تقرأ الوثيقة عليه تليفونيا أو تنتظر وصوله.
لكن.. لم يكن هذا النظام الذى طبق فى سنوات حكم مبارك مناسبا لمدير مكتب مرسى.. فأحمد عبد العاطى كان بصفته الأقدم تنظيميا فى جماعة الإخوان له الحق فى فض الوثائق وقراءتها قبل الرئيس.. وأحيانا لم يكن يعرضها عليه.. بل.. يوصلها إلى مكتب الإرشاد ليتخذ ما يراه مناسبا.
بل.. إن مرسى لم يكن ليستطيع الانفراد بأى مسئول ولو كان مدير المخابرات العامة فقد كان مدير مكتبه أحمد عبد العاطى وأسعد شيخة (نائب رئيس الديوان) لا يفارقانه إلا عند النوم.
فى سنوات حكم مبارك كانت السكرتارية تحتفظ بالوثائق الحديثة لبعض الوقت خشية أن يطلبها الرئيس.. توضع فيما يسمى «شنطة البوستة».. حيث توجد فى تلك الشنطة أيضا نسخة دائمة من الدستور.
وأحيانا يضع الرئيس على وثيقة ما تأشيرة تحذر من الاطلاع عليها إلا بأمر الرئيس.. وبعض هذه الوثائق تقارير أمنية رصدت شخصيات سياسية وحزبية وصحفية عرضت نفسها على سفارات أجنبية لتعمل جواسيس لبلادها.. ويرفض من ذكر تلك المعلومة أن يكشف عن بعض الأسماء.. فأغلبها لا يزال قائما على سطح الحياة العامة.. قادرا على التنقل ببراعة وخفة من نظام إلى نظام.
وتصل إلى الرئيس عادة تقارير يومية من المخابرات العامة والمخابرات الحربية وأمن الدولة.. أما التقارير الشهرية فغالبا ما تتعلق بمشاريع تحت التنفيذ.. ترسلها الجهات والوزارات المعنية.. والتقرير السنوى الوحيد يقدمه الجهاز المركزى للمحاسبات.
وكل يوم كانت تصل إلى وزارة الخارجية برقيات بالشفرة من السفارات المختلفة فى الخارج.. كانت تلك البرقيات تلخص وترسل إلى الرئيس ليعرضها سكرتيره للمعلومات.. كما كانت تأتى إليه أيضا أحكام الإعدام من مكتب رئيس الديوان.
والمؤكد.. أن الأجهزة المصرية كانت واعية بما ترسله أو لا ترسله إلى الرئيس الإخوانى لأنها كانت تعلم مصير تقاريرها ووثائقها.. إرسالها إلى قطر أو تركيا أو حماس.. وربما لهذا السبب أيضا وضعت هذه الأجهزة عيناها وسط رأسها وتوقعت أن يحاكم مرسى وبطانته بتهمة خيانة الأمن القومى لذلك استعدت لهذا اليوم قبل أن يسقط نظامه بوقت مناسب