منال لاشين تكتب: انقلاب المستقلين على ساويرس وعز
■ 100 مرشح مستقل فى ست محافظات يتفقون على تشكيل حزب بعد البرلمان للحصول على الأغلبية
■ الخطة الحصول على أموال ساويرس ورجال الأعمال فى الانتخابات ثم الانفصال عنهم بعد دخول المجلس
فى كل الانتخابات بمصر كان المستقلون الرقم الصعب فى البرلمان، قامت ثورة 25 يناير وبعدها ثورة 30 يونيو، ولكن كلتا الثورتين فشلتا فى تغيير هذا الرقم الصعب جدا فى معادلة الانتخابات. بعد الثورة أطلقت القوى السياسية من ناحية وتغيير قانون الأحزاب من ناحية أخرى عشرات الأحزاب. لدينا ما يقرب الآن من 90 حزباً. ولكن المستقلين لايزالون الأقوى، الآن وفى سرية تامة يخطط المستقلون لقلب المائدة على رءوس الجميع. وأن التخلص من وصمة العار السياسى بأنهم مجرد أشخاص دون حزب سياسى، أو بالأحرى دون برنامج سياسى. مفاجأة المستقلين هى تشكيل حزب سياسى يجمع شتات المستقلين ويوحد صفوفهم. ويخرجهم من قيود وضغوط الأحزاب والقوى خاصة أحزاب كبار رجال الأعمال.
فى حالة نجاح هذه الخطة فإن خريطة البرلمان القادم ستنقلب رأسا على عقب. لأن الفكرة تقوم على النجاح فى الانتخابات أولا كمستقلين على قوائم أحزاب. وبعد النجاح والحصول على (كرسى) البرلمان تدور العجلة لتنفيذ الخطة بإنشاء حزب يجمع المستقلين ويحولهم إلى قوة أغلبية فى مواجهة أقليات من الأحزاب سواء الليبرالية أو الاشتراكية. وبالمثل سواء كانت هذه الأحزاب من الأحزاب القديمة كالوفد أو الأحزاب الجديدة كالمصريين الأحرار أو حزب شفيق.
1 : أزمة النائب المستقل
يندر وربما يستحيل أن ترى هذا العدد من المستقلين فى أى برلمان فى العالم فالأحزاب هى أساس الحياة السياسية والبرلمانية. ولكن فى مصر وضع خاص جدا. بدأ هذا الوضع يعبر عن نفسه قبل ثورة 25 يناير، وتحديدا فى برلمان 90. فى ذلك الوقت كان الحرس القديم لا يزال يملك زمام الأمور. وجاءت نتيجة الانتخابات بمفاجأة. وهى أن 36% من النواب الناجحين كانوا من المستقلين فى الانتخابات. وسرعان ما انضم معظمهم للحزب الوطنى بوصفه حزب الدولة أو الحكومة. وفى مؤتمر صحفى شهير سئل أمين عام الحزب الوطنى صفوت الشريف عن هذه المفاجأة فأجاب بهدوء: (دول أبناء الحزب ونجحوا على جناحه) وتحولت الإجابة إلى نكتة سياسية. فالحزب الحاكم له نوعان من المرشحين أحدهما أصلى على قوائم الحزب والآخر احتياطى على جناحه.
وواصلت الظاهرة فى النمو والتوسع والتوغل فى مجالس الشعب التالية. وأصبح وجود المرشح فى حزب الحكومة كفيلاً بإسقاطه. بينما يحظى عضو الحزب الوطنى بالنجاح إذا خاض الانتخابات مستقلا. وفى انتخابات 2005 حصدت قائمة الحزب الوطنى 36% فقط من المقاعد. اضطر أحمد عز إلى القيام بزيارات مكوكية ووساطات وترضيات ليضمن للحزب الوطنى الأغلبية. وفى هذه الانتخابات اكتسب المستقلون قوة وأدركوا أنهم الحصان الفائز فى كل سباق انتخابى. ولذلك كانت المفاوضات معهم صعبة جداً. البعض اشترط الحصول على مناصب فى لجان البرلمان، وآخرون طلبوا رصف طرق وخدمات أخرى لدوائرهم. ولكن بين هذا وذاك ردد البعض أنه أنفق كثيراً جداً فى هذه الانتخابات. ووصلت الرسالة وحصلوا على تعويض مالى سمين. ومعظم هذه التعويضات كانت مليونية.
وقد استمر هذا التدليل فى انتخابات 2010 التى أنهت الثورة على مجلسها. فعلى الرغم من التزوير الواسع الذى شهدته هذه الانتخابات فإن مخطط الانتخابات والعقل المدبر لها عز اخترع نظرية عجيبة. وهذه النظرية لم شمل المستقلين إذا حققوا الفوز. فقد تم التواصل مع المرشحين المستقلين من أبناء الحزب الوطنى والاتفاق معهم على بعض المبادئ. وذلك تحت شعار المرشح الأصلى والمرشحين الاحتياطيين. وحظى بعض المرشحين المستقلين بتدليل كامل من عز وذلك لأن استطلاعات الرأى الخاصة جداً به كانت تشير إلى ارتفاع فرص نجاحهم.
2:إذلال المستقلين
ولكن نهاية مجلس 2010 المبكرة على يد ثورة 25 يناير قضت على الوعود التى حصل عليها المستقلون. فقد حل المجلس ولكن بقيت دائرة نفوذ معظم النواب المستقلين، أنهم مرتبطون بدوائرهم من خلال التربيطات الانتخابية الراسخة أو العلاقات العائلية والقبلية. ولأنهم أكثر من يتحدثون لغة الانتخابات بطلاقة. فمفاتيح الدوائر معهم. ولاشك أن تراجعهم فى انتخابات مجلس الإخوان 2012 أصبح من الماضى. فقد استعاد هؤلاء المرشحون المستقلون قوتهم ونفوذهم إلى أبعد الحدود. خاصة أن معظمهم لم يكونوا يوماً من نجوم أو قيادات الحزب الوطنى ولذلك يصعب ربطهم بالحزب. وبالمثل هناك عدد من المرشحين المستقلين لا ينتمون للحزب الوطنى وكانوا يسقطون فى الانتخابات بإرادة الداخلية وليست إرادة الشعب.
هذه الكتلة إذا جاز التعبير كانت ولا تزال مطمع كل القوى والأحزاب على الساحة السياسية. فمعظم هذه الأحزاب قديمها وحديثها يدرك أنه بلا أرضية أو شعبية. ولذلك كان الطريق السهل التعامل مع المرشحين بدلاً من التعامل مع الناخبين.
باستثناء الأحزاب والقوى الثورية فإن الجميع سعوا إليهم. وجرت لقاءات وصفقات. ولكن كانت هناك أيضا عقبات أدت توابعها إلى الوصول لفكرة حزب المستقلين. فالثقة لم تكن متوافرة فى هذه التعاقدات والصفقات لأن الأحزاب والقوى التى تمول المرشحين ستدفع مقدما كل تكاليف الدعاية والانتخابات. بما فى ذلك توفير فرص عمل لبعض أبناء الدائرة أو دفع قروض صغيرة أو متناهية الصغر لهم. بالإضافه إلى بعض خدمات البنية الأساسية. باختصار وعلى بلاطة فإن الدفع قبل الانتخابات. والممولون وأصحاب الأحزاب سيدفعون دون أى ضمانات أن يستمر المرشح المستقل تحت قبضتهم. فعملياً وواقعياً لا يوجد أى مانع من تخلى النواب عن هذه الأحزاب بعد الحصول على عضوية البرلمان. هذه الفكرة أو بالأحرى المخاوف سيطرت إلى حد بعيد على مفاوضات الأحزاب والقوائم مع المرشحين المستقلين الأقوياء. وشهدت كواليس الصفقات اقتراحات أو بالأحرى مطالب من الأحزاب غريبة جدا ومتجاوزة جدا جدا. فكر حزب المصريين الأحرار أن يوقع المرشحين المستقلين على وثيقة أو تعهد. وأن تقر الوثيقة أن يخضع المرشح حال وصوله للبرلمان للحزب فى التصويت داخل البرلمان، وإلا يخرج عن الالتزام الحزبى.
واحتلت فكرة الوثيقة أو التعهد حيزاً سياسياً وكانت قيادات عديدة بحزب المصريين الأحرار تؤيد الفكرة وتحتفى بها. ولكن تبخر التأييد والانبهار مع الآراء القانونية الراسخة. فقد أكد بعض أكبر فقهاء القانون أن الوثيقة غير ملزمة قانونياً ولا دستوريا. وأضاف القانونيون أن هذا الوضع ينطبق أيضا على أبناء حزب المصريين الأحرار. ولذلك فإن توقيع المرشحين على استمارة الانضمام للحزب أو التوقيع على وثيقة الالتزام غير مجدية. وبعد فكرة الوثيقة ظهرت أفكار أكثر جنوحاً أو جنوناً.
ظهرت فكرة أن يوقع المرشحون على شيكات بدون رصيد، ويمثل المبلغ المكتوب فى الشيك مجموع ما انفقه الحزب أو التحالف على المرشح. ومن هذه النفقات الدعاية والإنفاق على أهل الدائرة. وفى نفس الإطار استبدل بعض كبار رجال الأعمال الشيكات بإيصالات الأمانة. وقد كانت هذه الأفكار شرارة الإحساس بالإهانة لدى المرشحين المستقلين. وزاد من هذا الإحساس تصرفات من بعض قيادات تحالف «فى حب مصر». والذى ارتبطت بشائعات عن قربها من الرئاسة والحكومة. خاصة فى وجود الدكتور كمال الجنزورى فى إدارة القائمة أو التحالف. فقد شكى بعض المستقلين من التعالى الذى مارسه الجنزورى عليهم. وكأنهم أيتام فى حاجة إلى أب شرعى.
وقد تكرر نفس الموقف المتعالى خلال جلساتهم أو صفقات مع رجال أحمد عز. فقد شعر المرشحون المستقلون خلال هذه اللقاءات بأنهم يعاملون درجة ثالثة أو حتى عاشرة أو بتعبير أحد المستقلين (يعاملوننا وكأننا تلامذة).
ولا شك أن كلا من جبهات التحالفات قد فشلت فى التعامل مع المرشحين المستقلين الأقوياء، لأن رشوتهم جعلتهم يشعرون بالرخص، وإجبارهم على توقيع شيك بدون رصيد جعلتهم يشعرون بالإهانة والنظرة إليهم كمجرد شراذم سيجمعهم الحزب أو التحالف جعلت الدم يغلى فى عروق بعضهم.
ومن بين القصص أو بالأحرى الفضائح ما حدث مع بعض المرشحين. فقد علم المرشحون أن المفاوضات بينهم وبين حزب أحد أكبر رجال الأعمال مسجلة صوتًا وصورة. وأصيب هؤلاء المرشحون بالصدمة، لأنهم لم يتصوروا أن تصل الندالة السياسية إلى هذه الدرجة.
وسط هذا الإحساس بالغضب أو الأحرى المهانة فقد معظم المرشحين المستقلين ثقتهم باستمرار حزب أحمد شفيق نتيجة لغياب الرجل فى الإمارات. وحتى حزب الوفد يصدر عنه تصريحات فى بعض الأحيان تهين المستقلين وتقلل من ثقتهم فى اتفاقيات وصفقات الحزب معهم.
3: الانتقام
ووسط هذه الأجواء المشبعة بالإهانة وعدم الثقة وعدم الأمان ووسط كل ذلك بدأ بعض المستقلين البحث عن حل يجمع شتاتهم بين الأحزاب والتحالفات.
وهنا انطلقت فكرة خلال لقاء جمع بين خمسة مرشحين من الصعيد. الفكرة هى التعامل مع الجميع وبعد نجاحهم فى الانتخابات يشكلون حزبا يضم النواب المستقلين باستثناء نواب اليسار. ويصبح حزب الأغلبية وهو ظهير سياسى للسيسى وللدولة المصرية. لأن هؤلاء السياسيين لا يثقون فى نوايا وأهداف أحزاب وتحالفات رجال الأعمال. وفى هدوء وسرية بدأ المرشحون يعرضون الفكرة على نحو 100 مرشح مستقل من الوزن الثقيل موزعين على ست محافظات. والفكرة قابلة للانتشار خاصة مع وجود النواب فى البرلمان. لأن النائب إذا كان يملك شعبية فمن السهل عليه أن يجمع مئات التوقيعات من أنصاره لتكوين حزب. وإذا نجحت الفكرة فسوف تكون أكبر مقلب أو بالأحرى صفعة لكل من حاول اللعب على المرشحين بدلاً من اللعب على الناخبين. وصفعة لكل الإهانات التى وجهها قيادات الأحزاب والتحالفات للمستقلين والتعالى عليهم والتعامل معهم كرد سجون. ربما تكون الفكرة انقلابا على العمل السياسى فى العالم. فالأصل أن تنشأ الأحزاب ويخرج منها النواب، وليس العكس، ولكن فى العالم كله يصعب بل يستحيل أن تجد حزبا يقيد مرشحيه بشيك بدون رصيد أو إيصال أمانة أو تسريبات للقاءات المفاوضات بينهم. وتصويرهم خلال اللقاءات على غرار تصوير الجلسات الحمراء. إذا كانت فكرة أو سعى المستقلين لإنشاء حزب تبدو غريبة ومثيرة للدهشة فإنها قد تكون حلاً لإنهاء حالة الفوضى التى تشهدها الساحة السياسية والتى تؤهل مصر لأسوأ برلمان شهدته الديمقراطية الحديثة منها والراسخة الشرقية منها والغربية.