منال لاشين تكتب: صراع السلفيين والليبراليين فى الساحل الشمالى
■ شركة للقرى السياحية تشترط على مشترى الفيللات عدم وجود محجبات بخمار أو ذقون سلفية ■ الشركة لها تجربة فى العين السخنة ونجاحها فى الساحل الشمالى شجع شركات أخرى لتكرار التجربة ■ السلفيون استولوا على مجلس إدارة قرية سياحة ومنعوا ارتداء المايوه.. وفى قرى أخرى احتلوا الشواطئ
زمان عندما كان أصحاب العمارات يبخرون العمارة حتى تجد من يشتريها أو يؤجر شقة بها.. زمان عندما كان كيلو اللحمة بجنيه والتليفون الأرضى هو وسيلة التواصل.. فى هذا الزمان كان أصحاب العمارات يختارون السكان والمشترين بدقة امتحانات الخارجية أو الالتحاق بالسلك الدبلوماسى أو القضائى.. وكان الملاك يفخرون بأن من بين السكان المحترمين ولاد الناس الطيبين القاضى والدكتور والمحاسب.
الآن وبعد أكثر من نصف قرن تعود فكرة اختيار الساكن.. ولكن الأمر الآن لا يخص العمارات بل الشاليهات والفيللات فى الساحل الشمالى.. ولكن ثمة اختلاف آخر وهو سر الإصرار على اختيار السكان.
ففى كل زيارة للساحل الشمالى كنت أعود ببعض حكايات نميمة الحفلات والجلسات، وفى الغالب تسيطر أسعار الشاليهات والفيللات وبورصة القرى الأكثر ثراء على جانب مهم من أحاديث الساحل.. ولكن فى هذه المرة كانت إحدى القرى السياحية تحتل جانبًا من الاهتمام أو بالأحرى الجدل.. ومن المثير أن يكون هذا الجدل سياسيًا.. وأن وقائعه تعيدك إلى عصر مواجهة الإخوان فى العام الأسود الذين حكموا فيه مصر.
1- لا للمحجبات
أدرك بالطبع أن شعار (لا للمحجبات) هو شعار صادم وكانت إحدى القرى السياحية قد رفعت هذا الشعار.. القرية من القرى الصغيرة والمغلقة تماما.. فالشركة التى أنشأت القرية أعادت فكرة اختيار الساكن أو المشترى.. ووضعت شروطًا لتكوين قرية متجانسة فى تركيبة المشترين.. والتجانس المقصود هنا يتعلق بالحرية الشخصية.. ولا يكفى أن تمتلك ملايين من الجنيهات حتى تشترى فيللا فى هذه القرية.. ولكن تخضع لمقابلة أو اختبار وكشف هيئة أو كشف عائلة.. ويجب ألا يكون ضمن أفراد الأسرة محجبات بخمار وبالطبع لا مكان للمنتقبات أو الرجال ذوى الذقون السلفية أو بالأحرى الميول السلفية أو الإخوانية.. فالقرية تجمعًا ليبراليًا صغيرًا يريد أن يعيش فى حرية دون قيود أو بتعبير أحد السكان (قرف المتطفلين والمتطرفين).. والشركة المالكة للقرية كان لها تجربة سابقة ولكن فى العين السخنة منذ سنوات وتتبع نفس أسلوب اختيار السكان أو بالأحرى المشترين، ولم تلفت القصة انتباه أحد فى العين السخنة.. ولكن تواجدها فى الساحل الشمالى حيث تمتد جلسات النميمة ركز الضوء على هذه التجربة.. خاصة أن نجاح القرية بخصوصياتها الفريدة شجع شركات أخرى على تكرار التجربة بإنشاء قرى أخرى من نفس النوع.
وقد طغت أخبار أو جدل هذه التجربة على جنون أسعار قرى سيدى عبدالرحمن سواء المرحلة الثالثة من مراسى أو القرى التى زحفت على منطقة سيدى عبدالرحمن.. حكاية قرية بدون محجبات طغت على كل الحكايات الأخرى.. معظم من عرف هذه القصة اتخذ موقفا معارضا ومتشددا.. بعضهم يرفض من حيث المبدأ التدخل فى الحياة الشخصية أو إقصاء البعض لمجرد اختيارهم نمطًا ما فى ملابسهم.. هذه الفئة ترى أن التشدد والتعصب ممنوع على الجانبين وأننا إذا كنا نرفض التعصب الدينى فيجب ألا ننساق وراء التشدد على الجانب الآخر.
والأكثرية الرافضة ترى أن منع المحجبات استفزاز دينى قبل أن يكون اجتماعياً.. والقصة بالفعل تبدو مستفزة بدون القصة الأخرى أو الجانب الآخر من القصة.
2- قرى السلفيين
منذ سنوات وحتى قبل وصول الإخوان للحكم شهدت بعض قرى الساحل الشمالى ظاهرة محدودة ولكنها مستفزة وكارثية بالنسبة لأصحاب الشاليهات فى هذه القرى.. فقد اشترت مجموعات من السلفيين عددًا كبيرًا من الشاليهات فى هذه القرى، وسيطروا على مجالس إدارة هذه القرى.. وفى إحدى القرى السياحية نجحوا فى استصدار قرار بمنع ارتداء المايوه.. وعلى المتضرر إما بيع الشاليه أو يضرب دماغه هو وأسرته فى الحيط.. فى بعض القرى لم يصل الأمر إلى منع ارتداء المايوه، ولكنه تطور إلى ما هو أسخف أو بالأحرى أسوأ وأبشع.. يحكى لى أحد الأصدقاء قصته أو مأساته فى قريته السياحية.. اشترى الرجل شاليهًا صف أول على البحر.. وتصور أنه حقق أخيراً حلم عمره بقضاء الإجازة أمام البحر.. ويستمتع وزوجته وأولاده بالبحر.. وفى أول إجازة سافر قبل بدء موسم التصييف.. وكان الجو رائعاً وقضى إجازة سعيدة.. ولكن فى الإجازة الثانية استيقظ صباحا على مصيبة.. فعلى الشاطئ وجد صفاً من النساء المنتقبات بملابس سوداء فضفافة.. ومعهن صف من الرجال يرتدون جلابيب قصيرة ولهم لحى طويلة وكثيفة.. وهذه المجموعة الكبيرة تحتل الصف الأول وتحجب البحر.. وعندما نزلت أسرته إلى الشاطئ لنزول البحر فوجئوا بالنظرات السخيفة والمستفزة وأحيانا الجنسية من رجال المجموعة والنساء.. والمثير أنهم لا ينزلون البحر ومع ذلك مصرين على احتلال كل المقاعد الأمامية على الشاطئ.. واستمر الحال يومًا بعد يوم.. والرجل وأسرته يشعر أنه فى سجن وليس فى إجازة مصيف.. وعندما استفسر الرجل من بعض ساكنى الشاليه.. عرف حجم الكارثة التى وقع فيها.. فهذه القرية بها عدد كبير من السلفيين.. وفى كل صيف يكررون هذه التصرفات لمنع النساء من نزول البحر بالمايوه.. وذلك فيما يشبه (جهاد المصيف).. فمنذ الصباح الباكر يحتلون الصف الأول على طول شاطئ القرية.. وفى الغالب يكون معهم مصاحف يقرأون القرآن.. وفى بعض الأحيان يستمعون إلى القرآن أو يقرأونه بصوت مرتفع.. وعجز بقية السكان عن الاستمتاع بالشاطئ أو نزول البحر.. وأنهى صديقى القصة بأنه هرب بجلده.. وباع الشاليه فى هذه القرية.. واشترى شاليهاً آخر فى قرية سياحية أخرى.. ولكن فى هذه المرة اشترى من خلال أصدقائه للتأكد من سكان القرية أو الجيران.. وذلك بعد أن ذاق المر من جيرانه السلفيين.. مثل هذه المواقف أو الجهاد يتكرر فى قرى أخرى على طول الساحل.. ويعجز السكان عن إيجاد حلول أو إجراء حوار مع الملاك المتشددين.. والذين لا يؤمنون بالحرية الشخصية ولا يتركون للآخرين حق الاستمتاع بالبحر والشاطئ على طريقتهم الخاصة ووفق آرائهم وميولهم ومعتقداتهم.. وهناك بعض الشركات استغلت هذا الاتجاه السلفى تجاريا.. فالشركة تبنى ثلاث قرى تحمل اسم قرية (......) 1، 2، 3.. وخصصوا القرية الأولى للسلفيين والمتشددين دينياً.. وكانوا يقومون بالتسويق لهذه القرية بأنها قرية خالية من المايوهات والمفاسق.. وحققت الشركة مكاسب كبيرة من وراء تسويق القرية على الطريقة الإسلامية.. وبعد ذلك بنت الشركة القرية الثانية والثالثة بعيداً عن السلفيين، مجرد قرى سياحية عادية..
3- قانون الساحل
فى الغالب لو فتحت هذه القضية فى أى (قعدة) سهر فى الساحل سوف تجد قصصًا أخرى مشابهة.. زوج يشكو أن بعض الملتحين يعتبرون نساء الآخرين حلالاً لهم فيضايقهن بنظراتهم.. لأنه يعتبر المرأة التى ترتدى مايوهًا أو فستان شاطئ هى مباحة أو أباحت للآخرين التفرج عليها.. آخرون يتحدثون عن مصادفتهم لمضايقات من هذا النوع مرة على الأقل خلال الإجازات.. وكل من تعرض لهذه المضايقات أو العكننة يوافقون بقوة على قصة قرية بلا متشديين.. أو بشكل عام اختيار ملاك الشاليهات حتى يتحقق التجانس السكانى.. من تعرضوا لهذه الأزمات يرون أن اختيار الجيران مهم.. وعلى نفس درجه أهمية اختيار الشاليه أو الشاطئ..
لأن اختيار الملاك يضمن لهم حقوقهم فى الاستمتاع بالبحر.. وهو جزء من الحقوق الشخصية.. ولكن المشكلة لم تحل بقرى تختار سكانها وتجرى لهم كشف هيئة أو عائلة.. فالأصل أن يحمى القانون والدولة والحكومة جميع المواطنين فى ممارسة حياتهم دون تقييد للحرية الشخصية.. وأن يجد المواطن الذى يتعرض لتقييد حريته أو يحاول الآخرون فرض ممارساتهم عليه قانون يحميه، وحكومة تطبق هذا القانون على الجميع.. بدون فرض سلطة القانون المصرى.. فى ظل قانون الساحل أو بالأحرى قانون قرى الساحل يفرض نفسه.. كل قرية تسن قانونها الخاص.. وتحمى حريتها الشخصية بقواعد خاصة.. لأننا لا نثق أن الدولة أو الحكومة لديها نية أو إرادة أو وقت أو اهتمام لحماية حريتنا.. فقد فرطت حكومات نظام مبارك فى الحريات الشخصية للمواطنين كثيراً.. لم يهتموا بحماية مواطن اشترى شاليهًا بدم قلبه وتعبه ويعجز أن تمارس أسرته نزول البحر.. لأن نظام مبارك اهتم بحرية رجاله وعصابته وشلته وشواطئهم وقراهم وفيللاتهم.. ويجب أن تتوقف هذه الظاهرة أو التعامل مع المواطنين.. يجب أن يتوقف الاستهزاء والتهوين من حق مواطن فى الاستمتاع بالبحر واحترام حريته الشخصية.