فاتورة الحرب الباردة بين هانى قدرى وموظفى الضرائب 40 مليار جنيه
■ تهديدات فى الكواليس بـ«شغل سلبى» يؤثر على الحصيلة
■ مطالبات بإعلان الضرائب والجمارك
«هيئة للموارد السيادية»
■ وزير التخطيط يتعهد بعدم تعديل أى خطأ فى قانون الخدمة المدنية!
لم يدخل العاملون فى مصلحة الضرائب ماراثون الاحتجاجات الفئوية طوال سنوات الثورة، اعتقدوا أن صمتهم مسموع، وحقهم محفوظ.. كانوا مضرب الأمثال من الحكومات المتعاقبة، حتى سقطوا سهوا من حسابات وزير يقامر بـ400 مليار جنيه هى أموال الضرائب التى يشرف على تحصيلها أقل من 60 ألف موظف، بالإضافة لأموال الجمارك، وهم أكثر الفئات تضررا من قانون الخدمة المدنية الجديد.
بعد العمل بقانون الخدمة المدنية لن تتجاوز الزيادة السنوية لموظف أمضى 20 سنة فى وظيفته 90 جنيهاً.. بعد 10 سنوات لن يتحرك راتب الموظف الصغير أكثر من 500 جنيه.
اقتربت الحكومة أكثر مما يجب من رواتب الموظفين، خاصة الضرائب والجمارك، ساعدت فى جمع عشرات الآلاف من الموظفين فى شارع واحد، فى أكبر حركة احتجاج لموظفين عموميين منذ أيام ولاية يوسف بطرس غالى فى وزارة المالية.. وقتها كان الاحتجاج الأكبر لموظفى الضرائب العقارية، واستمر اعتصامهم فى الشارع 14 يوماً.. وواجه بطرس غالى المتظاهرين بتعالٍ شديد وقال أمام مجلس الشعب: "الحكومة ملهاش صباع يتقطع ولا دراع يتلوى".. بعدها بأشهر قامت ثورة 25 يناير.
نجح وزير المالية هانى قدرى فى استدعاء عدد كبير من المحتجين إلى الشارع، للمرة الأولى منذ 30 يونيو، والأكثر مرارة أنه استعدى أكثر الفئات كرهاً للتظاهر.
تدحرجت كرة الثلج.. يطالب الموظفون الآن بتعديل القانون ويهددون بالتصعيد بعد أسبوع، وتصر الحكومة على رجاحة عقلها وأنها لن تقبل الضغوط ولن تعدل القانون، وقد تتغير المطالب بعد أسبوع.. الأغرب أن وزير التخطيط اشرف العربى صرح نصا "القانون ليس به خطأ.. وفى حالة وجود خطأ فى القانون لن يتم تغييره وسوف يتم تدارك هذا الخطأ فى اللائحة التنفيذية المنتظرة".. هذا هو التصريح حسب ما جاء فى وكالات رسمية، وهو تصريح كارثة ينسف القانون ويمهد للحكم بعدم دستوريته، فلا يجوز أن تخالف اللائحة التنفيذية نص القانون، ويكشف فقط عن روح المغامرة والتحدى لدى وزيرى المالية والتخطيط.
مسئول كبير بمصلحة الضرائب قال لى إن الحكومة لم تتأثر كثيرا بالمظاهرات رغم ضخامتها، ولم تدر فى الكواليس مفاوضات بين الحكومة والمحتجين أو من يمثلهم.. وتوقع أن تتصاعد الأزمة وأن تتراجع الحكومة وتعدل القانون.
بالطبع الحكومة لن تستجيب بسهولة، قد تحاول إرضاء المحتجين أثناء صياغة اللائحة التنفيذية وقد يستسلم المحتجون، لكن الأخطر هو استمرار الحرب الباردة بين ممثل الدولة وهم وزيرا المالية والتخطيط وبين اخطر موظفين وهم موظفو الضرائب والجمارك أصحاب الحصيلة الأكبر فى موازنة الدولة.
حسب موازنة الدولة 2015/2016 تصل حصيلة الضرائب إلى 400 مليار جنيه، 80% من تلك المليارات يحصلها 400 موظف فقط، هم العاملون فى مأمورية كبار الممولين، هؤلاء على رأس قائمة ضحايا "الخدمة المدنية".
لن تتأثر النسبة الأكبر من تلك الحصيلة بأى حركات احتجاجية فـ 90٪ من تلك الحصيلة يتقدم أصحابها بإقراراتهم المالية ويدفعون ما عليهم من ضرائب.. والنسبة الباقية "10٪" تحتاج لمجهود خاص من مأمورى الضرائب لتحصيلها وحجمها لا يقل عن 40 مليار جنيه.
بالطبع وضع بعض المتصدرين للحركة الاحتجاجية سيناريو للحرب الباردة.. بعضهم يتحدث عن الأداء السلبى، وهو ما يعنى عدم تحقيق المستهدف تحصيله، قد تتراجع الحصيلة مليارات الجنيهات فى ظل تلك الحالة.
قائمة الانتقادات التى يوجهها الموظفون للقانون طويلة، أولها بالطبع ثبات الراتب فى وقت تتجاوز فيه نسبة التضخم 10 % سنويا، وهو ما يعنى أن تلك الرواتب تتآكل إجمالا خلال 10 سنوات، كما تم تثبيت مكافآت نهاية الخدمة والمعاش على أساس راتب 30 / 6 / 2015 وليس حسب الاساسى الجديد الذى يقره قانون الخدمة المدنية، وتفاصيل فنية أخرى.. وتفاصيل سياسية أكثر قسوة، منها استقالة بعض الموظفين الأكفاء والتحاقهم بالعمل فى وظائف حكومية أخرى براتب يتجاوز 10 أضعاف رواتبهم، منها مجلس الدولة وسلك القضاء مثلا.. ومنها الغاء تطبيق قانون الحد الاقصى للرواتب البنوك وسلك القضاء ورد ما تم استقطاعه لقيادات تلك المؤسسات بأثر رجعى.
قد تكون اللائحة التنفيذية فرصة أمام الحكومة لتعالج خطأها، لكن الفرصة اكبر الآن بتعديل القانون نفسه، أو الإبقاء على القانون وتحقيق مطالب الموظفين بمنحهم كادراً خاصاً مثل الأطباء والمهندسين، واعتبارهم "هيئة الموارد السيادية".. فقط يجب على الحكومة ألا تبقى النار تحت الرماد، لن نتحمل اللعب فى أهم موارد الموازنة.