"المصري" يبحث عن فرحة حتى ولو في "الترعة"

مقالات الرأي


من منكم يريد أن يكبت تلك البسمة، أو يقطع تلك الرقصة، يوقف "هزة وسط" لا تخرج إلا في الأفراح، يسكت صوتًا يغني ابتهاجا لبلده، يقف على قارعة الطريق ليتمايل مع كلمات منمقة، تبعث بإيقاع سريع، تصيب الإنسان بنشوة وطنية مؤقتة، لا تتكرر كثيرًا في ظل ظروفنا الحالية، بحجة أنها ترعة أو حتى تفريعة أو ربما قناة جديدة، من منكم يريد أن يمنع بسمة أم أو أب، بسمة رجل فقير وقف في شرفة منزله أو حتى غني أخرج رأسه من سيارته، ليرفع علم بلاده حبا فيها بحثًا عن غدٍ أفضل.

من منكم يريد أن يمنع ضحكة، ترسم الوجنتين، عندما يركب قطارًا أو عربة مترو دون أن يدفع جنيها، ليلقي بنظرة عابرة على شباك التذاكر، ويصطحب أطفاله نحو مكينة العبور، وهو يردد "ببلاش"، أو يمنع فخرا برئيس جلس بجواره من يناشد ربه أن يرى بلاده كبلادهم.
 
في ظل جدالا قسّم المصريون إلى ثلاث فئات –أحدهم يبارك قناة السويس الجديدة أو التفريعة أو الترعة  كما تحبون، والثاني يقف ليشوه ويعارض ويدلل ليثبت وجهة نظره، وأخير من يقف حائرًا بين هذا وذاك- شعر المصريون بالفخر وراحوا يرددون "تحيا مصر"، داعين الله أن تكون فتحة خير ليعم على أولادهم في المستقبل.
 
في تمام الواحدة وبضع دقائق، بدأت مراسم حفل افتتاح قناة السويس الجديدة باعتلاء الرئيس عبدالفتاح السيسي يخت المحروسة في مشهد مهيب، أدخل السعادة على قلوب الملايين من المصريين سواء كانوا مؤيدين أو معارضين، رأوا بلادهم في أزهى صورها "رئيس ومشروع وحضور"، بعد أن سئموا من الاستيقاظ على أصوات التفجيرات، وكوارث الإهمال، وحوادث الفساد، أخيرا جلسوا جميعا أمام شاشة واحدة يستمتعون بجني ثمار ما دفعوه منذ عام مضى.

ظهر الرئيس وبجواره ما يقرب من 10 من نظراءه، بداية من فرنسا وحتى السودان، مشهد قد اختفى منذ ما يقرب من 5 سنوات، لم يجلس المصريون ليشاهدوا تلك اللحظات، ولم يشعروا بالفخر مثلما شعروا به اليوم، ورغم كل ذلك هناك من يريد أن يصادر تلك الفرحة، ويترك حزن التفجيرات، وألم الوفيات، وكأن المصري قد كتب عليه ألا يفرح.

هاشتاج ظهر وبسرعة البرق اعتلى عرش "تويتر"، حمل اسم "... حفر الترعة"، بينما جاء في المرتبة الثانية "#مصر_بتفرح"، لم يكن مجرد هاشتاج عابر يتناول حدث، بل يؤرخ للفجوة التي تربط بين فئتين من الشعب المصري، فئة تبحث عن فرحة تضع بها حدا للأحزان، أو حتى مشروعا وإن كان "ترعة" كما أطلق البعض  عليه، وأخرى تعارض لمجرد المعارضة، ترى كل ما هو قادم من النظام غبار أسود ولابد من مواجهته، أملا في مستقبل مشرق.
 
أن تجلس ناشطا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، متمردا بحكم شبابك، ثائرا على كل ما تراه نصبا أو وهما يباع للناس، ليس بالضرورة أن يضعك في صفوف المعارضين، أو يجعل بسطاء الناس يصدقون ما تقول، كل ما يهم تلك الطبقة التي فرحت فرحًا شديدًا بقناة السويس هو أن ترى بعينها وتسمع بأذنيها والعالم يتحدث عن إنجاز كان حلما وأصبح حقيقة في عام، كل ما عليك فعله أن تكف عن مصادرة الفرحة العابرة، التي قد لا تستمر بضعة أيام وتحدث فاجعة تعيد إلى المصري وجه الحزن مجددًا.